صفحة جزء
ثم التسليم يكون بالتخلية على وجه يتمكن من القبض [ ص: 562 ] بلا مانع ولا حائل . وشرط في الأجناس شرطا ثالثا وهو أن يقول : خليت بينك وبين المبيع فلو لم يقله أو كان بعيدا لم يصر قابضا والناس عنه غافلون ، فإنهم يشترون قرية ويقرون بالتسليم والقبض ، وهو لا يصح به القبض على الصحيح [ ص: 563 ]

وكذا الهبة والصدقة خانية . وتمامه فيما علقناه على الملتقى .


( قوله : ثم التسليم ) أي في المبيع والثمن ولو كان البيع فاسدا كما في البحر ط .

مطلب فيما يكون قبضا للمبيع ( قوله : على وجه يتمكن من القبض ) فلو اشترى حنطة في بيت ودفع البائع المفتاح إليه وقال : خليت بينك وبينها ، فهو قبض وإن دفعه ولم يقل شيئا لا يكون قبضا ، وإن باع دارا غائبة فقال : سلمتها إليك فقال : قبضتها ، لم يكن قبضا ، وإن كانت قريبة كان قبضا : وهي أن تكون بحال يقدر على إغلاقها وإلا فهي بعيدة ، وفي جمع النوازل دفع المفتاح في بيع الدار تسليم إذا تهيأ له فتحه بلا كلفة ، وكذا لو اشترى بقرا في السرح فقال : البائع : اذهب واقبض إن كان يرى بحيث يمكنه الإشارة إليه يكون قبضا ، ولو اشترى ثوبا فأمره البائع بقبضه فلم يقبضه [ ص: 562 ] حتى أخذه إنسان إن كان حين أمره بقبضه أمكنه من غير قيام صح التسليم ، وإن كان لا يمكنه إلا بقيام لا يصح ، ولو اشترى طيرا أو فرسا في بيت ، وأمره البائع بقبضه ففتح الباب فذهب إن أمكنه أخذه بلا عون كان قبضا ، وتمامه في البحر .

مطلب في شروط التخلية وحاصله : أن التخلية قبض حكما لو مع القدرة عليه بلا كلفة لكن ذلك يختلف بحسب حال المبيع ، ففي نحو حنطة في بيت مثلا فدفع المفتاح إذا أمكنه الفتح بلا كلفة قبض ، وفي نحو دار فالقدرة على إغلاقها قبض أي بأن يكون في البلد فيما يظهر ، وفي نحو بقر في مرعى فكونه بحيث يرى ويشار إليه قبض وفي نحو ثوب ، فكونه بحيث لو مد يده تصل إليه قبض ، وفي نحو فرس أو طير في بيت إمكان أخذه منه بلا معين قبض . ( قوله : بلا مانع ) بأن يكون مفرزا غير مشغول بحق غيره ، فلو كان المبيع شاغلا كالحنطة في جوالق البائع لم يمنعه بحر . وفي الملتقط : ولو باع دارا وسلمها إلى المشتري وله فيها متاع قليل أو كثير لا يكون تسليما حتى يسلمها فارغة ، وكذا لو باع أرضا وفيها زرع . ا هـ . وفي البحر عن القنية : لو باع حنطة في سنبلها فسلمها كذلك لم يصح كقطن في فراش ، ويصح تسليم ثمار الأشجار وهي عليها بالتخلية وإن كانت متصلة بملك البائع ، وعن الوبري المتاع لغير البائع لا يمنع ، فلو أذن له بقبض المتاع والبيت صح وصار المتاع وديعة عنده . ا هـ .

مطلب اشترى دارا مأجورة لا يطالب بالثمن قبل قبضها قلت : ويدخل في الشغل بحق الغير ما لو كانت الدار مأجورة ، فليس للبائع مطالبة المشتري بالثمن لعدم القبض وهي واقعة الفتوى سئل عنها ورأيت نقلها في الفصل الثاني والثلاثين من جامع الفصولين : باع المستأجر ورضي المشتري أن لا يفسخ الشراء إلى مضي مدة الإجارة ثم يقبضه من البائع ، فليس له مطالبة البائع بالتسليم قبل مضيها ولا للبائع مطالبة المشتري بالثمن ما لم يجعل المبيع بمحل التسليم ، وكذا لو اشترى غائبا لا يطالبه بثمنه ما لم يتهيأ المبيع للتسليم ا هـ . ( قوله : ولا حائل ) بأن يكون في حضرته . ا هـ . ح وقد علمت بيانه . ( قوله : أن يقول خليت إلخ ) الظاهر أن المراد به الإذن بالقبض لا خصوص لفظ التخلية ، لما في البحر ولو قال : البائع للمشتري بعد البيع : خذ لا يكون قبضا ولو قال : خذه يكون تخلية إذا كان يصل إلى أخذه . ا هـ . وفي الفروع المارة ما يدل عليه أيضا . ( قوله : أو كان بعيدا ) أي وإن قال : خليت إلخ كما مر والمراد بالبعيد ما لا يقدر على قبضه ، بلا كلفة ، ويختلف باختلاف المبيع كما قررناه ، أو المراد به حقيقته ويقاس عليه ما شابهه .

( قوله : وهو لا يصح به القبض ) أي الإقرار المذكور ولا يتحقق به القبض وقيد بالقبض ; لأن العقد في ذاته صحيح ، غير أنه لا يجب على المشتري دفع الثمن لعدم القبض . ( قوله : على الصحيح ) وهو ظاهر الرواية ، ومقابله ما في المحيط وجامع شمس الأئمة أنه بالتخلية يصح القبض وإن كان العقار بعيدا غائبا عنهما عند أبي حنيفة خلافا لهما ، وهو ضعيف كما في البحر وفي الخانية والصحيح ما ذكر في ظاهر الرواية لأنه إذا كان قريبا يتصور فيه القبض الحقيقي في الحال فتقام التخلية مقام القبض ، أما إذا كان [ ص: 563 ] بعيدا لا يتصور القبض في الحال فلا تقام التخلية مقام القبض . ا هـ . هذا ثم إن ما ذكره الشارح هنا نقل مثله في أواخر الإجارات عن وقف الأشباه . ثم قال : قلت : لكن نقل محشيها ابن المصنف في زواهر الجواهر عن بيوع فتاوى قارئ الهداية أنه متى مضى مدة يتمكن من الذهاب إليها والدخول فيها كان قابضا وإلا فلا فتنبه . ا هـ . قلت : لكن أنت خبير بأن هذا مخالف للروايتين ، ولا يمكن التوفيق بحمل ظاهر الرواية عليه ; لأن المعتبر فيها القرب الذي يتصور معه حقيقة القبض كما علمته من كلام الخانية .

( قوله : وكذا الهبة والصدقة ) أي لا تكون تخلية البعيد فيهما قبضا قال : في البحر : وعلى هذا تخلية البعيد في الإجارة غير صحيحة فكذا الإقرار بتسليمها . ا هـ . قلت : ومفاده أن تخلية القريب في الهبة قبض ، لكن هذا في غير الفاسدة كما في الخانية حيث قال : أجمعوا على أن التخلية في البيع الجائز تكون قبضا وفي البيع الفاسد روايتان والصحيح أنه قبض وفي الهبة الفاسدة - كالهبة في المشاع الذي يحتمل القسمة - لا تكون قبضا باتفاق الروايات . واختلفوا في الهبة الجائزة ذكر الفقيه أبو الليث أنه لا يصير قابضا في قول أبي يوسف وذكر شمس الأئمة الحلواني أنه يصير قابضا ولم يذكر فيه خلافا . ا هـ .

[ تتمة ] : في البزازية قبض المشتري المشري قبل نقده بلا إذن البائع ، فطلبه منه فخلى بينه ، وبين البائع لا يكون قبضا حتى يقبضه بيده ، بخلاف ما إذا خلى البائع بينه وبين المشتري اشترى بقرة مريضة وخلاها في منزل البائع قائلا إن هلكت فمني وماتت ، فمن البائع لعدم القبض وكذا لو قال : للبائع : سقها إلى منزلك فأذهب فأتسلمها ، فهلكت حال سوق البائع فإن ادعى البائع التسليم فالقول للمشتري ، قال : المشتري للعبد : اعمل كذا أو قال : للبائع مره يعمل كذا فعمل فعطب العبد هلك من المشتري لأنه قبض قال : المشتري للبائع : لا أعتمدك على المبيع ، فسلمه إلى فلان يمسكه حتى أدفع لك الثمن ففعل البائع وهلك عند فلان هلك من البائع ; لأن الإمساك كان لأجله . اشترى وعاء لبن خائر في السوق فأمر البائع بنقله إلى منزله فسقط في الطريق فعلى البائع إن لم يقبضه المشتري . اشترى في المصر حطبا فغصبه غاصب حال حمله إلى منزله فمن البائع ; لأن عليه التسليم في منزل الشاري بالعرف . قال : للبائع زنه له وابعثه مع غلامك أو غلامي ففعل وانكسر الوعاء في الطريق فالتلف من البائع ، إلا أن يقول ادفعه إلى الغلام لأنه توكيل للغلام والدفع إليه كالدفع إلى المشتري . ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية