صفحة جزء
ثم فرع على الأصل بقوله ( فيصح ) البيع ( بشرط يقتضيه العقد ) ( كشرط الملك للمشتري ) وشرط حبس المبيع لاستيفاء الثمن ( أو لا يقتضيه ولا نفع فيه لأحد ) ولو أجنبيا ابن ملك ، فلو شرط أن يسكنها فلان أو أن يقرضه البائع أو المشتري كذا فالأظهر الفساد ذكره أخي زاده [ ص: 87 ] وظاهر البحر ترجيح الصحة ( كشرط أن لا يبيع ) عبر ابن الكمال بيركب ( الدابة المبيعة ) فإنها ليست بأهل للنفع ( أو لا يقتضيه لكن ) يلائمه كشرط رهن معلوم وكفيل حاضر ابن ملك ، أو ( جرى العرف به كبيع نعل ) أي صرم سماه باسم ما يئول عيني ( على أن يحذوه ) البائع ( ويشركه ) أي يضع عليه الشراك وهو السير ومثله تسمير القبقاب [ ص: 88 ] ( استحسانا للتعامل بلا نكير ) ، هذا إذا علقه بكلمة على ، وإن بكلمة إن بطل البيع إلا في بعت إن رضي فلان ، ووقته كخيار الشرط أشباه من الشرط والتعليق ، وبحر من مسائل شتى .


( قوله ثم فرع على الأصل ) أي ذكر فروعا مبنية عليه ، وتقدم في آخر باب خيار الشرط أن البيع لا يفسد بالشرط في اثنين وثلاثين موضعا فراجعها ( قوله يقتضيه العقد ) أي يجب به بلا شرط ( قوله ولا نفع فيه لأحد ) أي من أهل الاستحقاق للنفع ، وإلا فالدابة تنتفع ببعض الشروط ، وشمل ما فيه مضرة لأحدهما . قال في النهر : كأن كان ثوبا على أن يخرقه أو جارية على أن لا يطأها أو دارا على أن يهدمها ; فعند محمد البيع جائز والشرط باطل . وقال أبو يوسف : البيع فاسد ، كذا في الجوهرة ومثل في البحر لما فيه مضرة بما إذا اشترى ثوبا على أن لا يبيعه ولا يهبه ، والبيع في مثله جائز عندهما خلافا لأبي يوسف ا هـ . قلت : فإطلاق المصنف مبني على قولهما ، وشمل أيضا ما لا مضرة فيه ولا منفعة .

قال في البحر : كأن اشترى طعاما بشرط أكله أو ثوبا بشرط لبسه فإنه يجوز . ا هـ تأمل ( قوله ولو أجنبيا ) تعميم لقوله لأحد ، وبه صرح الزيلعي أيضا ( قوله فلو شرط إلخ ) تفريع على مفهوم التعميم المذكور ، فإن مفهومه أنه لو كان فيه نفع لأجنبي يفسد البيع ; كما لو كان لأحد المتعاقدين ( قوله أو أن يقرضه ) أي أن يقرض فلانا أحد العاقدين كذا ، بأنشرط المشتري على البائع أن يقرض زيدا الأجنبي كذا من الدراهم أو شرط البائع على المشتري ذلك ( قوله فالأظهر الفساد ) وبه جزم في الفتح بقوله : وكذا إذا كانت المنفعة لغير العاقدين ، ومنه إذا باع ساحة على أن يبني بها [ ص: 87 ] مسجدا أو طعاما على أن يتصدق به فهو فاسد . ا هـ .

ومفاده أنه لا يلزم أن يكون الأجنبي معينا ، وتأمله مع ما قدمناه آنفا عن الخلاصة ، إلا أن يجاب بأن المسجد والصدقة يراد بهما التقرب إلى الله تعالى وحده ، وإن كانت المنفعة فيهما لعباده ، فصار المشروط له معينا بهذا الاعتبار تأمل ( قوله وظاهر البحر ترجيح الصحة ) حيث قال : وخرج أيضا ما إذا شرط منفعة لأجنبي كأن يقرض البائع أجنبيا فالبيع صحيح كما في الذخيرة عن الصدر الشهيد . وفيها : وذكر القدوري أنه يفسد كأن يقول اشتريت منك هذا على أن تقرضني أو تقرض فلانا ا هـ . وفي القهستاني عن الاختيار جواز البيع وبطلان الشرط . وفي المنح : واختار صاحب الوقاية تبعا لصاحب الهداية عدم الفساد ا هـ . وبه جزم في الخانية . قلت : لكن قد علمت أن ما نقله الشارح عن ابن ملك من التعميم للأجنبي صرح به الزيلعي ، وبه جزم في الفتح وكذلك في الخلاصة كما قدمناه آنفا .

والحاصل أنهما قولان في المذهب ( قوله عبر ابن الكمال بيركب الدابة ) وهو أحسن ; لأن المراد بقوله ولا نفع فيه لأحد أي من أهل الاستحقاق ، فالتقييد بأهل الاستحقاق للاحتراز عما فيه نفع لغيرهم كالدابة في بيعها بشرط أن لا يركبها فإنه غير مفسد ; لأنها ليست بأهل لاستحقاق النفع . وأما اشتراط أن لا يبيعها فإنه ليس فيه نفع لها عادة ولا لغيرها ، وذلك ليس محل التوهم ليحترز عنه ، بخلاف ما فيه نفعها ( قوله لكن يلائمه ) عبر بدله في الفتح بما يتضمن التوثق بالثمن ، وهو قريب مما قدمناه عن الذخيرة من تفسير الملائم بما يؤكد موجب العقد فإن الثمن من موجبات العقد ( قوله كشرط رهن معلوم ) أي بالإشارة أو التسمية ، فلو لم يكن معلوما بذلك لم يجز إلا إذا تراضيا على تعيينه في المجلس ودفعه إليه قبل أن يتفرقا أو يعجل الثمن ويبطلان الرهن ، وإذا كان مسمى فامتنع عن تسليمه لم يجبر ، وإنما يؤمر بدفع الثمن ، فإن لم يدفعهما خير البائع في الفسخ بحر ( قوله وكفيل حاضر ) أي وقبل الكفالة .

وكذا لو غائبا فحضر وقبلها قبل التفرق ، فلو بعده أو كان حاضرا فلم يقبل لم يجز ، واشتراط الحوالة كالكفالة بحر . قلت : في الخانية : ولو باع على أن يحيل البائع رجلا بالثمن على المشتري فسد البيع قياسا واستحسانا ; ولو باع على أن يحيل المشتري البائع على غيره بالثمن فسد قياسا وجاز استحسانا . ا هـ ( قوله أي صرم ) بفتح الصاد المهملة : وهو الأديم أي الجلد ( قوله سماه باسم ما يئول ) أي كتسمية العصير خمرا ، وذلك أن قوله على أن يحذوه : أي يقطعه لا يناسب النعل ، وإنما يناسب الجلد فإنه يقطع ثم يصير نعلا . وجوز في الفتح أن يكون حقيقة : أي اشترى نعل رجل واحدة على أن يحذوها أي يجعل معها مثالا آخر ليتم نعلا الرجلين ، ومنه : حذوت النعل بالنعل قدرته بمثال قطعته .

قال ويدل عليه قوله أو يشركه فجعله مقابلا لقوله نعلا ، ولا معنى لأن يشتري أديما على أن يجعل له شراكا فلا بد أن يراد حقيقة النعل ا هـ . وأجاب في النهر بأنه يجوز أن يراد بالنعل الصرم ، وضمير يشركه للنعل بالمعنى الحقيقي على طريق الاستخدام ا هـ . قلت : إرادة الحقيقة أظهر في عبارة الهداية حيث قال على أن يحذوها أو يشركها بضمير التأنيث ; لأن النعل مؤنثة ، أما على عبارة المصنف كالكنز من تذكير الضمير فالأظهر إرادة المجاز وهو الجلد ( قوله ومثله تسمير القبقاب ) [ ص: 88 ] أصله للمحقق ابن الهمام حيث قال : ومثله في ديارنا شراء القبقاب على أنه يستمر له سيرا ( قوله استحسانا للتعامل ) أي يصح البيع ويلزم للشرط استحسانا للتعامل .

والقياس فساده ; لأن فيه نفعا لأحدهما وصار كصبغ الثوب ، مقتضى القياس منعه ; لأنه إجارة عقدت على استهلاك عين الصبغ مع المنفعة ولكن جوز للتعامل ومثله إجارة الظئر ، وللتعامل جوزنا الاستصناع مع أنه بيع المعدوم ، ومن أنواعه شراء الصوف المنسوج على أن يجعله البائع قلنسوة ، أو قلنسوة بشرط أن يجعل البائع لها بطانة من عنده ، وتمامه في الفتح . وفي البزازية : اشترى ثوبا أو خفا خلقا على أن يرقعه البائع ويسلمه صح ا هـ . ومثله في الخانية . قال في النهر : بخلاف خياطة الثوب لعدم التعارف ا هـ . قال في المنح : فإن قلت : { نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط } فيلزم أن يكون العرف قاضيا على الحديث .

قلت : ليس بقاض عليه ، بل على القياس ; لأن الحديث معلوم بوقوع النزاع المخرج للعقد عن المقصود به وهو قطع المنازعة ، والعرف ينفي النزاع فكان موافقا لمعنى الحديث ، فلم يبق من الموانع إلا القياس . والعرف قاض عليه ا هـ ملخصا . قلت : وتدل عبارة البزازية والخانية ، وكذا مسألة القبقاب على اعتبار العرف الحادث ، ومقتضى هذا أنه لو حدث عرف في شرط غير الشرط في النعل والثوب والقبقاب أن يكون معتبرا إذا لم يؤد إلى المنازعة ، وانظر ما حررناه في رسالتنا المسماة نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف التي شرحت بها قولي : والعرف في الشرع له اعتبار لذا عليه الحكم قد يدار ( قوله وهذا ) أي التفصيل السابق ( قوله إنما هو إذا علقه بكلمة على ) والظاهر من كلامهم أن قوله بشرط كذا بمنزلة على نهر . قلت : يؤيده ما في القهستاني حيث قيد الشرط بكون حرف الباء وعلى دون إن ا هـ .

قال في النهر : ولا بد أن لا يقولها بالواو ، حتى لو قال بعتك بكذا وعلى أن تقرضني كذا فالبيع جائز ولا يكون شرطا ، وأن يكون الشرط في صلب العقد إلخ ، وقدمنا الكلام على الأخير ( قوله بطل البيع ) ظاهره ولو كان مضرا لا نفع فيه لأحد ، وبه صرح القهستاني ( قوله ووقته ) بصيغة الماضي من التوقيت ط ( قوله كخيار الشرط ) أي كتوقيت خيار الشرط وهو ثلاثة أيام وهذا منه ، فإن خيار الشرط يصح لغير العاقدين ( قوله وبحر من مسائل شتى ) أي متفرقة جمع شتيت ، والمسألة مذكورة في البحر في هذا الباب أيضا ، وكذا في النهر والقهستاني .

التالي السابق


الخدمات العلمية