صفحة جزء
[ ص: 79 ] كتاب الطهارة قدمت العبادات على غيرها اهتماما بشأنها ، والصلاة تالية للإيمان والطهارة مفتاحها بالنص ، وشرط بها مختص ، [ ص: 80 ] لازم لها في كل الأركان ، وما قيل قدمت لكونها شرطا لا يسقط أصلا ، ولذا فاقد الطهورين يؤخر الصلاة ، وما أورد من أن النية كذلك مردود كل ذلك

أما النية ففي القنية وغيرها : من توالت عليه الهموم تكفيه النية بلسانه . وأما الطهارة ، ففي الظهيرية وغيرها من قطعت يداه ورجلاه وبوجهه جراحة يصلي بلا وضوء ولا تيمم ولا يعيد ، قال بعض الأفاضل في الأصح .

وأما فاقد الطهورين ، ففي الفيض وغيره أنه يتشبه عندهما ، وإليه صح رجوع الإمام وعليه الفتوى . [ ص: 81 ]

قلت : وبه ظهر أن تعمد الصلاة بلا طهر غير مكفر كصلاته لغير القبلة أو مع ثوب نجس ، وهو ظاهر المذهب كما في الخانية ، وفي سير الوهبانية : وفي كفر من صلى بغير طهارة مع العمد خلف في الروايات يسطر

ثم هو مركب إضافي مبتدأ أو خبر أو مفعول لفعل محذوف ، فإن أريد التعداد بني على السكون وكسر تخلصا [ ص: 82 ] من الساكنين وإضافته لامية لا ميمية .

وهل يتوقف حده لقبا على معرفة مفرديه ؟ الراجح نعم ، فالكتاب مصدر بمعنى الجمع [ ص: 83 ] لغة ، جعل شرعا عنوانا لمسائل مستقلة . بمعنى المكتوب .

والطهارة مصدر طهر بالفتح ويضم : بمعنى النظافة لغة ، ولذا أفردها . وشرعا النظافة عن حدث أو خبث [ ص: 84 ] ومن جمع نظر لأنواعها وهي كثيرة . وحكمها شهيرة . وحكمها استباحة ما لا يحل بدونها


[ ص: 79 ] كتاب الطهارة

( قوله قدمت العبادات إلخ ) اعلم أن مدار أمور الدين على الاعتقادات والآداب والعبادات والمعاملات والعقوبات ، والأولان ليسا مما نحن بصدده .

والعبادات خمسة : الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد . والمعاملات خمسة : المعاوضات المالية ، والمناكحات ، والمخاصمات ، والأمانات ، والتركات . والعقوبات خمسة : القصاص ، وحد السرقة ، والزنا ، والقذف ، والردة .

( قوله : اهتماما بشأنها ) وجهه أن العباد لم يخلقوا إلا لها . قال الله تعالى - { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } - .

( قوله : والصلاة إلخ ) شروع في بيان وجه تقديم الصلاة على غيرها من العبادات ، وتقديم الطهارة عليها .

( قوله : تالية للإيمان ) أي نصا ، كقوله تعالى - { الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة } - وكحديث { بني الإسلام على خمس } بحر . أقول : وفعلا غالبا ، فإن أول واجب بعد الإيمان في الغالب فعل الصلاة لسرعة أسبابها ، بخلاف الزكاة والصوم والحج ، ووجوبا لأن أول ما وجب الشهادتان ثم الصلاة ثم الزكاة كما صرح به ابن حجر في شرح الأربعين ، وفضلا كما قال الشرنبلالي : إن الإجماع منعقد على أفضليتها ، بدليل { أي الأعمال أفضل بعد الإيمان ؟ فقال : الصلاة لوقتها } .

( قوله : والطهارة مفتاحها إلخ ) أي وما كان مفتاحا لشيء وشرطا له فهو مقدم عليه طبعا فيقدم وضعا .

( قوله : بالنص ) وهو ما رواه السيوطي في الجامع الصغير ، من قوله صلى الله عليه وسلم { مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم } وهو حديث حسن . قال الرافعي : الطهور بضم الطاء فيما قيده بعضهم ، ويجوز الفتح ; لأن الفعل إنما يتأتى بالآلة . قال ابن العربي : هذا مجاز ما يفتحها من غلقها ، وذلك أن الحدث مانع منها فهو كالقفل يوضع على المحدث حتى إذا توضأ انحل القفل ، وهذه استعارة بديعة لا يقدر عليها إلا النبوة ا هـ من شرحه للعلقمي .

( قوله : بها مختص ) الأصل في لفظ الخصوص وما يتفرع منه أن يستعمل بإدخال الباء على المقصور عليه ، أعني ما له الخاصة فيقال خص المال بزيد : أي المال له دون غيره ، لكن الشائع في الاستعمال إدخالها لها على المقصور أعني الخاصة كقولك : اختص زيد بالمال ، وما هنا من قبيل الأول ، إذ لا يخفى أن الخاصة هي اشتراط الطهارة دون الصلاة ، فالمعنى أنها شرط مختص بالصلاة لا يتجاوزها إلى غيرها من العبادات ، ولو كان من قبيل الثاني لكان حقه أن يقال تختص الصلاة به فافهم ، والمراد أنها شرط صحة فلا يرد أنها تكون واجبة في الطواف ; لأنه يصح بدونها ، ولا ترد النية لأنها ليست مختصة بالصلاة بل هي شرط لكل عبادة ، ولا استقبال القبلة فإنه قد لا يشترط كما في الصلاة على الدابة وحالة العذر من مرض ونحوه ، [ ص: 80 ] ومثله ستر العورة . وأما وجوبه في خارجها فليس على سبيل الشرطية .

( قوله : لازم لها في كل الأركان ) أقول : لم تظهر لي فائدة هذا القيد في كلامه ، نعم ذكره في البحر بعد التعليل بعدم السقوط أصلا للاحتراز عن النية ; لأنها لا يشترط استصحابها لكل ركن ، وقد علمت الاحتراز عن النية بمادة الاختصاص ، على أنه سيذكر عن الفيض أن الطهارة قد تسقط أصلا فليست شرطا لازما دائما ، فإن أراد لزومها بدون عذر ورد عليه الاستقبال والستر فإنهما كالطهارة في ذلك تأمل .

( قوله : وما قيل ) قائله الإمام السغناقي صاحب النهاية ، وهي أول شرح للهداية .

( قوله : لا يسقط أصلا ) أي لا يسقط بعذر من الأعذار نهاية .

( قوله : فاقد الطهورين ) أي الماء والتراب كمن حبس وقيد بحيث لا يصل إليهما .

( قوله : كذلك ) أي شرط لا يسقط أصلا .

( قوله : مردود كل ذلك ) أي كل من دعوى عدم سقوط الطهارة أصلا ، وأن فاقد الطهورين يؤخر ، وأن النية لا تسقط أيضا ، وأتى برد هذه الثلاثة غير مرتب .

( قوله : أما النية ) أي أما وجه الرد في دعوى عدم سقوط النية أصلا ، وهذا الرد الذي بعده لصاحب النهر .

( قوله : ففي القنية وغيرها ) كالمجتبى ، وهو أيضا للعلامة مختار بن محمود الزاهدي صاحب القنية ، وكتاب القنية مشهور بضعف الرواية ، وقد نقل هذا الفرع من شرح الصباغي .

( قوله : تكفيه النية بلسانه ) إطلاق النية على اللفظ مجاز . ا هـ . ح : أي لأن النية عمل القلب لا اللسان ، وإنما الذكر باللسان كلام ، ومن ثم حكى الإجماع على كونها بالقلب ، فقد سقطت النية هنا للعذر فسقط القول بعدم سقوطها . بقي أن التلفظ بها للعاجز إن كان غير شرط فلا إشكال ; ولذا اختار في الهداية أن التلفظ بها مستحب لمن لم تجتمع عزيمته وإن كان شرطا كما هو المتبادر من كلام القنية . ورد عليه ما في الحلية شرح المنية لابن أمير الحاج أنه نصب بدل بالرأي وهو ممنوع إلا أن يظهر دليله ، وأقره في المنح .

أقول : وما قاله الحموي من أنه حيث كان لا يقدر على نية القلب صار الذكر باللسان أصلا لا بدلا ا هـ دعوى بلا دليل . وأيضا هو مشترك الإلزام ، فإن نصب الشروط الأصلية لا بد لها من دليل أيضا ، وهذا كله حيث كان الفرع المذكور من تخريجات بعض المشايخ كما هو ظاهر ، وأما لو كان منقولا عن المجتهد فلا يلزم المقلد طلب دليله .

( قوله : وبوجهه جراحة ) قيد به ; لأنه لو كان سليما مسحه على الجدار بقصد التيمم ط ، وسكت عن الرأس ; لأن أكثر الأعضاء جريح ، والوظيفة حينئذ التيمم ولكنه سقط لفقد آلته وهما اليدان . ا هـ . ح .

( قوله : يصلي بلا وضوء ) أي فسقط قولهم إن الطهارة لا تسقط أصلا ط ، لكن ذكر الحموي في رسالة أنه قد يقال المراد بعدم السقوط بعذر إنما هو بعد إمكانه في الجملة ، وما هنا راجع إلى زوال الأهلية لعدم المحلية ، على أن التخلف في مادة واحدة قلما تقع لا يقدح في الكلية كما لا يخفى على أصحاب الرواية .

( قوله : وأما فاقد الطهورين ) هذا رد من الشارح للدعوى الوسطى ط .

( قوله : يتشبه ) أي بالمصلين وجوبا ، فيركع ويسجد إن وجد مكانا يابسا ، [ ص: 81 ] وإلا يومئ قائما ثم يعيد كما سيأتي في التيمم : ونقل ط أنه لا يقرأ فيها ، ثم قال : وفيه أن هذا لا يصلح ردا ; لأن هذه صورة صلاة وليست بصلاة حقيقية لما أنه يطالب بعد ذلك بفعلها ; ولذا قال ح الأولى المعارضة بالمعذور ا هـ أي إذا توضأ على السيلان وصلى في الوقت فإنه يصدق عليه أنه صلى بغير طهارة ، وفيه نظر لأن هذه الطهارة من المعذور معتبرة شرعا . ا هـ .

( قوله : وبه ) أي بما في الظهيرية لأنه الذي ينتج ما ذكره ط .

( قوله : غير مكفر ) أشار به إلى الرد على بعض المشايخ ، حيث قال المختار أنه يكفر بالصلاة بغير طهارة لا بالصلاة بالثوب النجس وإلى غير القبلة لجواز الأخيرتين حالة العذر بخلاف الأولى فإنه لا يؤتى بها بحال فيكفر . قال الصدر الشهيد : وبه نأخذ ذكره في الخلاصة والذخيرة ، وبحث فيه في الحلية بوجهين : أحدهما ما أشار إليه الشارح . ثانيهما أن الجواز بعذر لا يؤثر في عدم الإكفار بلا عذر ; لأن الموجب للإكفار في هذه المسائل هو الاستهانة ، فحيث ثبتت الاستهانة في الكل تساوى الكل في الإكفار ، وحيث انتفت منها تساوت في عدمه ، وذلك لأنه ليس حكم الفرض لزوم الكفر بتركه ، وإلا كان كل تارك لفرض كافرا ، وإنما حكمه لزوم الكفر بجحده بلا شبهة دارئة ا هـ ملخصا : أي والاستخفاف في حكم الجحود .

( قوله : كما في الخانية ) حيث قال بعد ذكره الخلاف في مسألة الصلاة بلا طهارة وأن الإكفار رواية النوادر . وفي ظاهر الرواية لا يكون كفرا ، وإنما اختلفوا إذا صلى لا على وجه الاستخفاف بالدين ، فإن كان وجه الاستخفاف ينبغي أن يكون كفرا عند الكل . ا هـ .

أقول : وهذا مؤيد لما بحثه في الحلية لكن بعد اعتبار كونه مستخفا ومستهينا بالدين كما علمت من كلام الخانية ، وهو بمعنى الاستهزاء والسخرية به ، أما لو كان بمعنى عد ذلك الفعل خفيفا وهينا من غير استهزاء ولا سخرية ، بل لمجرد الكسل أو الجهل فينبغي أن لا يكون كفرا عند الكل تأمل .

( قوله : مع العمد ) أي حال كونه مصاحبا للعمد ط .

( قوله : خلف ) أي اختلاف بين أهل المذهب والمعتمد عدم التفكير كما هو ظاهر المذهب ، بل قالوا لو وجد سبعون رواية متفقة على تكفير المؤمن ورواية ولو ضعيفة بعدمه يأخذ المفتي والقاضي بها دون غيرها ، والخلاف مخصوص بغير فرع الظهيرية ، وأما هو فصلاته واجبة عليه بغير طهارة لأمر الشارع له بذلك ط .

( قوله : يسطر ) أي يكتب .

( قوله : ثم هو ) أي كتاب الطهارة وثم للترتيب الذكري ، وقد تأتي للاستئناف ط .

( قوله : مبتدأ أو خبر ) أي كتاب الطهارة هذا ، أو هذا كتاب الطهارة .

واختلف في الأولى منهما ، فقيل الأول لأن المبتدأ هو الركن الأعظم الشديد الحاجة إليه فإبقاؤه أولى ; ولأن التجوز في آخر الجملة أسهل ، وقيل الثاني لأن الخبر محط الفائدة .

( قوله : لفعل محذوف ) نحو خذ أو اقرأ .

( قوله : فإن أريد التعداد ) أي تعداده مع الكتب الآتية بلا قصد إسناد كالأعداد المسرودة .

( قوله : بني على السكون ) لشبهه الحرف في الإهمال ط . زاد القهستاني : ويجوز الفتح على النقل والضم على الحذف ا هـ لكن فيه أن نقل حركة الهمزة شرطه كونها للقطع . وقد يجاب بما ذكره الزمخشري في الم الله من أن ميم في حكم الوقف والهمزة [ ص: 82 ] في حكم الثابت وإنما حذفت تخفيفا وألقيت حركتها على ما قبلها للدلالة عليها تأمل . والظاهر أنه أراد بالضم حركة الإعراب وبالحذف حذف المبتدإ أو الخبر ، ويؤيده أنه لم يذكر حكم الإعراب فذكر الشارح له في شرحه على الملتقى مع ذكر حكم الإعراب قبله غير مرضي تأمل .

( قوله : وإضافته لامية ) أي على معنى لام الاختصاص : أي كتاب للطهارة : أي مختص بها .

( قوله : لا ميمية ) كذا في كثير من النسخ تبعا للنهر والصواب ما في بعض النسخ لا منية بتخفيف النون وتشديد الياء نسبة إلى من التي هي من حروف الجر ، ووجه ما ذكره أن التي بمعنى من البيانية شرطها كون المضاف إليه أصلا للمضاف وصالحا للإخبار به عنه ، وأن يكون بينه وبين المضاف عموم وخصوص من وجه . وزاد في التسهيل رابعا وهو صحة تقدير من البيانية ، وكل ذلك مفقود هنا . قال في النهر : وليست على معنى في ا هـ : أي لأن ضابطها كون الثاني ظرفا للأول نحو - { مكر الليل } - وخالفه المصنف في المنح واختار كونها بمعناها وقال وهو الأوجه وإن كان قليلا . ا هـ . لكن الظرفية حينئذ مجازية وهي كثيرة .

أقول : ويؤيده أنه قد يصرح بفي فيقال فصل في كذا باب في كذا ، وهو من ظرفية الدال في المدلول بناء على أن المراد بالكتاب والفصل ونحوهما من التراجم الألفاظ المعينة الدالة على المعاني المخصوصة كما هو مختار سيد المحققين ، وأن المراد من الطهارة أي من مسائلها المعاني ، ويجوز العكس ، فيكون من ظرفية المدلول في الدال تأمل .

( قوله : وهل يتوقف حده لقبا ) أي من جهة كونه لقبا فهو منصوب على التمييز ، وقدمنا أن المراد بالحد في مثل هذا الرسم ، وأراد باللقب العلم إذ ليس فيه ما يشعر برفعة المسمى أو بضعته ، وأتى بالاستفهام لوقوع الخلاف فيه ، أما توقفه على ذلك من حيث كونه مركبا إضافيا فلا شبهة فيه ، وكان ينبغي له أن يذكر قبل ذلك حده للقبي ، بأن يقول هو علم على جملة من مسائل الطهارة ، وأما قوله جعل شرعا عنوانا لمسائل مستقلة فهو بيان لمعنى المضاف لا للاسم اللقبي الذي هو مجموع المضاف والمضاف إليه .

( قوله : الراجح نعم ) قال الأبي في شرحه على صحيح مسلم في كتاب الإيمان : والمركب الإضافي قيل حده لقبا يتوقف على معرفة جزأيه ; لأن العلم بالمركب بعد العلم بجزأيه ، وقيل لا يتوقف لأن التسمية سلبت كلا من جزأيه عن معناه الإفرادي وصيرت الجميع اسما لشيء آخر ، ورجح الأول بأنه أتم فائدة . ا هـ . واستحسنه في النهر .

أقول : أما كونه أتم فائدة فلا كلام فيه ، وأما توقف فهم معناه العلمي على فهم معنى جزأيه ففي حيز المنع ، فإن فهم المعنى العلمي من امرئ القيس مثلا يتوقف على فهم ما وضع ذلك اللفظ بإزائه وهو الشاعر المشهور ، وإن جهل معنى كل من مفرديه فالحق القول الثاني ، ولذا اقتصر في التحرير والتلويح وغيرهما في تعريف أصول الفقه على بيان معنى المفردين من حيث كونه مركبا إضافيا فقط .

( قوله : فالكتاب ) تفريع على الراجح .

( قوله : مصدر بمعنى الجمع ) عدل عن قول البحر والعناية هو جمع الحروف ، لما أورد عليه أن الكتاب والكتابة لغة : الجمع المطلق ; لأن العرب تقول كتبت الخيل إذا جمعتها . ا هـ . وزاد في الدرر احتمال كونه فعالا بني للمفعول كاللباس [ ص: 83 ] بمعنى الملبوس . قال : وعلى التقديرين يكون بمعنى المجموع .

( قوله : لغة ) منصوب على نزع الخافض أو على التمييز أو على الحالية ومثله شرعا واصطلاحا : وبيان ذلك مع ما يرد عليه في رسالتنا الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة .

( قوله : جعل ) أي الكتاب لا بقيد كونه مضافا للطهارة بل أعم منها ومن الصلاة ونحوها ; لأنه في صدد بيان المضاف بمفرده كما أشرنا إليه .

( قوله : شرعا ) الأولى اصطلاحا لأن التعبير به لا يخص أهل الشرع وإن كان هو الغالب عندهم لكن قيد به نظرا للمقام أفاده ط .

( قوله : عنوانا ) أي عبارة تذكر صدر الكلام .

( قوله : لمسائل ) أي لألفاظ مخصوصة دالة على مسائل مجموعة وتمامه في النهر . مطلب في اعتبارات المركب التام

وذكر في التلويح أن المركب التام المحتمل للصدق والكذب يسمى من حيث اشتماله على الحكم قضية ، ومن حيث احتماله الصدق والكذب خبرا ، ومن حيث يطلب بالدليل مطلوبا ، ومن حيث يحصل من الدليل نتيجة ، ومن حيث يقع في العلم ويسأل عنه مسألة ، فالذات واحدة ، واختلاف العبارات باختلاف الاعتبارات . ا هـ .

( قوله : مستقلة ) بمعنى عدم توقف تصورها على شيء قبلها أو بعدها لا بمعنى الأصالة المطلقة ; لأن هذا الكتاب تابع لكتاب الصلاة المقصود أصالة ، وعم التعريف ما كان تحته نوع واحد ككتاب اللقطة والآبق والمفقود ، أو أكثر كالطهارة ونحوها مما تحته أنواع من الأحكام كل نوع يسمى بابا ، وكل باب مشتمل على صنف من المسائل ، أو أكثر كل صنف يسمى فصلا . وزاد بعضهم مطلقا بعد قوله مستقلة احتراز عن الباب قال : لأنه طائفة من المسائل الفقهية اعتبرت مستقلة مع قطع النظر عن تبعيتها للغير أو تبعية الغير لها ، فإن مسح الخفين تابع للوضوء والوضوء مستتبع له ، وقد اعتبرا مستقلين ، فالفرق بين الكتاب والباب أن الكتاب قد يكون تابعا وقد لا يكون ، بخلاف الباب : أي فإنه لا بد وأن يكون تابعا أو مستتبعا . ا هـ .

وقد يقال : إن الملحوظ في الكتاب جنس المسائل لا باعتبار نوعها أو فصلها عما قبلها والحيثية مراعاة في التعريف ولهذا قال بعض العلماء : أن المسائل إن اعتبرت بجنسها تصدر بالكتاب ; لأن الكتاب في اللغة الجمع والجنس يشمل الأنواع غالبا فيكون معنى الجمع مناسبا لمعنى الجنس ، وإن اعتبرت بنوعها تصدر بالباب ; لأن الباب في اللغة النوع فيكون ذكره مناسبا لنوع المسائل وإن اعتبرت بفصلها ، وفرقها عما قبلها تصدر بالفصل ; لأن الفصل في اللغة الفرق والقطع ، فيكون ذكره مناسبا للمسائل المنقطعة عما قبلها . قال وأكثر المصنفين من الفقهاء والمحدثين : مشوا على هذه الطريقة . ا هـ .

( قوله : بمعنى المكتوب ) راجع لقوله فالكتاب مصدر ، فهو مصدر مراد به اسم المفعول كما في النهر ط ، فالمناسب ذكره قبل قوله جعل شرعا .

( قوله : والطهارة ) أي بفتح الطاء مصدر ، وأما بكسرها فهي الآلة وبضمها فضل ما يتطهر به كذا في البحر والنهر . وفي القهستاني أنها بالضم اسم لما يتطهر به من الماء تأمل .

( قوله : بالفتح ) أي فتح الهاء .

( قوله : ويضم ) أي وكذا يكسر والفتح أفصح قهستاني .

( قوله : بمعنى النظافة ) أي عن الأدناس حسية كالأنجاس أو معنوية كالعيوب والذنوب ، فقيل الثاني مجاز ، وقيل حقيقة وقد استعملت فيهما ، إذ الحدث دنس حكمي ، والنجاسة الحقيقية دنس حقيقي وزوالهما طهارة نهر .

( قوله : ولذا أفردها ) أي لكونها مصدرا ، وهو اسم جنس يشمل جميع أنواعها وأفرادها فلا حاجة إلى الجمع ; ولذا قيل المصدر لا يثنى ولا يجمع .

( قوله : النظافة عن حدث أو خبث ) شمل طهارة ما لا تعلق له بالصلاة كالآنية والأطعمة [ ص: 84 ] وأراد بالخبث ما يعم المعنوي كما مر ، فيشمل أيضا الوضوء على الوضوء بنية القربة ; لأنه مطهر للذنوب ، وعدل عن قول البحر زوال حدث أو خبث ليشمل الطهارة الأصلية ; لأن الزوال يشعر بسبق الوجود ، وعن قول النهر إزالة ليشتمل النظافة بلا قصد كنزول المحدث في الماء للسباحة .

واعلم أن أو هنا للتقسيم والتنويع لا للترديد ، فالقسمان المتخالفان حقيقة متشاركان في مطلق الماهية ، وليس المراد أن الحد إما هذا وإما هذا على سبيل الشك أو التشكيك لينافي الحد المقصود به بيان الماهية من حيث هي هي على أن ما هنا رسم لا حد كما قدمنا بيانه . قال في السلم : ولا يجوز في الحدود ذكر أو وجائز في الرسم فادر ما رووا .

( قوله : ومن جمع ) أي كصاحب الهداية حيث قال كتاب الطهارات .

( قوله : نظر لأنواعها ) أي فإنها متنوعة إلى وضوء وغسل وتيمم وغسل بدن أو ثوب ونحوه . وأورد عليه أن اللام تبطل الجمعية ; لأنها مجاز عن الجنس . ودفع بأن هذا عند عدم الاستغراق والعهد وانتفاؤهما ها هنا ممتنع ، ولو سلم فاستواء هذا الجمع والمفرد ممتنع لما في لفظ الجمع من الإشعار بالتعدد وإن بطل معنى الجمعية ، وتمامه في النهر . والحاصل أن معنى إبطالها الجمعية أن مدخولها صار يصدق على القليل والكثير ، لا بمعنى أنه لم يبق صالحا للكثير .

فإن قيل المصدر لا يثنى ولا يجمع قيل جمعها باعتبار الحاصل بالمصدر وذلك شائع كما يجمع العلم والبيع قاله في المستصفى ، وقدمنا الفرق بين المعنى المصدري والحاصل بالمصدر .

( قوله : وحكمها ) بكسر الحاء جمع حكمة : أي ما شرعت لأجله .

( قوله : شهيرة ) منها تكفير الذنوب ومنع الشيطان عنه ط وتحسين الأعضاء في الدنيا بالتنظيف وفي الآخرة بالتحجيل ، إمداد .

( قوله : وحكمها ) أي أثرها المترتب عليها .

( قوله : استباحة ) السين والتاء زائدتان أو للصيرورة . قال في البحر : ولم يذكروا من حكمها الثواب ; لأنه ليس بلازم فيها لتوقفه على النية وهي ليست شرطا فيها ط .

التالي السابق


الخدمات العلمية