صفحة جزء
[ ص: 147 ] فصل في التصرف في المبيع والثمن قبل القبض والزيادة والحط فيهما وتأجيل الديون

( صح بيع عقار لا يخشى هلاكه قبل قبضه ) من بائعه لعدم الغرر لندرة هلاك العقار ، حتى لو كان علوا أو على شط نهر ونحوه كان كمنقول ف ( لا ) يصح اتفاقا ككتابة وإجارة و ( بيع منقول ) قبل قبضه ولو من بائعه كما سيجيء ( بخلاف ) عتقه وتدبيره و ( هبته والتصدق به وإقراضه ) ورهنه وإعارته [ ص: 148 ] ( من غير بائعه ) فإنه صحيح ( على ) قول محمد وهو ( الأصح ) والأصل أن كل عوض ملك بعقد ينفسخ بهلاكه قبل قبضه فالتصرف فيه غير جائز وما لا فجائز عيني ( و ) المنقول ( لو وهبه من البائع قبل قبضه فقبله ) البائع ( انتقض البيع ولو باعه منه قبله لم يصح ) هذا البيع ولم ينتقض البيع الأول ; لأن الهبة مجاز عن الإقالة بخلاف بيعه قبله فإنه باطل مطلقا جوهرة . قلت : وفي المواهب وفسد بيع المنقول قبل قبضه انتهى ونفي الصحة يحتملهما فتدبر


[ ص: 147 ] فصل في التصرف في المبيع والثمن إلخ أوردها في فصل على حدة ; لأنها ليست من المرابحة غير أن صحتها لما توقفت على القبض كان لها ارتباط بالتصرف بالبيع قبل القبض والباقي استطراد نهر . ( قوله : صح بيع عقار إلخ ) أي عندهما وقال محمد : لا يجوز وعبر بالصحة دون النفاذ واللزوم ; لأنهما موقوفان على نقد الثمن أو رضا البائع ، وإلا فللبائع إبطاله أي إبطال بيع المشتري ، وكذا كل تصرف يقبل النقض إذا فعله المشتري قبل القبض ، أو بعده بغير إذن البائع فللبائع إبطاله بخلاف ما لا يقبل النقض كالعتق والتدبير والاستيلاد بحر ، وقوله : أو بعده بغير إذن البائع ، الجار والمجرور متعلق بالضمير العائد على القبض أي بعد القبض الواقع ، بلا إذنه ; لأن قبض المبيع قبل نقد الثمن بلا إذن البائع غير معتبر ; لأن له استرداده وحبسه إلى قبض الثمن ، وقيد بالبيع لأنه لو اشترى عقارا فوهبه قبل القبض من غير البائع يجوز عند الكل كما في البحر عن الخانية : أي لحصول القبض بقبض الموهوب له كما يأتي واحترز به عن الإجارة فإنها لا تصح كما يأتي .

( قوله : من بائعه ) متعلق بقبض لا ببيع ; لأن بيعه من بائعه قبل قبضه فاسد كما في المنقول ويراجع ط . ( قوله : لعدم الغرر ) أي غرر انفساخ العقد على تقدير الهلاك ، وعلله بقوله لندرة هلاك العقار ط . ( قوله : حتى لو كان إلخ ) تفريع على مفهوم قوله لا يخشى هلاكه . ( قوله : ونحوه ) بأن كان في موضع لا يؤمن أن تغلب عليه الرمال ح عن النهر ومثله في الفتح . ( قوله : كان كمنقول ) أي بمنزلته من حيث لحوق الغرر بهلاكه . ( قوله : ككتابة ) قال في الجوهرة وفي الكتابة يحتمل أن يقال : لا تجوز ; لأنها عقد مبادلة كالبيع ، ويحتمل أن يقال : تجوز ; لأنها أوسع من البيع جوازا ا هـ ، لكن قال الزيلعي : ولو كاتب العبد المبيع قبل القبض توقفت كتابته ، وكان للبائع حبسه بالثمن ; لأن الكتابة محتملة للفسخ ، فلم تنفذ في حق البائع نظرا له وإن نقد الثمن نفذت لزوال المانع ا هـ . قال في البحر : ولا خصوصيه لها بل كل عقد يقبل النقض فهو موقوف كما قدمناه ا هـ .

وبه علم أن الكتابة تصح لكنها تتوقف فلا يناسب قوله : فلا يصح اتفاقا كما أفاده ح فكان المناسب إسقاطها . ( قوله : وإجارة ) أي إجارة العقار فإنها لا تصح اتفاقا وقيل على الخلاف ، والصحيح الأول ; لأن المعقود عليه في الإجارة المنافع ، وهلاكها غير نادر وهو الصحيح كذا في الفوائد الظهيرية وعليه الفتوى ، كذا في الكافي فتح وغيره . ( قوله : وبيع منقول ) مجرور بالعطف على كتابة وهو في عبارة المصنف مرفوع والأولى في التعبير أن يقول : حتى لو كان علوا أو على شط نهر أو نحوه أو آجره كان كمنقول ، ولا يصح بيع منقول إلخ .

وفي البحر : ودخل في البيع الإجارة ; لأنها بيع المنافع أي وهي في حكم المنقول والصلح ; لأنه بيع ا هـ . أي الصلح عن الدين كما في الفتح ، وتعبير النهر بالخلع سبق قلم ثم قال في البحر : وأراد بالمنقول المبيع المنقول فجاز بيع غيره كالمهر وبدل الخلع والعتق على مال وبدل الصلح عن دم العمد . ( قوله : ولو من بائعه ) مرتبط بقوله وبيع منقول ط . ( قوله : كما سيجيء ) أي قريبا في قول المصنف ولو باعه منه قبله لم يصح ط . ( قوله : بخلاف عتقه وتدبيره ) يوهم [ ص: 148 ] أن فيه خلاف محمد الآتي ، وليس كذلك ففي الجوهرة ، وأما الوصية والعتق والتدبير وإقراره بأنها أم ولده يجوز قبل القبض بالاتفاق ا هـ .

وفي البحر : وأما تزويج الجارية المبيعة قبل قبضها فجائز ; لأن الغرر لا يمنع جوازه بدليل صحة تزويج الآبق ولو زوجها قبل القبض ثم فسخ البيع انفسخ النكاح على قول أبي يوسف وهو المختار كما في الولوالجية . ( قوله : غير بائعه ) قيد به ليفهم أنه لو كان من بائعه فهو كذلك بالأولى . ( قوله : وهو الأصح ) صرح به الزيلعي وغيره خلافا لأبي يوسف . ( قوله : والأصل إلخ ) قال في الفتح : الأصل أن كل عقد ينفسخ بهلاك العوض قبل القبض ، لم يجز التصرف في ذلك العوض قبل قبضه كالمبيع في البيع والأجرة إذا كانت عينا في الإجارة وبدل الصلح عن الدين إذا كان عينا لا يجوز بيع شيء من ذلك ، ولا أن يشرك فيه غيره ، وما لا ينفسخ بهلاك العوض فالتصرف فيه قبل القبض جائز كالمهر إذا كان عينا ، وبدل الخلع والعتق على مال وبدل الصلح عن دم العمد كل ذلك إذا كان عينا يجوز بيعه وهبته وإجارته قبل قبضه ، وسائر التصرفات في قول أبي يوسف ثم قال محمد كل تصرف لا يتم إلا بالقبض كالهبة والصدقة والرهن والقرض ، فهو جائز ; لأنه يكون نائبا عنه ثم يصير قابضا لنفسه كما لو قال : أطعم عن كفارتي جاز ويكون الفقير نائبا عنه في القبض ، ثم قابضا ا هـ . ملخصا .

قلت : وحيث مشى المصنف على قول محمد كان ينبغي للشارح ذكر الأصل الثاني أيضا ; لأنه يظهر مما ذكرنا أن الأصل الأول غير خاص بقول أبي يوسف ، إلا أن الشق الأول منه وهو ما ينفسخ بهلاك العوض قبل القبض كالبيع والإجارة لا يجوز التصرف قبل القبض في عوضه المعين عند أبي يوسف مطلقا ، وأجاز محمد فيه كل تصرف لا يتم إلا بالقبض كالهبة ونحوها ; لأن الهبة لما كانت لا تتم إلا بالقبض صار الموهوب له نائبا عن الواهب ، وهو المشتري الذي وهبه المبيع قبل قبضه ، ثم يصير قابضا لنفسه فتتم الهبة بعد القبض ، بخلاف التصرف الذي يتم قبل القبض كالبيع مثلا ، فإنه لا يجوز ; لأنه إذا قبضه المشتري الثاني لا يكون قابضا عن الأول لعدم توقف البيع على القبض فيلزم منه تمليك المبيع قبل قبضه ، وهو لا يصح ، لكن يرد على الأصل المذكور العتق والتدبير بأن أعتق أو دبر المبيع قبل قبضه ، فقد علمت جوازه اتفاقا مع أنه يتم قبل القبض ، وهو تصرف في عقد ينفسخ بهلاك العوض قبل القبض فليتأمل . ( قوله : فقبله ) أي قبل هبته فإن لم يقبلها بطلت والبيع صحيح على حاله جوهرة . ( قوله : لأن الهبة مجاز عن الإقالة ) يقال هب لي ديني وأقلني عثرتي ، وإنما كان كذلك ; لأن قبض البائع لا ينوب عن قبض المشتري كما في شرح المجمع . ( قوله : بخلاف بيعه ) فإنه لا يحتمل المجاز عن الإقالة ; لأنه ضدها ط عن الشلبي . ( قوله : مطلقا ) أي سواء باعه من بائعه أو من غيره ح . ( قوله : قلت إلخ ) استدراك على قول الجوهرة فإنه باطل . ( قوله : ونفي الصحة ) أي الواقع في المتن يحتملهما أي يحتمل البطلان والفساد والظاهر الثاني ; لأن علة الفساد الغرر كما مر مع وجود ركني البيع وكثيرا ما يطلق الباطل على الفاسد أفاده ط . [ ص: 149 ] مطلب في تصرف البائع في المبيع قبل القبض [ تتمة ]

جميع ما مر إنما هو في تصرف المشتري في المبيع قبل قبضه ، فلو تصرف فيه البائع قبل قبضه ، فإما بأمر المشتري أو لا ، فلو بأمره كأن أمره أن يهبه من فلان أو يؤجره ففعل وسلم صح وصار المشتري قابضا ، وكذا لو أعار البائع أو وهب أو رهن فأجاز المشتري ولو قال ادفع الثوب إلى فلان يمسكه إلى أن أدفع لك ثمنه فهلك عند فلان لزم البائع ; لأن إمساك فلان لأجل البائع ولو أمره بالبيع فإن قال : بعه لنفسك أو بعه ففعل كان فسخا وإن قال : بعه لي لا يجوز ، وأما تصرفه بلا أمر المشتري كما لو رهن المبيع قبل قبضه أو آجره أو أودعه فمات المبيع انفسخ بيعه ولا تضمين ; لأنه لو ضمنهم رجعوا على البائع ، ولو أعاره أو وهبه فمات أو أودعه فاستعمله المودع فمات فإن شاء المشتري أمضى البيع ، وضمن هؤلاء وإن شاء فسخه ; لأنه لو ضمنهم لم يرجعوا على البائع ولو باعه البائع فمات عند المشتري الثاني فللأول فسخ البيع وله تضمين المشتري الثاني فيرجع بالثمن على البائع إن كان نقده ا هـ . ملخصا

من البحر عن الخانية : وفي جامع الفصولين : شراه ولم يقبضه حتى باعه البائع من آخر بأكثر فأجازه المشتري لم يجز ; لأنه بيع ما لم يقبض ا هـ . ويظهر منه ومما قبله أنه يبقى على ملك المشتري الأول فله أخذه من الثاني لو قائما ، وتضمينه لو هالكا ، والظاهر أن له أخذ القائم لو كان نقد الثمن لبائعه وإلا فلا إلا بإذن بائعه تأمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية