صفحة جزء
( وجاز ) ( التصرف في الثمن ) بهبة أو بيع أو غيرهما لو عينا أي مشارا إليه ولو دينا فالتصرف فيه تمليك ممن عليه الدين ولو بعوض ولا يجوز من غيره ابن مالك ( قبل قبضه ) سواء ( تعين بالتعيين ) [ ص: 153 ] كمكيل ( أو لا ) كنقود فلو باع إبلا بدراهم أو بكر بر جاز أخذ بدلهما شيئا آخر ( وكذا الحكم في كل دين قبل قبضه كمهر وأجرة وضمان متلف ) وبدل خلع وعتق بمال وموروث وموصى به .

والحاصل : جواز التصرف في الأثمان والديون كلها قبل قبضها عيني ( سوى صرف وسلم ) فلا يجوز أخذ خلاف جنسه لفوات شرطه ( وصح الزيادة فيه ) ولو من غير جنسه [ ص: 154 ] في المجلس أو بعده من المشتري أو وارثه خلاصة . ولفظ ابن مالك أو من أجنبي ( إن ) في غير صرف و ( قبل البائع ) في المجلس فلو بعده بطلت خلاصة وفيها لو ندم بعدما زاد أجبر ( وكان المبيع قائما ) فلا تصح بعد هلاكه ولو حكما على الظاهر بأن باعه ثم شراه ثم زاده . زاد في الخلاصة وكونه محلا للمقابلة في حق المشتري حقيقة فلو باع بعد القبض أو دبر أو كاتب أو ماتت الشاة فزاد لم يجز لفوات محل البيع بخلاف ما لو أجر أو رهن أو جعل الحديد سيفا أو ذبح الشاة لقيام الاسم والصورة وبعض المنافع .


مطلب في بيان الثمن والمبيع والدين

( قوله : وجاز التصرف في الثمن إلخ ) الثمن : ما يثبت في الذمة دينا عند المقابلة ، وهو النقدان والمثليات إذا كانت معينة وقوبلت بالأعيان أو غير معينة وصحبها حرف الباء . وأما المبيع : فهو القيميات والمثليات إذا قوبلت بنقد أو بعين : وهي غير معينة مثل اشتريت كر بر بهذا العبد هذا حاصل ما في الشرنبلالية عن الفتح ، وسيذكره المصنف في آخر الصرف . ( قوله : أو غيرهما ) كإجارة ووصية منح . ( قوله : أي مشارا إليه ) هذا التفسير لم يذكره ابن ملك . بل زاده الشارح ، والمراد بالمشار إليه ما يقبل الإشارة فيوافق تفسير بعضهم له بالحاضر وذكر ح أنه يشمل القيمي والمثلي غير النقدين ، واعترضه ط بأنه لا وجه له ; لأن الباعث للشارح على هذا التفسير إدخال النقدين ; لأنه يتوهم من العين العرض ليقابل قوله ولو دينا .

قلت : أنت خبير بأن دخول القيمي هنا لا وجه له أصلا ; لأن الكلام في الثمن وهو ما يثبت دينا في الذمة والقيمي مبيع لا ثمن ، وإنما مراد الشارح بيان أن الثمن قسمان ; لأنه تارة يكون حاضرا ، كما لو اشترى عبدا بهذا الكر من البر أو بهذه الدراهم ، فهذا يجوز التصرف قبل قبضه بهبة وغيرها من المشتري وغيره ، وتارة يكون دينا في الذمة كما لو اشترى العبد بكر بر أو عشرة دراهم في الذمة ، فهذا يجوز التصرف فيه بتمليكه من المشتري فقط ; لأنه تمليك الدين ، ولا يصح إلا ممن هو عليه . ثم لا يخفى أن الدين قد لا يكون ثمنا فقد ظهر أن بينهما عموما وخصوصا من وجه لاجتماعهما في الشراء بدراهم في الذمة ، وانفراد الثمن بالشراء بعبد ، وانفراد الدين في التزويج أو الطلاق على دراهم في الذمة . ( قوله : فالتصرف فيه تمليك ممن عليه الدين ) في بعض النسخ : تمليكه ، وهي الموافقة لقول ابن ملك : فالتصرف فيه هو تمليكه إلخ أي أن التصرف فيه الجائز هو كذا . ( قوله : ولو بعوض ) كأن اشترى البائع من المشتري شيئا بالثمن الذي له عليه أو استأجر به عبدا أو دارا للمشتري ، ومثال التمليك بغير عوض هبته ووصيته له نهر ، فإذا وهب منه الثمن ملكه بمجرد الهبة لعدم احتياجه إلى القبض ، وكذا الصدقة ط عن أبي السعود . ( قوله : ولا يجوز من غيره ) أي لا يجوز تمليك الدين من غير من عليه الدين ، إلا إذا سلطه عليه ، واستثنى في الأشباه من ذلك ثلاث صور .

الأولى : إذا سلطه على قبضه ، فيكون وكيلا قابضا للمولى ثم لنفسه [ ص: 153 ]

الثانية : الحوالة .

الثالثة : الوصية . ( قوله : كمكيل ) فإنه إذا اشترى العبد بهذا الكر من البر تعين ذلك الكر ، فلا يجوز له دفع كر غيره . مطلب فيما تتعين فيه النقود وما لا تتعين

( قوله : كنقود ) فإذا اشترى بهذا الدرهم له دفع درهم غيره ، وعدم تعين النقد ليس على إطلاقه ، بل ذلك في المعاوضات وفي العقد الفاسد على إحدى الروايتين ، وفي المهر : ولو بعد الطلاق قبل الدخول ، وفي النذر والأمانات والهبة والصدقة والشركة والمضاربة والغصب والوكالة قبل التسليم أو بعده ، ويتعين في الصرف بعد هلاكه وبعد هلاك المبيع وفي الدين المشترك فيؤمر برد نصف ما قبض على شريكه وفيما إذا تبين بطلان القضاء بأن أقر بعد الأخذ أنه لم يكن له على خصمه شيء فيرد عين ما قبض لو قائما ، وتمامه في الأشباه في أحكام النقد ، وقدمناه في أواخر البيع الفاسد . ( قوله : فلو باع إلخ ) تفريع على قول المصنف : وجاز التصرف في الثمن إلخ .

مطلب في تعريف الكر ( قوله : أو بكر بر ) الكر كيل معروف ، وهو ستون قفيزا والقفيز ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف مصباح . ( قوله : جاز أخذ بدلهما شيئا آخر ) لكن بشرط أن لا يكون افتراقا بدين كما يأتي في القرض . ( قوله : وكذا الحكم في كل دين ) أي يجوز التصرف فيه قبل قبضه ، لكن بشرط أن يكون تمليكا ممن عليه بعوض أو بدونه كما علمت ، ولما كان الثمن أخص من الدين من وجه كما قررناه بين أن ما عداه من الدين مثله . ( قوله : كمهر إلخ ) وكذا القرض قال في الجوهرة وقد قال الطحاوي : إن القرض لا يجوز التصرف فيه قبل قبضه وهو ليس بصحيح ا هـ . ( قوله : وضمان متلف ) أي ضمانه بالمثل لو مثليا وإلا فبالقيمة فافهم .

( قوله : بمال ) قيد لخلع وعتق ; لأنهما بدون مال لا يكون لهما بدل فافهم . ( قوله : وموروث وموصى به ) قال الكمال : وأما الميراث فالتصرف فيه جائز قبل القبض ; لأن الوارث يخلف المورث في الملك وكان للميت ذلك التصرف ، فكذا للوارث وكذا الموصى له ; لأن الوصية أخت الميراث ا هـ . ومثله للأتقاني وهذا كالصريح في جواز تصرف الوارث في الموروث وإن كان عينا ط . ( قوله : سوى صرف وسلم ) سيأتي في باب السلم قوله : ولا يجوز التصرف للمسلم إليه في رأس المال ، ولا لرب السلم في المسلم فيه قبل قبضه بنحو بيع وشركة ، ولو ممن عليه ولا شراء المسلم إليه برأس المال بعد الإقالة قبل قبضه بحكم الإقالة بخلاف بدل الصرف حيث يجوز الاستبدال عنه ، لكن بشرط قبضه في مجلس الإقالة لجواز تصرفه فيه بخلاف السلم ا هـ .

وسيأتي بيانه ومرت مسألة الإقالة في بابها . ( قوله : فلا يجوز أخذ خلاف جنسه ) الأولى أن يقول فلا يجوز التصرف فيه ط . ( قوله : لفوات شرطه ) وهو القبض في بدلي الصرف ورأس مال السلم قبل الافتراق . ( قوله : وصح الزيادة فيه ) قال في البحر : لو عبر باللزوم بدل الصحة لكان أولى ; لأنها لازمة حتى لو ندم المشتري بعدما زاد [ ص: 154 ] يجبر إذا امتنع كما في الخلاصة ا هـ . ( قوله : في المجلس ) أي مجلس العقد أو بعده . ( قوله : أو من أجنبي ) فإن زاد بأمر المشتري تجب على المشتري لا على الأجنبي كالصلح ، وإن بغير أمره ، فإن أجاز المشتري لزمته وإن لم يجز بطلت ، ولو كان حين زاد ضمن عن المشتري أو أضافها إلى مال نفسه لزمته الزيادة ، ثم إن كان بأمر المشتري رجع وإلا فلا بحر عن الخلاصة .

( قوله : في غير صرف ) يوهم أن الزيادة فيه لا تصح مع أنها تصح وتفسده كما يذكره قريبا وكأنه حمل الصحة على الجواز والحل أو أراد من عدم الصحة في الصرف فساده . ( قوله : في المجلس ) أي مجلس الزيادة . ( قوله : لو ندم إلخ ) أشار إلى أن الزيادة لازمة كما مر . ( قوله : على الظاهر ) أي ظاهر الرواية كما في الهداية ، وفي رواية الحسن أنها تصح بعد هلاك المبيع كما يصح الحط بعد هلاكه . ( قوله : بأن باعه ثم شراه ) من صور الهلاك حكما ; لأن تبدل الملك كتبدل العين ولذا يمتنع بذلك رده بالعيب والرجوع في الهبة وأفاد أنه إذا لم يشتره فكذلك بالأولى . ( قوله : وكونه ) أي المبيع محلا للمقابلة أي لمقابلة زيادة الثمن ط قال ح : ولا حاجة إليه مع قول الشارح ولو حكما كما لا يخفى . ( قوله : حقيقة ) احتراز عما إذا خرج عن المحلية بأن هلك حقيقة كموت الشاة أو حكما كالتدبير والكتابة .

( قوله : فلو باع إلخ ) تفريع على قوله فلا تصح بعد هلاكه ، وكذا لو وهب وسلم أو طبخ اللحم أو طحن أو نسج الغزل أو تخمر العصير أو أسلم مشتري الخمر ذميا لا تصح الزيادة لفوات محل العقد ، إذ العقد لم يرد على المطحون والمنسوج ، ولهذا يصير الغاصب أحق بهما إذا فعل بالمغصوب ذلك وكذا الزيادة في المهر شرطها بقاء الزوجية فلو زاد بعد موتها لا يصح ا هـ . فتح وروى الحسن في غير رواية الأصول أنها تصح بعد هلاك المبيع ، وعلى هذه الرواية تصح الزيادة في المهر بعد الموت نهر .

قلت : وهذه خلاف ظاهر الرواية كما نبه عليه في الجوهرة وغيرها ، والعجب من الزيلعي حيث ذكر أن الزيادة لا تصح بعد هلاك المبيع في ظاهر الرواية ، وأنها تصح في رواية النوادر ، ثم ذكر أن الهلاك الحكمي ملحق بالحقيقي ثم قال : ولو أعتق المبيع أو كاتبه أو دبره أو استولد الأمة أو تخمر العصير أو أخرجه عن ملكه ثم زاد عليه جاز عند أبي حنيفة خلافا لهما وعلى هذا الخلاف الزيادة في مهر المرأة بعد موتها ا هـ . فليتأمل . ( قوله : بخلاف ما لو أجر ) وكذا لو خاط الثوب أو قطعت يد العبد ، وأخذ المشتري الأرش فتح . ( قوله : لقيام الاسم والصورة ) أي في غير جعل الحديد سيفا فإن الصورة تبدلت فيه ط .

التالي السابق


الخدمات العلمية