صفحة جزء
وفي الأشباه كل قرض جر نفعا حرام فكره للمرتهن سكنى المرهونة بإذن الراهن .

[ فروع ] استقرض عشرة دراهم وأرسل عبده لأخذها فقال المقرض دفعته إليه وأقر العبد به وقال دفعتها إلى مولاي فأنكر المولى قبض العبد العشرة فالقول له ولا شيء عليه ولا يرجع المقرض على العبد لأنه أقر أنه قبضها بحق انتهي .

عشرون رجلا جاءوا واستقرضوا من رجل وأمروه بالدفع لأحدهم فدفع ليس له أن يطلب منه إلا حصته .

قلت : ومفاده صحة التوكيل بقبض القرض لا بالاستقراض قنية [ ص: 167 ] وفيها استقراض العجين وزنا يجوز وينبغي جوازه في الخميرة بلا وزن { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خميرة يتعاطاها الجيران أيكون ربا فقال ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح } " وفيها شراء الشيء اليسير بثمن غال لحاجة القرض يجوز ويكره وأقره المصنف .

قلت : وفي معروضات المفتي أبي السعود لو ادان زيد العشرة باثني عشر أو بثلاثة عشر بطريق المعاملة في زماننا بعد أن ورد الأمر السلطاني وفتوى شيخ الإسلام بأن لا تعطى العشرة بأزيد من عشرة ونصف ونبه على ذلك فلم يمتثل ماذا يلزمه ؟ فأجاب يعزر ويحبس إلى أن تظهر توبته وصلاحه فيترك [ ص: 168 ] وفي هذه الصورة هل يرد ما أخذه من الربح لصاحبه ؟ فأجاب : إن حصله منه بالتراضي ورد الأمر بعدم الرجوع لكن يظهر أن المناسب الأمر بالرجوع وأقبح من ذلك السلم حتى أن بعض القرى قد خرجت بهذا الخصومة ا هـ .


مطلب : كل قرض جر نفعا حرام

( قوله كل قرض جر نفعا حرام ) أي إذا كان مشروطا كما علم مما نقله عن البحر ، وعن الخلاصة وفي الذخيرة وإن لم يكن النفع مشروطا في القرض ، فعلى قول الكرخي لا بأس به ويأتي تمامه ( قوله فكره للمرتهن إلخ ) الذي في رهن الأشباه يكره للمرتهن الانتفاع بالرهن إلا بإذن الراهن ا هـ سائحاني .

قلت : وهذا هو الموافق لما سيذكره المصنف في أول كتاب الرهن وقال في المنح هناك ، وعن عبد الله بن محمد بن أسلم السمرقندي ، وكان من كبار علماء سمرقند إنه لا يحل له أن ينتفع بشيء منه بوجه من الوجوه وإن أذن له الراهن ، لأنه أذن له في الربا لأنه يستوفي دينه كاملا فتبقى له المنفعة فضلا ، فتكون ربا وهذا أمر عظيم .

قلت : وهذا مخالف لعامة المعتبرات من أنه يحل بالإذن إلا أن يحمل على الديانة وما في المعتبرات على الحكم ثم رأيت في جواهر الفتاوى إذا كان مشروطا صار قرضا فيه منفعة وهو ربا وإلا فلا بأس به ا هـ ما في المنح ملخصا وتعقبه الحموي بأن ما كان ربا لا يظهر فيه فرق بين الديانة والقضاء على أنه لا حاجة إلى التوفيق بعد الفتوى على ما تقدم أي من أنه يباح .

قلت : وما في الجواهر يفيد توفيقا آخر بحمل ما في المعتبرات على غير المشروط ، وما مر على المشروط ، وهو أولى من إبقاء التنافي . ويؤيده ما ذكروه فيما لو أهدى المستقرض للمقرض إن كانت بشرط كره وإلا فلا وأفتى في الخيرية فيمن رهن شجر الزيتون على أن يأكل المرتهن ثمرته نظير صبره بالدين بأنه يضمن ( قوله دفعته ) أي القرض والأولى دفعتها أي العشرة ( قوله فأنكر المولى إلخ ) مفهومة أنه إذا أقر بقبض العبد يلزمه لما في الخانية ، ولو أرسل رسولا إلى رجل وقال : ابعث إلي بعشرة دراهم قرضا فبعث بها مع رسوله كان الآمر ضامنا لها إذا أقر أن رسوله قبضها ا هـ ( قوله لأنه أقر أنه قبضها بحق ) وهو كونه نائبا عن سيده في القبض ( قوله ليس له ) أي ليس للمقرض أن يطلب منه أي من القابض إلا حصته من القرض ، لأنه قبض الباقي بالوكالة عن رفقته ( قوله لا بالاستقراض ) هذا منصوص عليه ففي جامع الفصولين بعث رجلا ليستقرضه فأقرضه فضاع في يده فلو قال : أقرض للمرسل ضمن مرسله ، ولو قال : أقرضني للمرسل ضمن رسوله . [ ص: 167 ]

والحاصل : أن التوكيل بالإقراض جائز لا بالاستقراض والرسالة بالاستقراض تجوز ، ولو أخرج وكيل الاستقراض كلامه مخرج الرسالة يقع القرض للآمر ، ولو مخرج الوكالة بأن أضافه إلى نفسه يقع للوكيل وله منعه عن آمره ا هـ .

قلت : والفرق أنه إذا أضاف العقد إلى الموكل بأن قال إن فلانا يطلب منك أن تقرضه كذا صار رسولا والرسول سفير ومعبر بخلاف ما إذا أضافه إلى نفسه بأن قال : أقرضني كذا أو قال : أقرضني لفلان كذا ، فإنه يقع لنفسه ، ويكون قوله لفلان بمعنى لأجله ، وقالوا إنما لم يصح التوكيل بالاستقراض ، لأنه توكيل بالتكدي وهو لا يصح .

قلت : ووجهه أن القرض صلة وتبرع ابتداء فيقع للمستقرض إذا لا تصح النيابة في ذلك فهو نوع من التكدي بمعنى الشحاذة هذا ما ظهر لي ( قوله استقراض العجين وزنا يجوز ) هو المختار مختار الفتاوى واحترز بالوزن عن المجازفة ، فلا يجوز بحر ط ( قوله ما رآه المسلمون ) هو من حديث أحمد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال " { إن الله نظر إلى قلوب العباد فاختار له أصحابا فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه فما رآه المسلمون } إلخ " وهو موقوف حسن وتمامه في المقاصد الحسنة ط ( قوله يجوز ويكره ) أي يصح مع الكراهة وهذا لو الشراء بعد القرض لما في الذخيرة ، وإن لم يكن النفع مشروطا في القرض ، ولكن اشترى المستقرض من المقرض بعد القرض متاعا بثمن غال ، فعلى قول الكرخي لا بأس به وقال الخصاف : ما أحب له ذلك وذكر الحلواني أنه حرام ، لأنه يقول لو لم أكن اشتريته منه طالبني بالقرض في الحال ، ومحمد لم ير بذلك بأسا وقال خواهر زاده : ما نقل عن السلف محمول على ما إذا كانت المنفعة مشروطة وذلك مكروه بلا خلاف .

وما ذكره محمد محمول على ما إذا كانت غير مشروطة وذلك غير مكروه بلا خلاف ، هذا إذا تقدم الإقراض على البيع ، فإن تقدم البيع بأن باع المطلوب منه المعاملة من الطالب ثوبا قيمته عشرون دينارا بأربعين دينارا ثم أقرضه ستين دينارا أخرى ، حتى صار له على المستقرض مائة دينار ، وحصل للمستقرض ثمانون دينارا ذكر الخصاف أنه جائز وهذا مذهب محمد بن سلمة إمام بلخ وكثير من مشايخ بلخ كانوا يكرهونه ، ويقولون إنه قرض جر منفعة إذ لولاه لم يتحمل المستقرض غلاء الثمن ومن المشايخ من قال : يكره لو كانا في مجلس واحد وإلا فلا بأس به لأن المجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة ، فكأنهما وجدا معا فكانت المنفعة مشروطة في القرض وكان شمس الأئمة الحلواني يفتي بقول الخصاف وابن سلمة يقول : هذا ليس بقرض جر منفعة بل هذا بيع جر منفعة وهي القرض ا هـ ملخصا وانظر ما سنذكره في الصرف عند قوله وبيع درهم صحيح ودرهمين غلة .

( قوله بطريق المعاملة ) هو ما ذكره من شراء الشيء اليسير بثمن غال ( قوله بأزيد من عشرة ونصف ) وهناك فتوى أخرى بأزيد من أحد عشر ونصف وعليها العمل سائحاني ولعله لورود الأمر بها متأخرا عن الأمر الأول ( قوله يعزر ) لأن طاعة أمر السلطان بمباح

[ ص: 168 ] واجبة ( قوله ما أخذه من الربح ) أي زائدا عما ورد به الأمر ط ( قوله إن حصله منه بالتراضي إلخ ) مفهومة أنه لو أخذه بلا رضاه أنه يثبت له الرجوع بالزائد عما ورد به الأمر وهو غير ظاهر ، لأنه إذا أقرضه مائة وباعه سلعة بثلاثين مثلا بيعا مستوفيا شرائطه الشرعية لم يكن فيه إلا مخالفته الأمر السلطاني لأن مقتضى الأمر الأول أن يبيع السلعة بخمسة فقط ، لتكون العشرة بعشرة ونصف ومقتضى الأمر الثاني أن يبيعها بخمسة عشر ، لتكون العشرة بأحد عشرة ونصف ، ولا يخفى أن مخالفة الأمر لا تقتضي فساد البيع ، لأن ذلك لا يزيد على مخالفة أمر الله تعالى بالسعي وترك البيع وقت النداء ، فإذا باع وترك السعي يكره البيع ، ولا يفسد فكذا هنا بالأولى على أنه إذا فسد البيع وجب الفسخ ورد جميع الثمن ، وإذا صح وجب جميع الثمن فلا وجه لرد الزائد وأخذ ما ورد به الأمر فقط ، سواء قلنا بصحة البيع أو فساده فتعين أن هذا المفهوم غير مراد فتأمل .

( قوله لكن يظهر إلخ ) لا وجه للاستدراك بعد ورود الأمر الواجب الاتباع بعدم الرجوع ط وقد يجاب بأن المراد أن المناسب أن يرد الأمر السلطاني بالرجوع : أي وإن أخذ ما أخذه بالتراضي لكن علمت ما فيه ( قوله وأقبح من ذلك السلم إلخ ) أي أقبح من بيع المعاملة المذكورة ما يفعله بعض الناس من دفع دراهم سلما على حنطة أو نحوها إلى أهل القرى بحيث يؤدي ذلك إلى خراب القرية ، لأنه يجعل الثمن قليلا جدا فيكون إضراره أكثر من إضرار البيع بالمعاملة الزائدة عن الأمر السلطاني ، فيظهر أن المناسب أيضا ورود أمر سلطاني بذلك ليعزر من يخالفه وظاهره أنه لم يرد بذلك أمر والله سبحانه أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية