صفحة جزء
باب الصرف عنونه بالباب لا بالكتاب ; لأنه من أنواع البيع ( هو ) لغة الزيادة . وشرعا ( بيع الثمن بالثمن ) أي ما خلق للثمنية ومنه المصوغ ( جنسا بجنس أو بغير جنس ) كذهب بفضة ( ويشترط ) عدم التأجيل والخيار و ( التماثل ) - [ ص: 258 ] أي التساوي وزنا ( والتقابض ) بالبراجم لا بالتخلية ( قبل الافتراق ) وهو شرط بقائه صحيحا على الصحيح ( إن اتحد جنسا وإن ) وصلية ( اختلفا جودة وصياغة ) لما مر في الربا ( وإلا ) بأن لم يتجانسا [ ص: 259 ] ( شرط التقابض ) لحرمة النساء ( فلو باع ) النقدين ( أحدهما بالآخر جزافا أو بفضل وتقابضا فيه ) أي المجلس ( صح ، و ) العوضان ( لا يتعينان ) حتى لو استقرضا فأديا قبل افتراقهما أو أمسكا ما أشار إليه في العقد وأديا مثلهما جاز .


باب الصرف

لما كان عقدا على الأثمان والثمن في الجملة تبع لما هو المقصود من البيع أخره عنه . ( قوله : عنونه بالباب ) قال في الدرر عنونه الأكثرون بالكتاب وهو لا يناسب لكون الصرف من أنواع البيع كالربا والسلم فالأحسن ما اختير ههنا . ( قوله : هو لغة الزيادة ) هذا أحد معانيه ففي المصباح صرفته عن وجهه صرفا من باب ضرب ، وصرفت الأجير والصبي خليت سبيله وصرفت المال أنفقته وصرفت الذهب بالدراهم بعته ، واسم الفاعل من هذا صيرفي وصيرف وصراف للمبالغة ، قال ابن فارس الصرف فضل الدراهم في الجودة على الدراهم وصرف الكلام زينته ، وصرفته بالتثقيل واسم الفاعل ، مصرف والصرف التوبة في قوله عليه الصلاة والسلام { لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا } والعدل الفدية ا هـ ، زاد في القاموس في معنى الحديث المذكور قوله أو هو النافلة . والعدل : الفريضة أو بالعكس أو الوزن . والعدل الكيل ، أو هو الاكتساب . والعدل : الفدية أو الحيلة ا هـ ، وقد علمت أنه يطلق لغة على بيع الثمن بالثمن لكنه في الشرع أخص تأمل .

( قوله : أي ما خلق للثمنية ) ذكر نحوه في البحر . ثم قال : وإنما فسرناه به ليدخل فيه بيع المصوغ بالمصوغ أو بالنقد ، فإن المصوغ بسبب ما اتصل به من الصنعة لم يبق ثمنا صريحا ، ولهذا يتعين في العقد ومع ذلك بيعه صرف ا هـ .

( قوله : ويشترط عدم التأجيل والخيار ) أي وعدم الخيار : أي خيار الشرط بخلاف خيار رؤية أو عيب كما يأتي . ولا يقال هذا مكرر مع قوله الآتي ويفسد بخيار الشرط والأجل ; لأن [ ص: 258 ] ذاك تفريع على هذا كما هو العادة من ذكر الشروط ثم التفريع عليها فافهم ، نعم ذكر في النهر أنه لا حاجة إلى جعلهما شرطين على حدة كما جرى عليه في البحر تبعا للنهاية وغيرها ; لأن شرط التقابض يغني عن ذلك ; لأن خيار الشرط يمنع ثبوت الملك أو تمامه على القولين وذلك يخل بتمام القبض وهو ما يحصل به التعيين ا هـ ، ولا يخفى ما فيه .

( قوله : أي التساوي وزنا ) قيد به ; لأنه لا اعتبار به عددا بحر عن الذخيرة ، والشرط التساوي في العلم لا بحسب نفس الأمر فقط ، فلو لم يعلما التساوي وكان في نفس الأمر لم يجز إلا إذا ظهر التساوي في المجلس كما أوضحه في الفتح ، ونذكر قريبا حكم الزيادة والحط . ( قوله : بالبراجم ) جمع برجمة بالضم : وهي مفاصل الأصابع ح عن جامع اللغة . ( قوله : لا بالتخلية ) أشار إلى أن التقييد بالبراجم للاحتراز عن التخلية ، واشتراط القبض بالفعل لا خصوص البراجم ، حتى لو وضعه له في كفه أو في جيبه صار قابضا .

( قوله : قبل الافتراق ) أي افتراق المتعاقدين بأبدانهما ، والتقييد بالعاقدين يعم المالكين والنائبين ، وتقييد الفرقة بالأبدان يفيد عموم اعتبار المجلس ، ومن ثم قالوا إنه لا يبطل بما يدل على الإعراض ، ولو سارا فرسخا ولم يتفرقا ، وقد اعتبروا المجلس في مسألة هي ما لو قال الأب اشهدوا أني اشتريت الدينار من ابني الصغير بعشرة دراهم ثم قام قبل أن يزن العشرة فهو باطل كذا عن محمد ; لأنه لا يمكن اعتبار التفرق بالأبدان نهر .

وفي البحر : لو نادى أحدهما صاحبه من وراء جدار أو من بعيد لم يجز ; لأنهما مفترقان بأبدانهما ، وتفرع على اشتراط القبض أنه لا يجوز الإبراء عن بدل الصرف ولا هبته والتصدق به ، فلو فعل لم يصح بدون قبول الآخر ، فإن قبل انتقض الصرف وإلا لم يصح ولم ينتقض ، وتمامه في البحر ، [ تنبيه ]

قبض بدل الصرف في مجلس الإقالة شرط لصحتها كقبضه في مجلس العقد ، بخلاف إقالة السلم ، وقدمنا الفرق في بابه . وفي البحر : لو وجب دين بعقد متأخر عن عقد الصرف لا يصير قصاصا ببدل الصرف وإن تراضيا ، ولو قبض بدل الصرف ثم انتقض القبض فيه لمعنى أوجب انتقاضه يبطل الصرف ، ولو استحق أحد بدليه بعد الافتراق فإن أجاز المستحق والبدل قائم أو ضمن الناقد وهو هالك جاز الصرف ، وإن استرده وهو قائم أو ضمن القابض قيمته وهو هالك بطل الصرف .

( قوله : على الصحيح ) وقيل شرط لانعقاده صحيحا ، وعلى الأول قول الهداية : فإن تفرقا قبل القبض بطل ، فلولا أنه منعقد لما بطل بالافتراق كما في المعراج . وثمرة الخلاف فيما إذا ظهر الفساد فيما هو صرف يفسد فيما ليس صرفا عند أبي حنيفة ، ولا يفسد على القول الأصح فتح .

( قوله : وإن اختلفا جودة وصياغة ) قيد إسقاط الصفقة بالأثمان ; لأنه لو باع إناء نحاس بمثله وأحدهما أثقل من الآخر جاز مع أن النحاس وغيره مما يوزن من الأموال الربوية أيضا ; لأن صفة الوزن في النقدين منصوص عليها فلا تتغير بالصنعة ولا يخرج عن كونه موزونا بتعارف جعله عدديا لو تعورف ذلك بخلاف غيرهما ، فإن الوزن فيه بالعرف فيخرج عن كونه موزونا بتعارف عدديته إذا صيغ وصنع كذا في الفتح ، حتى لو تعارفوا بيع هذه الأواني بالوزن لا بالعدد لا يجوز بيعها بجنسها إلا متساويا ، كذا في الذخيرة نهر .

( قوله : لما مر في الربا ) أي من أن جيد مال الربا ورديئه سواء ، وتقدم استثناء حقوق العباد : ومر الكلام فيه فراجعه ، ومنه ما في البحر عن الذخيرة : غصب قلب فضة ثم استهلكه فعليه قيمته مصوغا من خلاف جنسه ، فإن تفرقا قبل قبض القيمة جاز خلافا لزفر ; لأنه صرف حكما للضمان [ ص: 259 ] الواجب بالغصب لا مقصودا فلا يشترط له القبض ا هـ وإنما لزمه الضمان من خلاف جنسه لئلا يلزم الربا ; لأن قيمته مصوغا أزيد من وزنه .

( قوله : شرط التقابض ) أي قبل الافتراق كما قيد به في بعض النسخ . وفي البحر عن الذخيرة لو اشترى المودع الوديعة الدراهم بدنانير وافترقا قبل أن يجدد المودع قبضا في الوديعة بطل الصرف ، بخلاف المغصوبة ; لأن قبض الغصب ينوب عن قبض الشراء بخلاف الوديعة ا هـ . ( قوله : لحرمة النساء ) بالفتح أي التأخير فإنه يحرم بإحدى علتي الربا : أي القدر أو الجنس كما مر في بابه . ( قوله : فلو باع النقدين ) تفريع على قوله وإلا شرط التقابض فإنه يفهم منه أنه لا يشترط التماثل ، وقيد بالنقدين ; لأنه لو باع فضة بفلوس فإنه يشترط قبض أحد البدلين قبل الافتراق لا قبضهما كما في البحر عن الذخيرة . ونقل في النهر عن فتاوى قارئ الهداية أنه لا يصح تأجيل أحدهما ثم أجاب عنه ، وقدمنا ذلك في باب الربا ، وقدمنا هناك أنه أحد قولين فراجعه عند قول المصنف باع فلوسا بمثلها أو بدراهم إلخ . ( قوله : أحدهما بالآخر ) احتراز عما لو باع الجنس بالجنس جزافا حيث لم يصح ما لم يعلم التساوي قبل الافتراق كما قدمناه .

( قوله : جزافا ) أي بدون معرفة قدر ، وقوله أو بفضل : أي بتحقق زيادة أحدهما على الآخر وسكت عن التساوي للعلم بصحته بالأولى . ( قوله : والعوضان لا يتعينان ) أي في الصرف ما دام صحيحا أما بعد فساده فالصحيح التعيين كما في الأشباه ، وقدمناه عنها في أواخر البيع الفاسد ما تتعين فيه النقود وما لا تتعين .

( قوله : حتى لو استقرضا إلخ ) صورته قال أحدهما للآخر بعتك درهما بدرهم وقبل الآخر ولم يكن عندهما شيء ثم استقرض كل منهما درهما من ثالث وتقابضا قبل الافتراق صح ، وكذا لو قال بعتك هذا الدرهم بهذا الدرهم وأمسك كل منهما درهمه قبل التسليم ودفع كل منهما درهما آخر قبل الافتراق ، ومثله كما في الدرر ما لو استحق كل من العوضين فأعطى كل منهما صاحبه بدل ما استحق من جنسه . ( قوله : وأديا مثلهما ) ضمير مثلهما عائد على ما ، وثناه باعتبار المعنى

التالي السابق


الخدمات العلمية