صفحة جزء
( حكما رجلا ) معلوما إذ لو حكما أول من يدخل المسجد لم يجز إجماعا للجهالة ( فحكم بينهما ببينة أو إقرار أو نكول ) [ ص: 429 ] ورضيا بحكمه ( صح لو في غير حد وقود ودية على عاقلة ) الأصل أن حكم المحكم بمنزلة الصلح وهذه لا تجوز بالصلح فلا تجوز بالتحكيم ( وينفرد أحدهما بنقضه ) أي التحكيم بعد وقوعه ( كما ) ينفرد أحد العاقدين ( في مضاربة وشركة ووكالة ) بلا التماس طالب ( فإن حكم لزمهما ) ولا يبطل حكمه بعزلهما لصدوره عن ولاية شرعية و ( لا ) يتعدى حكمه إلى ( غيرهما ) إلا في مسألة ما لو حكم أحد الشريكين وغريم له رجلا فحكم بينهما وألزم الشريك تعدى للشريك الغائب لأن حكمه كالصلح بحر ( فلو حكماه في عيب مبيع فقضى برده ليس للبائع رده على بائعه إلا برضا البائع الأول والثاني والمشتري ) - [ ص: 430 ] بتحكيمه فتح ثم استثناء الثلاثة يفيد صحة التحكيم في كل المجتهدات كحكمه بكون الكنايات رواجع وفسخ اليمين المضافة إلى الملك وغير ذلك لكن هذا مما يعلم ويكتم وظاهر الهداية أنه يجيب بلا يحل فتأمل .


مطلب حكم بينهما قبل تحكيمه ثم أجازاه جاز ( قوله ورضيا بحكمه ) أي إلى أن حكم كذا في الفتح فأفاد أنه احترز عما لو رجعا عن تحكيمه قبل الحكم أو عما لو رضي أحدهما فقط ، لكن كان الأولى ذكره قبل قوله : فحكم لئلا يوهم اشتراط الرضا بعد الحكم مع أنه إذا حكم لزمهما حكمه كما في الكنز وغيره ويأتي متنا أو يذكره هناك بأو ليدخل ما لو حكم بينهما قبل تحكيمه ثم قالا رضينا بحكمه وأجزناه فإنه جائز كما نقله ط عن الهندية .

( قوله صح لو في غير حد وقود إلخ ) شمل سائر المجتهدات من حقوق العباد كما ذكره بعد ، وما ذكره من منعه في القصاص تبعا للكنز وغيره هو قول الخصاف وهو الصحيح كما في الفتح ، وما في المحيط من جوازه فيه لأنه من حقوق العباد ضعيف رواية ودراية ; لأن فيه حق الله تعالى أيضا وإن كان الغالب حق العبد وكذا ما اختاره السرخسي من جوازه في حق القذف ضعيف بالأولى لأن الغالب فيه حق الله تعالى على الأصح بحر .

( وقوله ودية على عاقلة ) خرج ما لو كانت على القاتل بأن ثبت القتل بإقراره ، أو ثبتت جراحة ببينة وأرشها أقل مما تحمله العاقلة خطأ كانت الجراحة أو عمدا ، أو كانت قدر ما تتحمله ولكن كانت الجراحة عمدا لا توجب القصاص فينفذ حكمه وتمامه في البحر .

( قوله بمنزلة الصلح ) لأنهما توافقا على الرضا بما يحكم به عليهما .

( قوله وهذه لا تجوز بالصلح ) اعترض بأنه سيأتي في الصلح جوازه في كل حق يجوز الاعتياض عنه ، ومنه القصاص لا فيما لا يجوز ، ومنه الحدود .

أقول : منشأ الاعتراض عدم فهم المراد فإن المراد أن هذه الثلاثة لا تثبت بالصلح أي بأن اصطلحا على لزوم الحد أو لزوم القصاص إلخ وما سيأتي في الصلح معناه أنه يجوز الصلح عن القصاص بمال لأنه يجوز الاعتياض عنه بخلاف الحد ، فالقصاص هنا مصالح عنه ، وفي الأول مصالح عليه ، والفرق ظاهر كما لا يخفى .

( قوله بعد وقوعه ) الأولى أن يبدله بقوله قبل الحكم .

( قوله كما ينفرد أحد العاقدين إلخ ) أي بنقض العقد وفسخه إذا علم الآخر ولو بكتابة أو رسول على تفصيل مر في الشركة ، ويأتي في الوكالة والمضاربة إن شاء الله تعالى .

( قوله بلا التماس طالب ) يعني أن الموكل ينفرد بعزل الوكيل ما لم يتعلق بالتوكيل حق المدعي كما لو أراد خصمه السفر فطلب منه أن يوكل وكيلا بالخصومة فليس له عزله كما سيأتي في بابه .

( قوله وغريما له ) منصوب على أنه مفعول معه .

( قوله لأن حكمه كالصلح ) والصلح من صنيع التجار ، فكان كل واحد من الشريكين راضيا بالصلح وما في معناه بحر [ ص: 430 ] قوله بتحكيمه ) متعلق برضا .

( قوله ثم استثناء الثلاثة ) أي الحد والقود والدية على العاقلة وكان الأولى ذكر هذا عقبها .

( قوله في كل المجتهدات ) أي المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد من حقوق العباد كالطلاق والعتاق والكتابة والكفالة والشفعة والنفقة والديون والبيوع بخلاف ما خالف كتابا أو سنة أو إجماعا .

( قوله كحكمه بكون الكنايات رواجع إلخ ) قال الصدر الشهيد في شرح أدب القضاء هو الظاهر عند أصحابنا وهو الصحيح ، لكن مشايخنا امتنعوا عن هذه الفتوى وقالوا يحتاج إلى حكم الحاكم كما في الحدود والقصاص كي لا يتجاسر العوام فيه ا هـ . قال في الفتح : وفي الفتاوى الصغرى حكم المحكم في الطلاق المضاف ينفذ لكن لا يفتى به فيها روي عن أصحابنا ما هو أوسع من هذا وهو أن صاحب الحادثة لو استفتى فقيها عدلا فأفتى ببطلان اليمين وسعه اتباع فتواه وإمساك المرأة المحلوف بطلاقها وروي عنهم ما هو أوسع وهو إن تزوج أخرى وكان حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها فاستفتى فقيها آخر فأفتاه بصحة اليمين فإنه يفارق الأخرى ويمسك الأولى عملا بفتواهما ا هـ .

( قوله وغير ذلك ) كما إذا مس صهوته بشهوة وانتشر لها فحكم الزوجان حكما ليحكم لهما بالحل على مذهب الشافعي فالأصح هو النفاذ إن كان المحكم يراه وإلا فالصحيح عدمه أفاده في البحر عن القنية .

( قوله وظاهر الهداية إلخ ) حيث قال قالوا : وتخصيص الحدود والقصاص يدل على جواز التحكيم في سائر المجتهدات ، وهو الصحيح إلا أنه لا يفتى به ويقال يحتاج إلى حكم المولى دفعا لتجاسر العوام ا هـ أي تجاسرهم على هدم المذهب فتح : ومثل عبارة الهداية عبارة شرح أدب القضاء المارة آنفا ، وتقدم فيها أن الصحيح صحة التحكيم ، وأنه الظاهر عن أصحابنا وكان ما هنا ترجيح للقول الآخر المقابل للصحيح ، والمتبادر من عبارة الهداية : أنه لا يفتى بجوازه في سائر المجتهدات ، لكن ذكر في البحر عن الولوالجية ، والقنية ما هو كالصريح في أن ذلك في اليمين المضافة ونحوها ، ونحوه ما قدمناه آنفا عن الفتح عن الفتاوى الصغرى : يأتي التصريح به في المخالفات ، ولكن يتأمل في وجه المنع من عدم الإفتاء به ، والتعليل بأن لا يتجاسر العوام على هدم المذهب لا يظهر في خصوص اليمين المضافة ونحوها .

ثم رأيت المقدسي توقف في ذلك أيضا وأجاب بما حاصله : أنهم منعوا من تولية القضاء لغير الأهل لئلا يحكم بغير الحق وكذلك منعوا من التحكيم هنا لئلا يتجاسر العوام على الحكم بغير علم .

قلت : هذا يفيد منع التحكيم مطلقا إلا لعالم .

والأحسن في الجواب أن يقال : إن الحالف في اليمين المضافة إذا كان يعتقد صحتها يلزمه العمل بما يعتقده ، فإذا حكم بعدم صحتها حاكم مولى من السلطان لزمه اتباع رأي الحاكم وارتفع بحكمه الخلاف ، وأما إذا حكم رجلا فلا يفيده شيئا سوى هدم مذهبه لأن حكم المحكم بمنزلة الصلح لا يرفع خلافا ولا يبطل العمل بما كان الحالف يعتقده فلذا قالوا لا يفتى به ولا بد من حكم المولى هذا ما ظهر لي والله سبحانه أعلم .

[ تنبيه ] سيأتي في المخالفات أنه لا يصح حكمه بما فيه ضرر على الصغير بخلاف القاضي .

التالي السابق


الخدمات العلمية