صفحة جزء
( وسببها ) أي سبب وجوبها ( ما لا يحل ) فعله فرضا كان أو غيره كالصلاة ومس المصحف ( إلا بها ) أي بالطهارة . صاحب البحر قال بعد سرد الأقوال ونقل كلام الكمال : الظاهر أن السبب هو الإرادة في الفرض والنفل ، لكن بترك إرادة النفل يسقط الوجوب [ ص: 85 ] ذكره الزيلعي في الظهار . وقال العلامة قاسم في نكته : الصحيح أن سبب وجوب الطهارة وجوب الصلاة أو إرادة ما لا يحل إلا بها ( وقيل ) سببها ( الحدث ) في الحكمية ، وهو وصف شرعي يحل في الأعضاء يزيل الطهارة . ما قيل إنه مانعية شرعية قائمة بالأعضاء إلى غاية استعمال المزيل فتعريف بالحكم ( والخبث ) في الحقيقة وهو عين مستقذرة شرعا ، وقيل سببها القيام إلى الصلاة ، ونسبا إلى أهل الظاهر [ ص: 86 ] وفسادهما ظاهر .

واعلم أن أثر الخلاف إنما يظهر في نحو التعاليق ، نحو : إن وجب عليك طهارة فأنت طالق دون الإثم للإجماع على عدمه بالتأخير عن الحدث ، ذكره في التوشيح ، وبه اندفع ما في السراج من إثبات الثمرة من جهة الإثم ، بل وجوبها موسع بدخول الوقت كالصلاة ، فإذا ضاق الوقت صار الوجوب فيهما مضيقا .


( قوله : أي سبب وجوبها ) قدر المضاف لظهور أن الصلاة مثلا ليست سببا لوجود الطهارة . ا هـ . ح .

( قوله : ما لا يحل ) أي إرادة ما لا يحل ، وقوله فرضا كان تعميم لقوله فعله وقوله كالصلاة فيه القسمان الفرض وغيرها ، قوله ومس المصحف قاصر على غير الفرض ط .

( قوله : صاحب البحر قال إلخ ) ذكره عقب كلام المصنف يفيد أن كلام المصنف على تقدير مضاف هو الإرادة كما قدمناه ، إذ لا يمكن تقدير الوجوب . وقد يقال لا تقدير أصلا ، وأن مراده أن ذات ما لا يحل إلا بها سبب الوجوب ، فقد ذكر الأتقاني في غاية البيان وغيره أن السبب عندنا الصلاة بدليل الإضافة إليها ، وهو دليل السببية ا هـ ونقله في شرح التحرير عن شمس الأئمة السرخسي وفخر الإسلام وغيرهما ، لكن كلام المصنف أشمل لشموله الصلاة وغيرها تأمل .

( قوله : الأقوال ) أي الأربعة الآتية .

( قوله : هو الإرادة ) أقول : هو ما عليه جمهور الأصوليين . وأورد عليه أن مقتضاه أنه إذا أراد الصلاة ولم يتوضأ أثم ولو لم يصل ولم يقل به أحد ، وأجاب عنه في البحر بجوابين : أحدهما ما يأتي عن الزيلعي ، والثاني أن السبب هو الإرادة المستلحقة للشروع . ا هـ . [ ص: 85 ] أقول : يرد عليه أن سبب الشيء متقدم عليه فيلزم أن لا تجب الطهارة قبل الشروع ; لأن الإرادة المستلحقة له مقارنة له مع أنه لا بد من تقدمها عليه لكونها شرط الصحة تأمل .

( قوله : ذكره الزيلعي ) أي هذا الاستدراك حيث قال إنه إن أراد الصلاة وجبت عليه الطهارة ، فإذا رجع وترك التنفل سقطت الطهارة ; لأن وجوبها لأجلها ط .

( قوله : في الظهار ) أي في شرح قوله وعوده : وعزمه على ترك وطئها . ا هـ . ح .

( قوله : وقال العلامة إلخ ) هذا أظهر ; لأن ما ذكره في البحر يقتضي أن لا يأثم على الوضوء إذا خرج الوقت ، ولم يرد الصلاة الوقتية فيه بل على تفويت الصلاة فقط ، وأنه إذا أراد صلاة الظهر مثلا قبل دخول وقتها أن يجب عليه الوضوء قبل الوقت وكلاهما باطل . ا هـ . ح .

أقول : فيه أن صلاة الظهر قبل وقتها تنعقد نافلة فتجب الطهارة بإرادتها تأمل .

( قوله : الصحيح إلخ ) مشى عليه المحقق في فتح القدير ، واستوجبه في التحرير ، وصححه أيضا العلامة الكاكي ، لكنه لا يشمل غير الصلاة الواجبة فلذا زاد عليه هنا قوله أو إرادة إلخ ، وما مر عن الزيلعي ملاحظ هنا أيضا .

( قوله : وجوب الصلاة ) أي لا وجودها ; لأن وجودها مشروط بها فكان متأخرا عنها ، والمتأخر لا يكون سببا للمتقدم . ا هـ . عناية . وظاهره أنه بدخول الوقت تجب الطهارة لكنه وجوب موسع كوجوب الصلاة ، فإذا ضاق الوقت صار الوجوب فيهما مضيقا بحر .

( قوله : وقيل سببها الحدث ) أي لدورانها معه وجودا وعدما ودفع بمنع كون الدوران دليلا ، ولئن سلم فالدوران هنا مفقود ; لأنه قد يوجد الحدث ولا يوجد وجوب الطهارة كما قبل دخول الوقت وفي حق غير البالغ ، وتمامه في البحر لكن سيأتي ما يؤيده .

( قوله : وما قيل ) القائل صاحب البحر في باب الحدث في الصلاة تبعا لصاحب الفتح كما نقله عنه صاحب النهر هناك ، ثم قال : وهو تعريف بالحكم كما ذكره الشارح . قال بعض الفضلاء : في كون هذا التعريف تعريفا بالحكم نظر إذ حكم الشيء ما كان أثرا له خارجا عنه مترتبا عليه ، والمانعية المذكورة ليست كذلك ، وإنما حكم الحدث عدم صحة الصلاة معه وحرمة مس المصحف ونحو ذلك كما هو ظاهر ، فالتعريف بالحكم كأن يقال مثلا الحدث هو ما لا تصح الصلاة معه ونحو ذلك فتأمل ا هـ هكذا في حاشية الشيخ خليل الفتال .

( قوله : شرعية ) أي اعتبرها الشرع مانعا ط .

( قوله : إلى غاية استعمال ) الإضافة للبيان والسين والتاء زائدتان ط .

( قوله : فتعريف بالحكم ) علمت ما فيه على أنه مستعمل عند الفقهاء ; لأن الأحكام محل مواقع أنظارهم .

( قوله : وقيل سببها القيام إلى الصلاة ) ذكر في البحر أنه صححه في الخلاصة قال : وصرح في غاية البيان بفساده لصحة الاكتفاء بوضوء واحد لصلوات ما دام متطهرا . وقد يدفع بأنها سبب بشرط الحدث فلا يلزم ما ذكر خصوصا أنه ظاهر الآية . ا هـ .

أقول : هذا الدفع ظاهر ، وإلا ورد الفساد المذكور على القولين الأولين في كلام الشارح .

( قوله : ونسبا ) أي القول بسببية الحدث والخبث والقول بسببية القيام . ا هـ . ح .

( قوله : إلى أهل الظاهر ) هم الآخذون بظواهر النصوص من أصحاب الإمام الجليل أبي سليمان داود الظاهري .

واعترض بأن المنسوب إليهم هو الثاني من القولين ، أما الأول منهما فنسبه الأصوليون إلى أهل الطرد وهم [ ص: 86 ] المستدلون على علة الحكم بالطرد والعكس ويسمى الدوران كالإمام الرازي وأتباعه . وخالفهم فيه الحنفية ومحققو الأشاعرة .

( قوله : وفسادهما ظاهر ) لما علمته مما يرد عليهما ، لكن علمت الجواب عما يرد على الثاني ، فكان عليه إفراد الضمير في الموضعين .

( قوله : أن أثر الخلاف ) أي فائدة الاختلاف في السبب .

( قوله : في نحو التعاليق ) أي في التعاليق ونحوها كصدق الإخبار بوجوب الطهارة وكذبه أفاده ط ، وفيما إذا استشهدت الحائض قبل انقطاع الدم فقد صحح في الهداية أنها تغسل ، فكان تصحيحا لكون السبب الحدث أعني الحيض أفاده في البحر ، أي لأن الغسل وجب عليها بالحيض لوجود شرطه وهو انقطاع الدم بالموت ، وهذا مؤيد لقول أهل الطرد .

( قوله : فأنت طالق ) أي فتطلق بإرادة الصلاة على الأول ، وبوجوبها على الثاني ، وبالحدث أو الخبث على الثالث ، وبالقيام إلى الصلاة على الرابع .

( قوله : بالتأخير عن الحدث ) أي أو الخبث ، أو عن إرادة الصلاة ، أو القيام إليها ط .

( قوله : ذكره في التوشيح ) هو شرح الهداية للعلامة سراج الدين الهندي . قال في غسل البحر : وقد نقل الشيخ سراج الدين الهندي الإجماع على أنه لا يجب الوضوء على المحدث والغسل على الجنب والحائض والنفساء قبل وجوب الصلاة ، أو إرادة ما لا يحل إلا به . ا هـ .

أقول : الظاهر أن المراد بالوجوب وجوب الأداء لثبوت الاختلاف في سبب الطهارة ، ويلزم منه ثبوت الاختلاف في وقت الوجوب كما لا يخفى . ثم رأيت في النهر وفق بذلك بين كلام الهندي وما قدمناه آنفا عن الهداية .

( قوله : وبه اندفع ما في السراج إلخ ) هو شرح مختصر القدوري للحدادي صاحب الجوهرة ، وذلك حيث ذكر أن وجوب الغسل من الحيض والنفاس بالانقطاع عند الكرخي وعامة العراقيين ، وبوجوب الصلاة عند البخاريين وهو المختار ; ثم قال : وفائدة الخلاف فيما إذا انقطع الدم بعد طلوع الشمس وأخرت الغسل إلى وقت الظهر فتأثم على الأول لا على الثاني ، وعلى هذا الخلاف وجوب الوضوء فعند العراقيين يجب الوضوء للحدث ، وعند البخاريين للصلاة ا هـ .

( قوله : بل وجوبها ) أي الطهارة .

( قوله : بدخول ) خبر بعد خبر ، لقوله وجوبها لا متعلق بقوله موسع .

وكون وجوبها بدخول الوقت يؤيد ما قدمه عن العلامة قاسم من أن سبب وجوبها وجوب الصلاة إذ وجوب الصلاة أيضا بدخول الوقت ا هـ ح .

( قوله : فيهما ) أي في الطهارة والصلاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية