صفحة جزء
[ فروع ] الوكالة المجردة لا تدخل تحت الحكم وبيانه في الدرر صح التوكيل بالسلم لا بقبول عقد السلم ، فللناظر أن يسلم من ريعه في زيته وحصره ، وليس له أن يوكل به من يجعله بجعل أمينا على القرية فيأمره بعقد السلم ويستلم منه على ما قرر له باطنا ; لأنه وكيل الواقف والوكالة أمانة لا يصح بيعها ، وتمامه في شرح الوهبانية .


( قوله فروع ) تكرار مع ما يأتي قريبا أول الباب ( قوله وبيانه في الدرر ) قال فيها . قال في الصغرى : الوكيل بقبض الدين إذا أحضر خصما فأقر بالتوكيل وأنكر الدين لا تثبت الوكالة : حتى لو أراد الوكيل إقامة البينة على الدين لا تقبل ا هـ .

أقر بالتوكيل وأنكر الدين لا تثبت الوكالة ; لأنه لما أقر بالوكالة لا يكون خصما بالدين ، بخلاف ما إذا أنكر الوكالة وأقر بالدين فإنه يكون خصما في إثبات الدين لكون البينة واقعة على خصم منكر للوكالة فافهم كذا في الهامش ( قوله صح التوكيل بالسلم ) أي الإسلام ، وقد تقدم التنبيه على هذه المسألة في باب الوكالة بالبيع والشراء حيث قال هناك والمراد بالسلم الإسلام لا قبول السلم فإنه لا يجوز ابن كمال ، وأوضحناه بعبارة الزيلعي فراجعه .

وفي شرح الوهبانية قال في المبسوط : إذا وكله أن يأخذ الدراهم في طعام مسمى فأخذها الوكيل ثم دفعها إلى الموكل فالطعام على الوكيل وللوكيل على الموكل الدراهم قرض ; لأن أصل التوكيل باطل ; لأن المسلم إليه أمره ببيع الطعام من ذمته إلى ذمة الوكيل ، ولو أمره أن يبيع عين ماله على أن يكون الثمن على الآمر كان باطلا فكذلك إذا أمره أن يبيع طعاما في ذمته ، وقبول السلم من صنيع المفاليس فالتوكيل به باطل ( قوله فللناظر أن يسلم إلخ ) فرعه على ما قبله ; لأنه كالوكيل على ما صرحوا به .

وفي هذه العبارة إيجاز ألحقها بالألغاز ، وهي مشتملة على مسألتين : إحداهما يجوز للقيم أن يسلم من ريع الوقف في زيته وحصره كالوكيل بعقد السلم ثم رأس المال وإن ثبت في ذمته كالمسألة السابقة فهو مأمور بدفع بدله من غلة الوقف ، وليس المراد ثبوته في الذمة متأخرا فيفسد العقد بل المراد أنه كالثمن ثبت في الذمة ثم ما يعطيه يكون بدلا عما وجب وهنا يعطيه في المجلس كالتوكيل بالشراء يصح وإن لم يكن الثمن ملكه .

أو نقول ، الثمن هنا معين : أي رأس مال السلم ; لأن مال الأمانة يتعين بالتعيين .

ثانيتهما : قد علمت أن قيم الوقف وكيل الواقف والوكالة أمانة لا يصح بيعها .

ولما اشتهر أن ذلك لا يصح جعل النظار له حيلة إذا أرادوا أن يجعلوا في القرية أمينا يحفظ زرعها ويقررون له على ذلك جعلا ، وهي أن يأمروه بعقد السلم ويستلمون من الوكلاء على ما هو مقرر لهم باطنا فالغلة المسلم فيها تثبت في ذمة الوكيل ، ولو صرفها من غلة الوقف ضمنها ، ولو صرف مال السلم على المستحقين لم يرجع به في غلة الوقف وكان متبرعا ; لأنه صرف مال نفسه في غير ما أذن له فيه تخريجا على المسألة السابقة ; لأنه توكيل بقبول السلم هذا حاصل ما ذكره شراح الوهبانية في هذا المحل وقد صعب علي فهم هذا الكلام ، ولم يتلخص منه حاصل مدة طويلة حتى فتح المولى [ ص: 536 ] بشيء يغلب على ظني أنه هو المراد في تصوير هذه الحيلة في المسألة الثانية ، وهي أن شخصا يكون ناظرا على وقف فيريد أن يجعل أمينا قادرا عليه بحيث ينتفع هو عاجلا والأمين آجلا فإذا أخذ من الأمين شيئا على ذلك ليقوم مقامه ويأخذ مستغلات الوقف بدلا عن الجعل فهو لا يجوز ; لأنه بيع الوكالة في المعنى ، لما علمت أن الناظر وكيل الواقف وهذا يفعل في زمننا كثيرا في المقاطعات والأوقاف ويسمونه التزاما فإذا تحيل له بهذه الحيلة ، وهي أن يأخذ الناظر من الأمين مبلغا معلوما سلما على غلة الوقف ليصرفه في مصارفه ويأخذ منه ما عينه له الواقف من العشر مثلا ويستغل ذلك الأمين غلة الوقف على أنه المسلم فيه ليحصل للناظر نفع بنظارته وللأمين بأمانته فهو أيضا لا يجوز ; لأن الناظر وكيل عن الواقف فكأنه صار وكيلا عن الواقف في قبول عقد السلم وأخذ الدراهم على الغلة الخارجة ، وقد علمت أن الجائز التوكيل بعقد السلم لا بقبوله فإذا أخذ الدراهم وصرفها على المستحقين يكون متبرعا صارفا من مال نفسه وتثبت الغلة في ذمته فيلزمه مثلها وهذا ما ظهر لي .

ثم لا يخفى أن هذا كله إنما يكون بعد بيان مقدار المسلم فيه مع سائر شروط السلم وإلا يكون فساده من جهة أخرى كما لا يخفى والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية