صفحة جزء
( وتعديل الأركان ) أي تسكين الجوارح قدر تسبيحة في الركوع والسجود ، وكذا في الرفع منهما على ما اختاره الكمال ، [ ص: 465 ] لكن المشهور أن مكمل الفرض واجب ومكمل الواجب سنة ، وعند الثاني الأربعة فرض ( والقعود الأول ) ولو في نفل في الأصح وكذا ترك الزيادة فيه على التشهد ، وأراد بالأول غير الأخير . [ ص: 466 ] لكن يرد عليه لو استخلف مسافر سبقه الحدث مقيما فإن القعود الأول فرض عليه . وقد يجاب بأنه عارض


مطلب قد يشار إلى المثنى باسم الإشارة الموضوع للمفرد [ تنبيه ] قد يشار إلى المثنى باسم الإشارة الموضوع للمفرد كما هنا ومثله قوله تعالى - { عوان بين ذلك } - أي بين الفارض والبكر ، وقول الشاعر :

إن للخير وللشر مدى وكلا ذلك وجه وقبل

فافهم ( قوله وتعديل الأركان ) هو سنة عندهما في تخريج الجرجاني ، وفي تخريج الكرخي ، واجب حتى تجب سجدتا السهو بتركه كذا في الهداية وجزم بالثاني في الكنز والوقاية والملتقى ، وهو مقتضى الأدلة كما يأتي قال في البحر : وبهذا يضعف قول الجرجاني ( قوله وكذا في الرفع منهما ) أي يجب التعديل أيضا في القومة من الركوع والجلسة بين السجدتين ، وتضمن كلامه وجوب نفس القومة والجلسة أيضا لأنه يلزم من وجوب التعديل فيهما وجوبهما ( قوله على ما اختاره الكمال ) قال في البحر : ومقتضى الدليل وجوب الطمأنينة في الأربعة أي في الركوع والسجود وفي القومة والجلسة ، ووجوب نفس الرفع من الركوع والجلوس بين السجدتين للمواظبة على ذلك كله وللأمر في حديث المسيء صلاته ، ولما ذكره قاضي خان من لزوم سجود السهو بترك الرفع من الركوع ساهيا وكذا في المحيط ، فيكون حكم الجلسة بين السجدتين كذلك لأن الكلام فيهما واحد ، والقول بوجوب الكل هو مختار المحقق ابن الهمام وتلميذه ابن أمير الحاج ، حتى قال إنه الصواب ، والله الموفق للصواب . ا هـ . مطلب لا ينبغي أن يعدل عن الدراية إذا وافقتها رواية

وقال في شرح المنية ولا ينبغي أن يعدل عن الدراية أي الدليل إذا وافقتها رواية على ما تقدم عن فتاوى قاضي خان ، ومثله ما ذكر في القنية من قوله : وقد شدد القاضي الصدر في شرحه في تعديل الأركان جميعها تشديدا بليغا فقال : وإكمال كل ركن واجب عند أبي حنيفة ومحمد . وعند أبي يوسف والشافعي فريضة ، فيمكث في الركوع والسجود وفي القومة بينهما حتى يطمئن كل عضو منه ، هذا هو الواجب عند أبي حنيفة ومحمد ، حتى لو تركها أو شيئا منها ساهيا يلزمه السهو ولو عمدا يكره أشد الكراهة ، ويلزمه أن يعيد الصلاة وتكون معتبرة في حق سقوط الترتيب ونحوه كمن طاف جنبا تلزمه الإعادة والمعتبر هو الأول كذا هذا . ا هـ . والحاصل أن الأصح رواية ودراية وجوب تعديل الأركان ، وأما القومة والجلسة وتعديلهما فالمشهور في المذهب السنية ، وروي وجوبها ، وهو الموافق للأدلة ، وعليه الكمال ومن بعده من المتأخرين وقد علمت قول تلميذه إنه الصواب . وقال أبو يوسف بفرضية الكل واختاره في المجمع والعيني ورواه الطحاوي عن [ ص: 465 ]

أئمتنا الثلاثة . وقال في الفيض إنه الأحوط ا هـ وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وللعلامة البركلي رسالة سماها معدل الصلاة أوضح المسألة فيها غاية الإيضاح ، وبسط فيها أدلة الوجوب ، وذكر ما يترتب على ترك ذلك من الآفات وأوصلها إلى ثلاثين آفة ومن المكروهات الحاصلة في صلاة يوم وليلة ، وأوصلها إلى أكثر من ثلثمائة وخمسين مكروها ، فينبغي مراجعتها ومطالعتها ( قوله لكن المشهور إلخ ) استدراك على قوله وكذا في الرفع منهما . وحاصله أن وجوب تعديل الركوع والسجود ظاهر موافق للقاعدة المشهورة لأن التعديل مكمل لهما ، أما وجوب تعديل القومة والجلسة فغير ظاهر لأن القومة والجلسة إذا كانتا واجبتين على ما أختاره الكمال يلزم أن يكون التعديل فيهما سنة لأن مكمل الواجب يكون سنة ، فهذه القاعدة لا توافق مختار الكمال لأنه الوجوب في الكل ، ولا ما رواه الطحاوي عنهم لأنه الفرض في الكل ، ولا ما هو المشهور عن أبي حنيفة ومحمد ; لأنه إما السنية في الكل على تخريج الجرجاني أو الوجوب في تعديل الأركان ، والسنية في الباقي على تخريج الكرخي لأنه فصل كما في شرح المنية وغيره بين الطمأنينة في الركوع والسجود وبين القومة والجلسة ، بأن الأولى مكملة للركن المقصود لذاته وهو الركوع والسجود والأخيرتين مكملتان للركن المقصود لغيره وهو الانتقال فكانا سنتين إظهارا للتفاوت بين المكملين ا هـ فافهم . وأجاب ح بأنه لا يضر مخالفة القاعدة حيث اقتضاها الدليل .

أقول : على أن ما ذكره الشارح من القاعدة مأخوذ من الدرر . واعترضه في العزمية بأنه ليس له وجه صحة ، قال : ولعل منشأه ما في الخلاصة من أن الواجب إكمال للفرائض والسنن إكمال للواجبات والآداب إكمال للسنن ، ولا يذهب عليك أنه ليس معناه ذلك فليتدبر ا هـ أي لأن معناه أن الواجب شرع لإكمال الفرائض إلخ لا أن كل ما يكمل الفرض يكون واجبا وهكذا ( قوله وعند الثاني الأربعة فرض ) أي عملي يفوت الجواز بفوته كما قدمنا بيانه في آخر بحث الفرائض ( قوله ولو في نفل ) لأنه وإن كان كل شفع منه صلاة على حدة حتى افترضت القراءة في جميعه ، لكن القعدة إنما فرضت للخروج من الصلاة ، فإذا قام إلى الثالثة تبين أن ما قبلها لم يكن أوان الخروج من الصلاة فلم تبق القعدة فريضة ; وتمامه في ح عن وتر البحر .

( قوله في الأصح ) خلافا لمحمد في افتراضه عن قعدة كل شفع نفل وللطحاوي والكرخي في قولهما إنها في غير النفل سنة ، لكن في النهر قال في البدائع : وأكثر مشايخنا يطلقون عليه اسم السنة إما لأن وجوبه عرف بها أو لأن المؤكدة في معنى الواجب ، وهذا يقتضي رفع الخلاف ( قوله وكذا ترك الزيادة فيه على التشهد ) ضمير فيه لا يصح إرجاعه للتشهد خلافا لمن وهم وإن كان ترك الزيادة فيه أي في أثناء كلماته واجبا أيضا كترك الزيادة عليه أي بعد تمامه كما سيأتي فيتعين ما قاله ح من إرجاعه للقعود الأول : أي في الفرض والسنة المؤكدة لأنها في النفل مطلوبة ، وأقل الزيادة المفوتة للواجب مقدار : اللهم صل على محمد فقط على المذهب كما سيأتي في الفصل الآتي .

( قوله وأراد بالأول غير الأخير ) ليشمل ما إذا صلى ألف ركعة من النفل بتسليمة واحدة ، فإن ما عدا القعود الأخير واجب ، ومفهومه فريضة كل قعود أخير في أي صلاة كانت ، ويستثنى منه القعود الذي بعد سجود السهو فإنه واجب لا فرض ، لما سيأتي [ ص: 466 ] من أنه يرفع التشهد لا القعدة ، ومعلوم أن التشهد يستلزم القعدة فهي واجبة ح ( قوله وقد يجاب بأنه عارض ) أي بسبب الاستخلاف ، فإن المسافر يفترض قعوده على رأس الركعتين لأنه آخر صلاته والمقيم بالاستخلاف قام مقامه فتفرض عليه هذه القعدة كالقعدة الثانية ، قيل ويجاب بهذا أيضا عن المسبوق ، كما لو اقتدى بالإمام في ثانية المغرب فإن القعود الثاني مما عدا الأخير فرض عليه بمتابعة الإمام .

وحاصله أن قعود الإمام الأخير يفترض على المسبوق بمتابعته لإمامه فهو عارض بالاقتداء . وأقول : هذا مخالف لما في البحر والنهر من قولهما أراد بالأول ما ليس بآخر إذ المسبوق بثلاث في الرباعية يقعد ثلاث قعدات والواجب منها ما عدا الأخيرة ا هـ ويدل عليه ما سيأتي في الإمامة من أن المسبوق لو قام قبل السلام قبل قعود إمامه قدر التشهد ، فإن قرأ في قيامه قدر ما تجوز به الصلاة بعد فراغ الإمام من التشهد جازت صلاته وإلا فلا وسيأتي تمام بيانه ، فلو كان القعود فرضا عليه لما صح هذا التفصيل ولبطلت صلاته مطلقا فافهم

التالي السابق


الخدمات العلمية