صفحة جزء
( وغسل اليدين ) أسقط لفظ فرادى لعدم تقييد الفرض بالانفراد ( والرجلين ) الباديتين السليمتين ، فإن المجروحتين والمستورتين بالخف وظيفتهما المسح ( مرة ) لما مر ( مع المرفقين والكعبين ) على المذهب وما ذكروا من أن الثابت بعبارة النص غسل يد ورجل والأخرى بدلالته ، ومن البحث في إلى وفي القراءتين في - { أرجلكم } - قال في البحر لا طائل تحته بعد انعقاد الإجماع على ذلك [ ص: 99 ] ( ومسح ربع الرأس مرة ) فوق الأذنين ولو بإصابة مطر أو بلل باق بعد غسل على المشهور لا بعد مسح إلا أن يتقاطر ، ولو مد أصبعين لم يجز . [ ص: 100 ] إلا أن يكون مع الكف أو بالإبهام والسبابة مع ما بينهما أو بمياه ، ولو أدخل رأسه الإناء أو خفه أو جبيرته وهو محدث أجزأه ولم يصر الماء مستعملا وإن نوى اتفاقا على الصحيح كما في البحر عن البدائع .


( قوله : أسقط لفظ فرادى ) تعريض بصاحب الدرر حيث قيد به . ا هـ . ح ، ومعناه غسل كل يد منفردة عن الأخرى ط .

( قوله : لعدم إلخ ) أي لأنه في صدد بيان فرائض الوضوء ، فيشعر كلامه بأن الانفراد لازم مع أنه لو غسلهما معا سقط الفرض .

( قوله : الباديتين ) أي الظاهرتين اللتين لا خف عليهما ط .

( قوله : فإن المجروحتين إلخ ) علة للتقييد بالقيدين السابقين على سبيل اللف والنشر المشوش ط .

( قوله : وظيفتهما المسح ) لكنه مختلف الكيفية كما يأتي ط .

( قوله : لما مر ) أي من أن الأمر لا يقتضي التكرار .

( قوله : مع المرفقين ) تثنية مرفق بكسر الميم وفتح الفاء وفيه العكس : اسم لملتقى العظمات عظم العضد وعظم الذراع ، وأشار المصنف إلى أن إلى في الآية بمعنى مع ، وهو مردود ; لأنهم قالوا إن اليد من رءوس الأصابع للمنكب ، فإن كانت إلى بمعنى مع وجب الغسل إلى المنكب ; لأنه كغسل القميص وكمه ، وغايته أنه كإفراد فرد من العام وذلك لا يخرج غيره بحر .

والجواب أن المراد من اليد في الآية من الأصابع إلى المرفق للإجماع على سقوط ما فوق ذلك ، وعدل عن التعبير بإلى المحتملة لدخول المرفقين والكعبين وعدمه إلى التعبير بمع الصريحة بالدخول للاحتراز عن القول بعدمه المشار إليه بقول الشارح على المذهب : أي خلافا لزفر ومن قال بقوله من أهل الظاهر ، وهو رواية عن مالك .

( قوله : والكعبين ) هما العظمان الناشزان من جانبي القدم أي المرتفعان كذا في المغرب وصححه في الهداية وغيرها ، وروى هشام عن محمد أنه في ظهر القدم عند مقعد الشراك ، قالوا : هو سهو من هشام ; لأن محمدا إنما قال ذلك في المحرم إذا لم يجد النعلين حيث يقطع خفيه أسفل من الكعبين وأشار محمد بيده إلى موضع القطع فنقله هشام إلى الطهارة ، وتمامه في البحر وغيره .

( قوله : وما ذكروا ) أي في الجواب عما أورد أنه ينبغي غسل يد ورجل ; لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي انقسام الآحاد على الآحاد .

( قوله : بعبارة النص ) أي بصريحه المسوق له ط .

( قوله : بدلالته ) أي أنه مفهوم منه بطريق المساواة .

( قوله : ومن البحث في إلى ) أي في كونها تدخل الغاية أو لا تدخلها ، أو الأمر محتمل ، والمرجح القرائن وغير ذلك مما أطال به في البحر ط .

( قوله : وفي القراءتين ) أي قراءتي الجر والنصب في - { أرجلكم } - من حمل الجر على حالة التخفيف والنصب على غيرها ، أو أن الجر للجوار ; لأن المسح غير مغيا بالكعبين إلى آخر ما أطال به في الدرر وغيرها .

( قوله : قال في البحر لا طائل تحته ) أي لا فائدة فيه والجملة خبر " ما " في قوله وما ذكروا أفاده ط .

( قوله : بعد انعقاد الإجماع على ذلك ) أي على افتراض غسل كل واحدة من اليدين والرجلين ، وعلى دخول المرفقين والكعبين ، وغسل الرجلين لا مسحهما أفاده ح .

أقول : من استدل بالآية كالقدوري وغيره من أصحاب المتون يحتاج إلى ذلك ليتم دليله ، على أن في ثبوت [ ص: 99 ] الإجماع على دخول المرفقين كلاما ; لأنه في البحر أخذه من قول الإمام الشافعي : لا نعلم مخالفا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء . ورده في النهر بأن قول المجتهد لا أعلم مخالفا ليس حكاية للإجماع الذي يكون غيره محجوجا به ، فقد قال الإمام اللامشي في أصوله : لا خلاف أن جميع المجتهدين لو اجتمعوا على حكم واحد ووجد الرضا من الكل نصا كان ذلك إجماعا ، فأما إذا نص البعض وسكت الباقون لا عن خوف بعد اشتهار القول فعامة أهل السنة أن ذلك يكون إجماعا . وقال الشافعي : لا أقول إنه إجماع ، ولكن أقول لا أعلم فيه خلافا : وقال أبو هاشم من المعتزلة : لا يكون إجماعا ويكون حجة أيضا . ا هـ . وقدمنا أيضا عن شرح المنية أن غسل المرفقين والكعبين ليس بفرض قطعي بل هو فرض عملي كربع الرأس ; ولذا قال في النهر أيضا : لا يحتاج إلى دعوى الإجماع ; لأن الفروض العملية لا يحتاج في إثباتها إلى القاطع .

( قوله : ومسح ربع الرأس ) المسح لغة إمرار اليد على الشيء . وعرفا إصابة الماء العضو .

واعلم أن في مقدار فرض المسح روايات أشهرها ما في المتن . الثانية مقدار الناصية ، واختارها القدوري . وفي الهداية وهي الربع . والتحقيق أنها أقل منه . الثالثة مقدار ثلاثة أصابع رواها هشام عن الإمام ، وقيل هي ظاهر الرواية . وفي البدائع أنها رواية الأصول ، وصححها في التحفة وغيرها . وفي الظهيرية وعليها الفتوى . وفي المعراج أنها ظاهر المذهب واختيار عامة المحققين ، لكن نسبها في الخلاصة إلى محمد ، فيحمل ما في المعراج من أنها ظاهر المذهب على أنها ظاهر الرواية عن محمد توفيقا وتمامه في النهر والبحر .

والحاصل أن المعتمد رواية الربع ، وعليها مشى المتأخرون كابن الهمام وتلميذه ابن أمير الحج وصاحب النهر والبحر والمقدسي والمصنف والشرنبلالي وغيرهم .

( قوله : فوق الأذنين ) فلو مسح على طرف ذؤابة شدت على رأسه لم يجز مقدسي .

( قوله : أو بلل باق إلخ ) هذا إذا لم يأخذه من عضو آخر مقدسي ، فلو أخذه من عضو آخر لم يجز مطلقا بحر : أي سواء كان ذلك العضو مغسولا أو ممسوحا درر .

( قوله : على المشهور ) مقابله قول الحاكم بالمنع ، وخطأه عامة المشايخ ، وانتصر له المحقق ابن الكمال وقال الصحيح ما قاله الحاكم ، فقد نص الكرخي في جامعه الكبير على الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه إذا مسح رأسه بفضل غسل ذراعيه لم يجز إلا بماء جديد ; لأنه قد تطهر به مرة ا هـ وأقره في النهر .

( قوله : إلا أن يتقاطر ) كذا ذكره في الغرر ; لأنه كأخذ ماء جديد .

( قوله : ولو مد إلخ ) أي مد المسح حتى استوعب قدر الربع . وفي البدائع : لو وضع ثلاثة أصابع ولم يمدها جاز على رواية الثلاث أصابع لا الربع ، ولو مسح بها منصوبة غير موضوعة ولا ممدودة فلا ; لأنه لم يأت بالقدر المفروض : أي وهذا بالإجماع كما في النهر ، فلو مدها حتى بلغ القدر المفروض لم يجز عند علمائنا الثلاثة خلافا لزفر ، وكذا الخلاف في الإصبع والإصبعين إذا مدها وبلغ القدر المفروض ا هـ ملخصا : بقي ما إذا وضع ثلاث أصابع ومدها وبلغ الربع قال في الفتح ولم أر فيه إلا الجواز ، وتعقبه في النهر بقوله قد وقفت على ما هو المنقول يعني قول البدائع فلو مدها إلخ .

أقول : وفيه نظر ; لأن الضمير في قول البدائع فلو مدها إلخ عائد على المنصوبة : أي بأن مسح بأطرافها لا الموضوعة ، على أنه قال في البحر لو مسح بأطراف أصابعه والماء متقاطر جاز وإلا فلا ; لأنه إذا كان متقاطرا فالماء ينزل من أصابعه إلى أطرافها ، فإذا مده صار كأنه أخذ ماء جديدا كذا في المحيط ، وذكر في الخلاصة أنه يجوز مطلقا هو الصحيح . ا هـ . قال الشيخ إسماعيل : ونحوه في الواقعات والفيض .

( قوله : لم يجز ) قيل لأن البلة [ ص: 100 ] صارت مستعملة ، وهو مشكل بأن الماء لا يصير قبل الانفصال ، وبأنه يستلزم عدم الجواز بمد الثلاث على رواية الربع : وقيل لأنا مأمورون بالمسح باليد والأصبعان منها لا تسمى يدا بخلاف الثلاث ; لأنها أكثرها . وفيه أنه يقتضي تعيين الإصابة باليد ، وهو منتف بمسألة المطر : وقد يقال في العلة أن البلة تتلاشى وتفرغ قبل بلوغ قدر الفرض ، بخلاف ما لو مد الثلاث وتمامه في فتح القدير .

( قوله : إلا أن يكون مع الكف إلخ ) لأنهما مع الكف أو مع ما بين الإبهام والسبابة يصيران مقدار ثلاث أصابع أو أكثر ، فإذا مدهما وبلغ قدر الربع جاز ، أما بدون مد فيجوز على رواية الثلاث كما صرح به في التتارخانية .

( قوله : أو بمياه ) قال في البحر : ولو مسح بأصبع واحدة ثلاث مرات وأعادها إلى الماء في كل مرة جاز في رواية محمد ، أما عندهما فلا يجوز ا هـ أي على رواية الربع لا يجوز ، فما في الدر المنتقى من أنه يجوز اتفاقا فيه نظر ، كذا قيل : وأقول : فيه نظر ; لأن عبارته لو كان بمياه في مواضع مقدار الفرض جاز اتفاقا ، فقوله مقدار الفرض شامل لرواية الثلاث أصابع ، ولرواية الربع . وفي البدائع لو مسح بأصبع واحدة ببطنها وظهرها وجانبيها لم يذكر في ظاهر الراوية . واختلف المشايخ ، فقال بعضهم لا يجوز ، وقال بعضهم يجوز وهو الصحيح ; لأن ذلك في معنى المسح بثلاث أصابع . ا هـ . قال في البحر : ولا يخفى أنه لا يجوز على المذهب من اعتبار الربع ، وما في شرح المجمع لابن ملك من أنه لا يجوز اتفاقا في الأصح ففيه نظر . ا هـ .

( قوله : أجزأه ) أي إن أصاب الماء قدر الفرض ط .

( قوله : ولم يصر الماء مستعملا ) لأن الماء لا يعطى له الاستعمال إلا بعد الانفصال ، والذي لاقى الرأس أي وأخويه أي الخف والجبيرة لصق به فطهره وغيره لم يلاقه فلا يستعمل ، وفيه نظر كذا في الفتح .

( قوله : اتفاقا ) أي بين الصاحبين .

( قوله : على الصحيح ) قيد للاتفاق ، ومقابله ما قيل إنه لو نوى لا يجزئ عند محمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية