صفحة جزء
. ( و ) تصح ( إجارة الدابة للركوب والحمل والثوب للبس لا ) تصح إجارة الدابة ( ليجنبها ) أي ليجعلها جنيبة بين يديه ( ولا يركبها ولا ) تصح إجارتها أيضا ( ل ) أجل أن ( يربطها على باب داره ليراها الناس ) فيقولوا له فرس ( أو ) لأجل أن ( يزين بيته ) أو حانوته ( بالثوب ) لما قدمنا أن هذه منفعة غير مقصودة من العين ، وإن فسدت فلا أجر ; وكذا لو استأجر بيتا ليصلي فيه أو طيبا ليشمه [ ص: 35 ] أو كتابا ولو شعرا ليقرأه أو مصحفا شرح وهبانية ( وإن لم يقيدها براكب ولابس أركب وألبس من شاء ) وتعين أول راكب ولابس ، وإن لم يبين من يركبها فسدت للجهالة وتنقلب صحيحة بركوبها ( وإن قيد براكب أو لابس فخالف ضمن إذا عطبت ولا أجر عليه وإن سلم ) بخلاف حانوت أقعد فيه حدادا مثلا حيث يجب الأجر إذا سلم ; لأنه لما سلم علم أنه لم يخالف ، وأنه مما لا يوهن الدار كما في الغاية ; لأنه مع الضمان ممتنع ( ومثله ) في الحكم ( كل ما يختلف بالمستعمل ) كالفسطاط ( وفيما لا يختلف فيه بطل تقييده به كما لو شرط سكنى واحد له أن يسكن غيره ) [ ص: 36 ] لما مر أن التقييد غير مفيد ( وإن سمى نوعا أو قدرا ككر بر له حمل مثله وأخف لا أضر كالملح ) والأصل أن من استحق منفعة مقدرة بالعقد فاستوفاها أو مثلها أو دونها جاز ، ولو أكثر لم يجز ، ومنه تحميل وزن البر قطنا لا شعيرا في الأصح .


( قوله للركوب والحمل ) لكن لو استأجرها للحمل له الركوب بخلاف العكس ، فلو حمل عليها لا أجر عليه ; لأن الركوب يسمى حملا ، يقال حمل معه غيره لا العكس بحر عن الخلاصة مختصرا .

وفيه عن العمادية : استأجرها ليحمل حنطة من موضع إلى منزله يوما إلى الليل فحمل وكلما رجع كان يركبها .

قال الرازي : يضمن لو عطبت .

وقال أبو الليث في الاستحسان : لا ، لجريان العادة به والإذن دلالة ا هـ .

فالحاصل أنهم اتفقوا على أنها لو للحمل له الركوب ، لكن الرازي قيده بأن لا يجمع بينهما والفقيه عممه ا هـ . ( قوله والثوب للبس ) ويكفي في استئجاره التمكن منه وإن لم يلبس وهو كالسكنى ، وفي الدابة لا يكفي التمكن لما في العمادية : استأجر دابة ليركبها إلى مكان معلوم فأمسكها في منزله في المصر لا يجب الأجر ويضمن لو هلك ا هـ بحر ملخصا ومر تمامه . ( قوله ليجنبها ) يقال جنب الدابة جنبا بالتحريك : قادها إلى جنبه ، ومنه قولهم خيل مجنبة شدد للكثرة .

والجنيبة : الدابة تقاد ، وكل طائع منقاد جنيب . والأجنب : الذي لا ينقاد صحاح ملخصا . ( قوله جنيبة بين يديه ) أي مقادة كما علم مما مر ، وكأن التقييد بالظرف للعادة ، وإلا فظاهر الصحاح الإطلاق . ( قوله ولا يركبها ) لم يصرح بمفهومه وهو يفيد أنه لو استأجرها لهما يصح نظرا للركوب وغيره تبع له ويحرر ط .

أقول : ذكر في الخلاصة والتتارخانية بعد سرد نظائر هذه المسألة أن الإجارة فاسدة ، ولا أجر له إلا إذا كان الذي يستأجر قد يكون يستأجر لينتفع به ا هـ ، وظاهره أنه إذا كان كذلك فعليه الأجر وإن لم يذكر الركوب ونحوه ، فإذا استأجرها لهما لزمه بالأولى ، هذا بالنظر إلى لزوم الأجر ، وأما الصحة فراجعة إلى بيان المنفعة . ( قوله ليصلي فيه ) وقع في عبارة الخانية : استأجر بيتا من مسلم ليصلي فيه ، واحترز به ابن وهبان عن الكافر .

قال ابن الشحنة : ينبغي كون مفهومه مهجورا ; لأن العلة جهل المدة ، فلو علمت تصح ، وكذا لو جعلت كون المنفعة غير مقصودة فتأمله ا هـ ملخصا .

أقول : وفي التتارخانية : استأجر الذمي من الذمي بيتا يصلي فيه لا يجوز ، ولو استأجر من المسلم بيعة ليصلي فيها لا يجوز أيضا ، وفي السواد جاز ، ولو استأجر مسلم من مسلم بيتا يجعله مسجدا يصلي فيه لا يجوز في قول علمائنا ; لأن الاستئجار على ما هو طاعة لا يجوز ، وكذلك الذمي يستأجر رجلا ليصلي بهم لا يجوز ا هـ ملخصا ، [ ص: 35 ] ففيه التصريح بأن المسلم غير قيد وأن العلة غير ما ذكره ، ومفاده عدم الجواز وإن بين المدة . ( قوله أو كتابا إلخ ) ; لأن القراءة إن كانت طاعة كالقرآن أو معصية كالغناء فالإجارة عليها لا تجوز ، وإن كانت مباحة كالأدب والشعر فهذا مباح له قبل الإجارة فلا تجوز ، ولو انعقدت تنعقد على الحمل وتقليب الأوراق ، والإجارة عليه لا تنعقد ولو نص عليه ; لأنه لا فائدة للمستأجر ولوالجية

( قوله وإن لم يقيدها ) صادق بالإطلاق كقوله للركوب أو اللبس مثلا ولم يزد عليه ، وبالتعميم كقوله : علي أن أركب أو ألبس من شئت ، هذا هو المراد هنا ، كما أن المراد الأول بقول الشارح بعده ولو لم يبين ، ولكن في التعبيرين خفاء فافهم .

والفرق أنه في الإطلاق صار الركوبان مثلا من شخصين كالجنسين فيكون المعقود عليه مجهولا ، وفي التعميم رضي المالك بالقدر الذي يحصل في ضمن الركوب فصار المعقود عليه معلوما أفاده في البحر . ( قوله فسدت ) ومثله الحمل لما في البزازية : استأجر ولم يذكر ما يحمل فسدت .

وفي الخانية ليطحن بها كل يوم بدرهم وبين ما يطحن من الشعير أو نحوه ذكر في الكتاب أنه يجوز وإن لم يبين مقداره .

وقال خواهر زاده : لا بد من بيان مقدار ما يطحن كل يوم وعليه الفتوى . ( قوله وتنقلب صحيحة بركوبها ) سواء ركبها أو أركبها ، ويجب المسمى استحسانا لزوال الجهالة بجعل التعيين انتهاء كالتعيين ابتداء ، ولا ضمان بالهلاك لعدم المخالفة زيلعي ملخصا

( قوله ضمن ) ; لأنه صار متعديا ; لأن الركوب واللبس مما يتفاوت فيه الناس ، فرب خفيف جاهل أضر على الدابة من ثقيل عالم . ( قوله وإن سلم ) ; لأنه يكون غاصبا ومنافع الغصب غير مضمونة إلا فيما استثنى ط . ( قوله وأنه مما لا يوهن ) أي بالفعل وإن كان مما من شأنه أن يوهن فافهم ( قوله ; لأنه مع الضمان ممتنع ) تعليل لقوله ولا أجر عليه لكنه خاص بحالة العطب ، فإن سلم فقد مر تعليله . ( قوله ومثله في الحكم ) أي في كونه يضمن إذا عطبت مع المخالفة والتقييد بحر . ( قوله كالفسطاط ) قال في الدرر : حتى لو استأجره فدفعه إلى غيره إجارة أو إعارة فنصبه وسكن فيه ضمن عند أبي يوسف لتفاوت الناس في نصبه واختيار مكانه وضرب أوتاده ، وعند محمد لا يضمن ; لأنه للسكنى فصار كالدار ا هـ .

وقوله ضمن عند أبي يوسف وقال أبو السعود : أي إن كان قيد بأن يستعمله بنفسه حموي ، وكذا عند أبي حنيفة على ما نقله شيخنا عن المفتاح ا هـ .

وفي التتارخانية : استأجر قبة لنصبها في بيته شهرا بخمسة دراهم جاز وإن لم يسم مكان النصب ، ولو نصبها في الشمس أو المطر وكان فيه ضرر عليها ضمن ولا أجر ، وإن سلمت عليه الأجر استحسانا ، وإن نصبها في دار أخرى في ذلك المصر لا يضمن ، وإن أخرجها إلى السواد لا أجر سلمت أو هلكت ، ولو استأجر فسطاطا يخرج به إلى مكة أن يستظل بنفسه وبغيره لعدم التفاوت ، ولو انقطع أطنابه وانكسر عموده فلم يستطع نصبه لا أجر ، وإن اختلفا في مقدار الانتفاع فالقول للمستأجر وإن في أصله حكم الحال كمسألة الطاحون وتمامه فيها ( قوله له أن يسكن غيره ) أي غير ذلك الواحد .

وفي شرح الزيلعي أول الباب : وله أي للمستأجر أن يسكن غيره معه أو منفردا ; لأن كثرة السكان لا تضر بها بل تزيد في عمارتها ; لأن خراب المسكن بترك السكن ا هـ .

وقدمنا أن له ذلك وإن شرط أن يسكن وحده منفردا ، فما قيل إن سكنى الواحد ليس كسكنى الجماعة بحث معارض للمنقول وإن [ ص: 36 ] كان ظاهرا لكن قد يقال معنى كلامهم أن له أن يسكن غيره في بقية بيوت الدار ; لأنه إذا سكن في بيت منها وترك الباقي خاليا يلزم الضرر لعدم تفقده من وكف المطر ونحوه بما يخربها تأمل . ( قوله لما مر ) أي أول الباب

( قوله ككر بر ) الكر قدر والبر نوع .

والكر : ستون قفيزا . وثمانية مكاكيك .

والمكوك : صاع ونصف فيكون اثني عشر وسقا مصباح ، وهذا عند أهل بغداد والكوفة ط عن الحموي . ( قوله له حمل مثله ) أي في الضرر بشرط التساوي في الوزن ، وما في الدرر من قوله وإن تساويا في الوزن .

قال الشرنبلالي : الواو فيه زائدة . ( قوله مقدرة ) أي معينة قدرا فدخل فيه زراعة الأرض إذا عين نوعا للزراعة له أن يزرع مثله أخف لا أضر كما في البحر . ( قوله أو مثلها ) كما لو حمل كر بر لغيره بدل كر بر .

قال في البحر : وغلط من مثل بالشعير للمثل ; لأنه يلزم عليه أنه لو استأجرها لحمل كر شعير له أن يحمل حنطة ، وليس كذلك ; لأنه فوقه . ( قوله أو دونها ) ككر شعير بدل كر بر ; لأنه أخف وزنا . ( قوله ومنه ) أي مما لم يخرج ( قوله لا شعيرا في الأصح ) أي لو عين قدرا من الحنطة فحمل مثل وزنه شعيرا جاز ، فلا يضمن لو عطبت استحسانا وهو الأصح ; لأن ضرر الشعير في حق الدابة عند استوائها وزنا أخف من ضرر الحنطة ; لأنه يأخذ من ظهر الدابة أكثر مما تأخذه الحنطة فيكون أخف عليها بالانبساط ، بخلاف إذا حمل مثل وزن الحنطة قطنا ; لأنه يأخذ من ظهرها أكثر من الحنطة وفيه حرارة فكان أضر عليها من الحنطة ، فصار كما إذا حمل عليها تبنا أو حطبا ، وكذا لو حمل مثل وزنها حديدا أو ملحا ; لأنه يجتمع في مكان واحد من ظهرها فيضرها ، فحاصله متى كان ضرر أحدهما فوق ضرر الآخر من وجه لا يجوز وإن كان أخف ضررا من وجه آخر ، كذا أفاده الزيلعي . أقول : ولم يذكر ما يضمن في هذه الأوجه .

وحاصل ما في البدائع أن الخلاف الموجب للضمان إما في الجنس أو في القدر أو الصفة .

فالأول كما إذا استأجرها لحمل كر شعير فحمل كر حنطة يضمن كل القيمة ; لأنها جنس آخر وأثقل فصار غاصبا ولا أجر ; لأنهما لا يجتمعان .

والثاني كما إذا استأجرها ليحمل عشرة أقفزة حنطة فحمل أحد عشر ، فإن سلمت لزم المسمى وإلا ضمن جزءا من أحد عشر جزءا من قيمتها .

والثالث كما إذا استأجرها ليحمل مائة رطل قطن فحمل مثل وزنه أو أقل حديدا يضمن قيمتها ; لأن الضرر ليس للثقل فلم يكن مأذونا ، ولا أجر لما قلنا وسيأتي تمامه

التالي السابق


الخدمات العلمية