صفحة جزء
( ثم ) كما فرغ ( يكبر ) مع الانحطاط ( للركوع ) .

ولا يكره وصل القراءة بتكبيرة ، ولو بقي حرف أو كلمة فأتمه حال الانحناء لا بأس به عند البعض . منية المصلي ( ويضع يديه ) معتمدا بهما ( على ركبتيه ويفرج أصابعه ) للتمكن . ويسن أن يلصق كعبيه . [ ص: 494 ] وينصب ساقيه ( ويبسط ظهره ) ويسوي ظهره بعجزه ( غير رافع ولا منكس رأسه ويسبح فيه ) وأقله ( ثلاثا ) فلو تركه أو نقصه كره تنزيها ; وكره تحريما [ ص: 495 ] إطالة ركوع أو قراءة لإدراك الجائي : أي إن عرفه وإلا فلا بأس به ، ولو أراد التقرب إلى الله تعالى لم يكره اتفاقا لكنه نادر وتسمى مسألة الرياء ، فينبغي التحرز عنها . ( و ) اعلم أنه مما يبتنى على لزوم المتابعة في الأركان أنه ( لو رفع الإمام رأسه ) من الركوع أو السجود ( قبل أن يتم المأموم التسبيحات ) الثلاث [ ص: 496 ] ( وجب متابعته ) وكذا عكسه فيعود ولا يصير ذلك ركوعين ( بخلاف سلامه ) أو قيامه لثالثة ( قبل تمام المؤتم التشهد ) فإنه لا يتابعه بل يتمه لوجوبه ، ولو لم يتم جاز ; ولو سلم والمؤتم في أدعية التشهد تابعه لأنه سنة والناس عنه غافلون .


( قوله مع الانحطاط ) أفاد أن السنة كون ابتداء التكبير عند الخرور وانتهائه عند استواء الظهر ، وقيل إنه يكبر قائما ، والأول هو الصحيح كما في المضمرات وتمامه في القهستاني ( قوله ولا يكره إلخ ) مثاله أن تقول - { وأما بنعمة ربك فحدث } - الله أكبر بكسر الثاء المثلثة لالتقاء الساكنين ح . وفي القهستاني : وفي قوله ثم يكبر دلالة على أنه لا يصل التكبير بالقراءة وهذا رخصة والأفضل الوصل . وفي شرح المنية : وعن أبي يوسف أنه قال ربما وصلت وربما تركت . ا هـ .

وذكر في التتارخانية تفصيلا حسنا ; وهو أنه إذا كان آخر السورة ثناء مثل - { وكبره تكبيرا } - فالوصل أولى وإلا فالفصل أولى مثل - { إن شانئك هو الأبتر } - فيقف ويفصل ثم يكبر للركوع ( قوله لا بأس به عند البعض ) أشار بهذا إلى أن هذا القول خلاف المعتمد المشار إليه بقوله أولا ثم كما فرغ يكبر مع الانحطاط فإنه ظاهر في أنه يتم القراءة جميعها وبعد الفراغ منها ينحط للركوع مكبرا ، والأول أصح كما في المنية فيكون الشارح قد نبه على القولين وأن الأول هو المعتمد والثاني ضعيف بأوجز عبارة وألطف إشارة ; فليس في كلامه إهمال كما لا يخفى على ذوي الكمال فافهم ( قوله ويسن أن يلصق كعبيه ) قال السيد أبو السعود وكذا في السجود أيضا وسبق في السنن أيضا . ا هـ . والذي سبق هو قوله وإلصاق كعبيه في السجود سنة در ا هـ ولا يخفى أن هذا سبق نظر ، فإن شارحنا لم يذكر ذلك لا في الدر المختار ولا في الدرر المنتقى ولم أره لغيره أيضا فافهم ، نعم ربما يفهم ذلك من أنه إذا كان السنة في الركوع إلصاق الكعبين ولم يذكروا تفريجهما بعده فالأصل بقاؤهما ملصقين في حالة السجود أيضا تأمل . [ ص: 494 ] هذا ، وكان ينبغي أن يذكر لفظ يسن عند قوله ويضع يديه ليعلم أن الوضع والاعتماد والتفريج والإلصاق والنصب والبسط والتسوية كلها سنن كما في القهستاني .

قال : وينبغي أن يزاد مجافيا عضديه مستقبلا أصابعه فإنهما سنة كما في الزاهدي . ا هـ . قال في المعراج وفي المجتبى : هذا كله في حق الرجل ، وأما المرأة فتنحني في الركوع يسيرا ولا تفرج ولكن تضم وتضع يديها على ركبتيها وضعا وتحني ركبتيها ولا تجافي عضديها لأن ذلك أستر لها .

وفي شرح الوجيز : الخنثى كالمرأة ا هـ ( قوله وينصب ساقيه ) فجعلهما شبه القوس كما يفعله كثير من العوام مكروه بحر ( قوله وأقله ثلاثا ) أي أقله يكون ثلاثا أو أقله تسبيحه ثلاثا ، وهذا أولى من جعل ثلاثا خبرا عن أقله بنزع الخافض : أي في ثلاث لأن نزع الخافض سماعي ومع هذا فهو بعيد جدا فافهم ، ويحتمل أن يكون أقله خبرا لمبتدإ محذوف والواو للحال والتقدير ويسبح فيه ثلاثا وهو أقله : أي والحال أن الثلاث أقله ، وسوغ مجيء الحال من النكرة تقديمها على صاحبها وهذا الوجه أفاده شيخنا حفظه الله تعالى ( قوله كره تنزيها ) أي بناء على أن الأمر بالتسبيح للاستحباب بحر ، وفي المعراج وقال أبو مطيع البلخي تلميذ أبي حنيفة : إن الثلاث فرض . وعند أحمد يجب مرة كتسبيح السجود والتكبيرات والتسميع والدعاء بين السجدتين ، فلو تركه عمدا بطلت ، ولو سهوا لا .

وفي القهستاني : وقيل يجب . ا هـ . وهذا قول ثالث عندنا ، وذكر في الحلية أن الأمر به والمواظبة عليه متظافران على الوجوب ، فينبغي لزوم سجود السهو أو الإعادة لو تركه ساهيا أو عامدا ، ووافقه على هذا البحث العلامة إبراهيم الحلبي في شرح المنية أيضا . وأجاب في البحر بأنه عليه الصلاة والسلام لم يذكره للأعرابي حين علمه ، فهذا صارف للأمر عن الوجوب ، لكن استشعر في شرح المنية ورود هذا فأجاب عنه بقوله : ولقائل أن يقول إنما يلزم ذلك أن لو لم يكن في الصلاة واجب خارج عما علمه الأعرابي وليس كذلك ، بل تعيين الفاتحة وضم السورة أو ثلاث آيات ليس مما علمه للأعرابي ، بل ثبت بدليل آخر فلم لا يكون هذا كذلك ؟ ا هـ .

والحاصل أن في تثليث التسبيح في الركوع والسجود ثلاثة أقوال عندنا ، أرجحها من حيث الدليل الوجوب تخريجا على القواعد المذهبية ، فينبغي اعتماده كما اعتمد ابن الهمام ومن تبعه رواية وجوب القومة والجلسة والطمأنينة فيهما كما مر . وأما من حيث الرواية فالأرجح السنية لأنها المصرح بها في مشاهير الكتب ، وصرحوا بأنه يكره أن ينقص عن الثلاث وأن الزيادة مستحبة بعد أن يختم على وتر خمس أو سبع أو تسع ما لم يكن إماما فلا يطول وقدمنا في سنن الصلاة عن أصول أبي اليسر أن حكم السنة أن يندب إلى تحصيلها ويلام على تركها مع حصول إثم يسير وهذا يفيد أن كراهة تركها فوق التنزيه وتحت المكروه تحريما . وبهذا يضعف قول البحر إن الكراهة هنا للتنزيه لأنه مستحب وإن تبعه الشارح وغيره فتدبر . [ تنبيه ]

السنة في تسبيح الركوع سبحان ربي العظيم إلا إن كان لا يحسن الظاء فيبدل به الكريم لئلا يجري على لسانه العزيم فتفسد به الصلاة كذا في شرح درر البحار ، فليحفظ فإن العامة عنه غافلون حيث يأتون بدل الظاء بزاي مفخمة . مطلب فيإطالة الركوع للجائي

( قوله وكره تحريما ) لما في البدائع والذخيرة عن أبي يوسف قال : سألت أبا حنيفة وابن أبي ليلى عن ذلك فكرهاه . وقال أبو حنيفة : أخشى عليه أمرا عظيما يعني الشرك . وروى هشام عن محمد أنه كره ذلك أيضا ، [ ص: 495 ] وكذا روي عن مالك والشافعي في الجديد ، وتوهم بعضهم من كلام الإمام أنه يصير مشركا فأفتى بإباحة دمه وليس كذلك ، وإنما أراد الشرك في العمل لأن أول الركوع كان لله تعالى وآخره للجائي ولا يكفر لأنه ما أراد التذلل والعبادة له ، وتمامه في الحلية والبحر ( قوله إطالة ركوع أو قراءة ) وكذا القعود الأخير قبل السلام . وذكر في السراج أن فيه خلافا ، وأشار إلى أن الكلام في المصلي ، فلو انتظر قبل الصلاة ففي أذان البزازية لو انتظر الإقامة ليدرك الناس الجماعة يجوز لواحد بعد الاجتماع لا إذا كان داعرا شريرا ا هـ ( قوله أي إن عرفه ) عزاه في شرح المنية إلى أكثر العلماء أي لأن انتظاره حينئذ يكون للتودد إليه لا للتقرب والإعانة على الخير . ( قوله وإلا فلا بأس ) أي وإن لم يعرفه فلا بأس به لأنه إعانة على الطاعة ، لكن يطول مقدار ما لا يثقل على القوم ، بأن يزيد تسبيحة أو تسبيحتين على المعتاد ، ولفظة لا بأس تقيد في الغالب أن تركه أفضل . وينبغي أن يكون هنا كذلك ، فإن فعل العبادة لأمر فيه شبهة عدم إخلاصها لله تعالى لا شك أن تركه أفضل ، لقوله عليه الصلاة والسلام { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } ولأنه وإن كان إعانة على إدراك الركعة ففيه إعانة على التكاسل وترك المبادرة والتهيؤ للصلاة قبل حضور وقتها فالأولى تركه شرح المنية ( قوله ولو أراد التقرب إلى الله تعالى ) أي خاصة من غير أن يتخالج قلبه شيء سوى التقرب حتى ولا الإعانة على إدراك الركعة ، فيكون حينئذ هو الأفضل ، لكنه في غاية الندرة .

ويمكن أن يراد بالتقرب الإعانة على إدراك الركعة لما فيه من إعانة عباد الله على طاعته فيكون الأفضل تركه لما فيه من الشبهة التي ذكرناها شرح المنية ملخصا .

أقول : قصد الإعانة على إدراك الركعة مطلوب ، فقد شرعت إطالة الركعة الأولى في الفجر اتفاقا وكذا في غيره على الخلاف إعانة للناس على إدراكها لأنه وقت نوم وغفلة كما فهم الصحابة ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام . وفي المنية : ويكره للإمام أن يعجلهم عن إكمال السنة . ونقل في الحلية عن عبد الله بن المبارك وإسحاق وإبراهيم والثوري أنه يستحب للإمام أن يسبح خمس تسبيحات ليدرك من خلفه الثلاث . ا هـ . فعلى هذا إذا قصد إعانة الجائي فهو أفضل بعد أن لا يخطر بباله التودد إليه ولا الحياء منه ونحوه ، ولهذا نقل في المعراج عن الجامع الأصغر أنه مأجور ، - { وتعاونوا على البر والتقوى } - وفي أذان التتارخانية قال : وفي المنتقى أن تأخير المؤذن وتطويل القراءة لإدراك بعض الناس حرام ، هذا إذا مال لأهل الدنيا تطويلا وتأخيرا يشق على الناس .

فالحاصل أن التأخير القليل لإعانة أهل الخير غير مكروه . ا هـ . قال ط : ويظهر أن من التقرب إطالة الإمام الركوع لإدراك مكبر لو رفع الإمام رأسه قبل إدراكه يظن أنه أدرك الركعة ، كما يقع لكثير من العوام فيسلم مع الإمام بناء على ظنه ولا يتمكن الإمام من أمره بالإعادة أو الإتمام ( قوله واعلم إلخ ) قدمنا في بحث الواجبات الكلام على المتابعة بما لا مزيد عليه ، وحققنا هناك أن المتابعة بمعنى عدم التأخير واجبة في الفرائض والواجبات وسنة في السنن ، فالتقييد بالأركان هنا فيه نظر ، على أن الرفع من الركوع أو السجود واجب أو سنة . وأيضا فإن المتابعة لم يتعرض لها المصنف هنا حتى يكون كلامه مبنيا عليها ، بل كان ينبغي بناء قوله وجب متابعته على قوله [ ص: 496 ] ويسبح فيه ثلاثا فإنه سنة على المعتمد المشهور في المذهب لا فرض ولا واجب كما مر ، فلا يترك المتابعة الواجبة لأجلها تأمل .

( قوله وجب متابعته ) أي في الأصح من الروايتين كما في البحر ( قوله وكذا عكسه ) وهو أن يرفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل أن يتم الإمام التسبيحات ح ( قوله فيعود ) أي المقتدي لوجوب متابعته لإمامه في إكمال الركوع وكراهة مسابقته له : فلو لم يعد ارتكب كراهة التحريم ( قوله ولا يصير ذلك ركوعين ) لأن عوده تتميم للركوع الأول لا ركوع مستقل ح ( قوله فإنه لا يتابعه إلخ ) أي ولو خاف أن تفوته الركعة الثالثة مع الإمام كما صرح به في الظهيرية ، وشمل بإطلاقه ما لو اقتدى به في أثناء التشهد الأول أو الأخير ، فحين قعد قام إمامه أو سلم ، ومقتضاه أنه يتم التشهد ثم يقوم ولم أره صريحا ، ثم رأيته في الذخيرة ناقلا عن أبي الليث : المختار عندي أنه يتم التشهد وإن لم يفعل أجزأه ا هـ ولله الحمد ( قوله لوجوبه ) أي لوجوب التشهد كما في الخانية وغيرها ، ومقتضاه سقوط وجوب المتابعة كما سنذكره وإلا لم ينتج المطلوب فافهم ( قوله ولو لم يتم جاز ) أي صح مع كراهة التحريم كما أفاده ح ، ونازعه ط والرحمتي ، وهو مفاد ما في شرح المنية حيث قال : والحاصل أن متابعة الإمام في الفرائض والواجبات من غير تأخير واجبة فإن عارضها واجب لا ينبغي أن يفوته بل يأتي به ثم يتابعه لأن الإتيان به لا يفوت المتابعة بالكلية وإنما يؤخرها ، والمتابعة مع قطعه تفوته بالكلية ، فكان تأخير أحد الواجبين مع الإتيان بهما أولى من ترك أحدهما بالكلية ، بخلاف ما إذا عارضتها سنة لأن ترك السنة أولى من تأخير الواجب . ا هـ .

أقول : ظاهره أن إتمام التشهد أولى لا واجب ، لكن لقائل أن يقول إن المتابعة الواجبة هنا معناها عدم التأخير فيلزم من إتمام التشهد تركها بالكلية ، فينبغي التعليل بأن المتابعة المذكورة إنما تجب إذا لم يعارضها واجب ، كما أن رد السلام واجب ، ويسقط إذا عارضه وجوب استماع الخطبة ، ومقتضى هذا أنه يجب إتمام التشهد ، لكن قد يدعي عكس التعليل فيقال إتمام التشهد واجب إذا لم يعارضه وجوب المتابعة نعم قولهم لا يتابعه يدل على بقاء وجوب الإتمام وسقوط المتابعة لتأكد ما شرع فيه على ما يعرض بعده ، وكذا ما قدمناه عن الظهيرية ، وحينئذ فقولهم ولو لم يتم جاز معناه صح مع الكراهة التحريمية ، ويدل عليه أيضا تعليلهم بوجوب التشهد إذ لو كانت المتابعة واجبة أيضا لم يصح التعليل كما قدمناه فتدبر ( قوله في أدعية التشهد ) يشمل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبه صرح في شرح المنية .

التالي السابق


الخدمات العلمية