صفحة جزء
( البداية بالنية ) [ ص: 106 ] أي نية عبادة لا تصح إلا بالطهارة كوضوء أو رفع حدث أو امتثال أمر [ ص: 107 ] وصرحوا أنها بدونها ليس بعبادة ، ويأثم بتركها ، وبأنها فرض في الوضوء المأمور به ، وفي التوضؤ بسؤر حمار ونبيذ تمر كالتيمم .


( قوله : البداية ) قيل : الصواب البداءة بالهمزة ، وفيه نظر ، فقد ذكر في القاموس من اليائي ، وبديت بالشيء وبديت ابتدأت ا هـ أي بفتح الدال وكسرها . مطلب الفرق بين النية والقصد والعزم

( قوله : بالنية ) بالتشديد وقد تخفف قهستاني . وهي لغة عزم القلب على الشيء . واصطلاحا كما في التلويح قصد الطاعة والتقرب إلى الله تعالى في إيجاد الفعل ، ودخل فيه المنهيات ، فإن المكلف به الفعل الذي هو كف النفس ، العزم والقصد والنية اسم للإرادة الحادثة ، لكن العزم المتقدم على الفعل والقصد المقترن به والنية المقترن به مع دخوله تحت العلم بالمنوي ، وتمامه في البحر . [ ص: 106 ] مطلب الفرق بين الطاعة والقربة والعبادة

( قوله : أي نية عبادة ) الأولى التعبير بالطاعة ليشمل نحو مس المصحف ، فقد ذكر شيخ الإسلام زكريا أن الطاعة فعل ما يثاب عليه توقف على نية أو لا ، عرف من يفعله لأجله أو لا . والقربة فعل ما يثاب عليه بعد معرفة من يتقرب إليه به ، وإن لم يتوقف على نية . والعبادة ما يثاب على فعله ويتوقف على نية ، فنحو الصلوات الخمس والصوم والزكاة والحج من كل ما يتوقف على النية قربة وطاعة وعبادة ، وقراءة القرآن والوقف والعتق والصدقة ونحوها مما لا يتوقف على نية قربة وطاعة لا عبادة ، والنظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى طاعة لا قربة ولا عبادة ا هـ وقواعد مذهبنا لا تأباه حموي ، وإنما لم يكن النظر قربة لعدم المعرفة بالمتقرب إليه ; لأن المعرفة تحصل بعده ولا عبادة لعدم التوقف على النية ( قوله : لا تصح ) الأولى لا تحل ، كما في الفتح ; ليشمل مثل مس المصحف والطواف . ا هـ . ح .

وفيه أنه لو قصد مس المصحف لم يكن آتيا بالسنة ، كما أنه لو تيمم له لم تجز له الصلاة به ، فإن النية المسنونة في الوضوء هي المشروطة في التيمم كذا في حاشية شيخ مشايخنا الرحمتي : وبيانه أن الصلاة تصح عندنا بالوضوء ولو لم يكن منويا ، وإنما تسن النية في الوضوء ليكون عبادة ، فإنه بدونها لا يسمى عبادة مأمورا بها كما يأتي وإن صحت به الصلاة ، بخلاف التيمم فإن النية شرط لصحة الصلاة به فالنية في الوضوء شرط لكونه عبادة ، وفي التيمم شرط لصحة الصلاة به . ولما لم تصح الصلاة بالتيمم المنوي به استباحة مس المصحف علم أن الوضوء المنوي به ذلك ليس عبادة ; لكن قد يقال : لا يلزم عن عدم صحة الصلاة بالتيمم المذكور عدم كون ذلك الوضوء عبادة لأن صحة الصلاة أقوى ، على أن طهارة التيمم ضرورية فيحتاط في شروطها ; ولذا شرطوا في التيمم نية عبادة مقصودة وظاهر كلامهم هنا أن كون العبادة مقصودة غير شرط في النية المسنونة للوضوء فيدخل مثل مس المصحف ، والله تعالى أعلم . ( قوله : كوضوء إلخ ) فيه أن الوضوء ورفع الحدث ليسا عبادة لعدم توقفهما على النية عندنا بل هما قربة وطاعة كما علمت ، على أنهما ليسا مما لا يحل إلا بالطهارة كما أفاده ح ; لأن الوضوء عين الطهارة ورفع الحدث ، وكذا امتثال الأمر بالوضوء لازمان من لوازم وجودها ، فقوله : كوضوء ليس تمثيلا للعبادة بل تنظير للمنوي ، ولا يخفى أن الأصوب أن يقول أو وضوء بالعطف على عبادة ، وما ذكره من الاكتفاء بنية الوضوء هو ما جزم به في الفتح وأيده في البحر والنهر ، حيث ذكر أن المستفاد من كلامهم أن نية الطهارة لا تكفي في تحصيل السنة ، وكأنه لأنها متنوعة إلى إزالة الحدث والخبث فلم ينو خصوص الطهارة الصغرى ، فعلى هذا لو نوى الوضوء كفى ; لأنه ورفع الحدث سواء ، بل هو أخص منه ; لأن رفع الحدث يشمل الغسل فكان الوضوء أولى ا هـ .

لا يقال : تنوع رفع الحدث إلى الوضوء والغسل يقتضي أن يكون كالطهارة . لأنا نقول : تنوعه لا يضر لأن الغسل في ضمنه وضوء فلم يكن ناويا خلاف ما أراد بخلاف تنوع الطهارة ، فافهم ، وقد مشى القدوري في مختصره على الاكتفاء بنية الطهارة ووافقه في السراج ، لكن ظاهر كلام الزيلعي أنه خلاف المذهب . وفي الأشباه : وعند البعض نية الطهارة تكفي .

أقول : ويؤيده ما في تيمم البدائع عن القدوري : الصحيح من المذهب أنه إذا نوى الطهارة أجزأه وجزم به في البحر هناك ، لكن يفرق بأن الطهارة بالتراب لا تتنوع بخلافها بالماء ، وذكر في البحر هناك أيضا أن نية التيمم لا تكفي لصحته على المذهب خلافا لما في النوادر ولا اعتماد عليه ، بل المعتمد اشتراط نية مخصوصة . ا هـ . ولعل الفرق [ ص: 107 ] بين التيمم والوضوء أن كل وضوء تصح به الصلاة ، بخلاف التيمم فإن منه ما لا تصح به الصلاة كالتيمم لمس مصحف ، فلذا لم تصح نية التيمم المطلق ، تأمل . هذا ، وأورد في البحر على قوله : أو امتثال أمر أنه لا يتأتى قبل دخول الوقت ; إذ ليس مأمورا به ، إلا أن يقال : إن الوضوء لا يكون نفلا ; لأنه شرط للصلاة وشرطها فرض ، ولا يخفى ما فيه . ا هـ . وأجاب ط بأنه مأمور به على طريق الندب قبل الوقت ، وهو إحدى الثلاث التي المندوب فيها أفضل من الفرض . ا هـ .

أقول : على القول بأن سبب وجوبه الحدث يكون مأمورا به قبل الوقت وجوبا موسعا إلى القيام إلى الصلاة كما سبق تقريره .

بقي هنا شيء وهو أنه إذا أراد تجديد الوضوء لا ينوي إزالة الحدث ولا إباحة الصلاة . ويمكن دفعه بأن ينوي التجديد ، فإنه مندوب إليه فيكون عبادة كما في شرح الشيخ إسماعيل عن شرح البرجندي .

أقول : فيه أن التجديد ليس عبادة لا تحل إلا بالطهارة فالأحسن أن يقال : إنه ينوي الوضوء بناء على أن نيته تكفي أو ينوي امتثال الأمر لأن المندوب مأمور به حقيقة أو مجازا على الخلاف بين الأصوليين ( قوله : وصرحوا بأنه بدونها ) أي الوضوء بدون النية ليس عبادة ، وذلك كأن دخل الماء مدفوعا أو مختارا لقصد التبرد أو لمجرد إزالة الوسخ كما في الفتح . قال في النهر : لا نزاع لأصحابنا أي مع الشافعي في أن الوضوء المأمور به لا يصح بدون النية ، إنما نزاعهم في توقف الصلاة على الوضوء المأمور به ، وأشار أبو الحسن الكرخي إلى هذا .

وقال الدبوسي في أسراره : وكثير من مشايخنا يظنون أن المأمور به من الوضوء يتأدى من غير نية ، وهذا غلط ; فإن المأمور به عبادة ، والوضوء بغير نية ليس بعبادة . وفي مبسوط شيخ الإسلام : لا كلام في أن الوضوء المأمور به لا يحصل بدون النية ، لكن صحة الصلاة لا تتوقف عليه ; لأن الوضوء المأمور به غير مقصود ، وإنما المقصود الطهارة وهي تحصل بالمأمور به وغيره ; لأن الماء مطهر بالطبع . ا هـ . ( قوله : ويأثم بتركها ) أي إثما يسيرا كما قدمناه عن الكشف ، والمراد الترك بلا عذر على سبيل الإصرار كما قدمناه أيضا عن شرح التحرير ; وذلك لأنها سنة مؤكدة لمواظبته صلى الله عليه وسلم عليها كما حققه في الفتح رادا على القدوري حيث جعلها مستحبة .

( قوله : وبأنها فرض إلخ ) الصواب أن يقال وبأنها شرط في كون الوضوء عبادة لا مفتاحا للصلاة ، فإن تارك النية لا يعاقب عقاب ترك الفرض وانتفاء اللازم يستلزم انتقاء الملزوم ، والشرط لا يكون فرضا إلا إذا كان شرط الصحة ، وهذا ليس كذلك بل هو شرط في كون الوضوء عبادة فقط . ا هـ . ح يؤيده أن آية الوضوء لا دلالة لها على اشتراط النية كما حققه العلامة ابن كمال في شرحه على الهداية ونقله عنه الحموي في حاشية الأشباه . وفي البحر : وليست النية بشرط في كون الوضوء مفتاحا للصلاة إنما هي شرط في كونه سببا للثواب على الأصح .

وقيل : يثاب بغير نية . ا هـ . ( قوله : بسؤر حمار ) نقله في البحر عن شرح المجمع والوقاية معزيا للكفاية . وفي الفتح : واختلفوا في النية بالتوضؤ به والأحوط أن ينوي ا هـ . والظاهر أن المراد أن الأحوط القول بلزوم النية ، تأمل ( قوله : : ونبيذ تمر ) أي على القول الضعيف بجواز الوضوء به فهو كالتيمم ; لأنه بدل عن الماء حتى لا يجوز به حال وجود الماء وينتقض به إذا وجد ، ذكره القدوري في شرحه عن أصحابنا فتح . والظاهر أن العلة في سؤر الحمار كذلك ; لأنه يتوضأ به مع التيمم عند فقد ` الماء ، كما يأتي .

التالي السابق


الخدمات العلمية