صفحة جزء
( فإن قبض ثمنه أو سلم ) المبيع ( طوعا ) قيد للمذكورين ( نفذ ) يعني لزم لما مر أن عقود المكره نافذة عندنا ، والمعلق على الرضا والإجازة لزومه لإنفاذه إذ اللزوم أمر وراء النفاذ كما حققه ابن الكمال .

قلت : والضابط أن ما لا يصح مع الهزل ينعقد فاسدا فله إبطاله وما يصح فيضمن الحامل كما سيجيء ( وإن ) ( قبض ) الثمن ( مكرها لا ) يلزم ( ورده ) ولم يضمن إن هلك الثمن لأنه أمانة درر ( إن بقي ) في يده لفساد العقد [ ص: 132 ] ( لكنه يخالف البيع الفاسد في أربع صور يجوز بالإجازة ) القولية والفعلية ( و ) الثاني : أنه ( ينقض تصرف المشتري منه ) وإن تداولته الأيدي ( و ) الثالث : ( تعتبر القيمة وقت الإعتاق دون وقت القبض و ) الرابع : ( الثمن والمثمن أمانة في يد المكره ) لأخذه بإذن المشتري فلا ضمان بلا تعد بخلافها في الفاسد بزازية .


( قوله : فإن قبض إلخ ) تفريع على ما فهم من التخيير السابق ، وهو أن تمام البيع بانقلابه صحيحا موقوف على إجازته بناء على أن الفساد كان لحقه لا لحق الشرع ، فكأنه يقول : لما توقف انقلابه صحيحا على رضا البائع وإجازته فبقبضه الثمن أو تسليمه المبيع طوعا ينقلب صحيحا بدلالتها على الرضا والإجازة ابن كمال . ( قوله : أو سلم المبيع ) قيد بالمبيع للاحتراز عن الهبة ، فإذا أكره عليها ، ولم يذكر الدفع فوهب ودفع يكون باطلا لأن مقصود المكره الاستحقاق لا مجرد اللفظ ، وذلك في الهبة بالدفع وفي البيع بالعقد فدخل الدفع في الإكراه على الهبة دون البيع هداية . وقيده في البزازية بحضور المكره فقال : الإكراه على الهبة إكراه على التسليم إذا كان المكره وقت التسليم حاضرا وإلا لا قياسا واستحسانا ا هـ وأراد بقوله : باطلا الفاسد لأنه يملك فاسدا بالقبض أتقاني . ( قوله : نفذ ) لوجود الرضا . ( قوله : لما مر ) تعليل لتفسير النفاذ باللزوم ، ومقتضاه أن النفاذ واللزوم متغايران فيراد بالنفوذ الانعقاد وباللزوم الصحة فبيع المكره نافذ أي منعقد لصدوره من أهله في محله والمنعقد منه صحيح . ومنه فاسد ، وهذا العقد فاسد ، لأن من شروط الصحة الرضا ، وهو هنا مفقود فإذا وجد صح ولزم ، وهذا موافق لما مر أن النافذ مقابل للموقوف ، فإن الموقوف كما في بيوع البحر ما لا حكم له ظاهرا يعني لا يفيد حكمه قبل وجود ما توقف عليه ، وهذا يفيد حكمه وهو الملك قبل الرضا لكن بشرط القبض كما في سائر البيوع الفاسدة وهذا منها عندنا كما صرحوا به قاطبة خلافا لزفر .

فظهر بهذا التقرير : أن اللزوم أمر وراء النفاذ كما حققه ابن الكمال حيث نقل عن شرح الطحاوي أنه إذا تداولته الأيدي ، فله فسخ العقود كلها وأيا أجازه جازت كلها لأنها كانت نافذة إلا أنه كان له الفسخ لعدم الرضا ا هـ فهذا صريح في أن النفاذ كان موجودا قبل الرضا ، وأن الموقوف على الرضا أمر آخر ، وهو لزومها وصحتها فتعين أن يفسر قوله : نفذ ب لزم وبالجملة فالرضا شرط اللزوم لا النفاذ ، ولكن هذا مخالف لما في كتب الأصول كالتوضيح والتلويح والتقرير وشرح التحرير وشروح المنار حيث قالوا : إن بيع المكره ينعقد فاسدا لعدم الرضا الذي هو شرط النفاذ ، فلو أجازه بعد زوال الإكراه صريحا أو دلالة بقبض الثمن أو تسليم المبيع طوعا صح لتمام الرضا ، والفساد كان لمعنى وقد زال ا هـ وهذا موافق لما قاله المصنف ، ولقول صدر الشريعة إن الإكراه يمنع النفاذ فالمراد في كلامهم بالنفاذ اللزوم فهما بمعنى واحد وهو الصحة . وبه يحصل التوفيق بينه وبين ما في شرح الطحاوي وظهر به أن تعبير المصنف بقوله : نفذ كالوقاية والدرر لا اعتراض عليه ، ولا لوم لموافقته لكلام القوم ، واندفع تشنيع ابن الكمال المار على صدر الشريعة بالكلمات الفظيعة ، والله تعالى الموفق لا رب سواه .

( قوله : إن ما لا يصح مع الهزل ) كالبيع والشراء . ( قوله : وما يصح ) أي مع الهزل وهو ما يستوي فيه الجد والهزل كالطلاق [ ص: 132 ] والعتاق . ( قوله : يجوز بالإجازة ) أي ينقلب صحيحا بها ، بخلاف غيره من البيوع الفاسدة كبيع درهم بدرهمين مثلا لا يجوز ، وإن أجازاه لأن الفساد فيه لحق الشرع . ( قوله : والفعلية ) كقبض الثمن وتسليم المبيع طوعا . ( قوله : المشتري منه ) أي من البائع المكره . ( قوله : وإن تداولته الأيدي ) لأن الاسترداد فيه لحقه لا لحق الشرع . ( قوله : وقت الإعتاق دون وقت القبض ) مخالف لما في البزازية حيث قال : إن احتمل النقض نقضه وإلا يحتمل يضمن المكره قيمته يوم التسليم إلى المشتري وإن شاء ضمن المشتري يوم قبضه أو يوم أحدث فيه تصرفا لا يحتمل النقض ، لأنه أتلف به حق الاسترداد بخلاف المشتري شراء فاسدا حيث لا يضمنه يوم الإحداث بل يوم قبضه ا هـ ومثله في غاية البيان فكان عليه أن يقول له تضمين القيمة يوم الإعتاق أو القبض . ( قوله : الثمن ) أي فيما إذا كان المكره هو البائع وقوله : والمثمن أي فيما إذا كان هو المشتري . ( قوله : أمانة في يد المكره ) وهو البائع في الأول والمشتري في الثاني . ( قوله : لأخذه بإذن المشتري ) أي أو البائع ح . ( قوله : بخلافها ) أي الصور الأربع ح . [ تنبيه ] :

أكرها على بيع عبد وشرائه وعلى التقابض فهلك الثمن والعبد ضمنهما المكره لهما ، فإن أراد أحدهما تضمين صاحبه سئل كل عما قبض ، فإن قال كل قبضت على البيع الذي أكرهنا عليه ، ليكون لي فالبيع جائز ولا ضمان على المكره ، وإن قال : قبضته مكرها لأرده على صاحبه ; وآخذ منه ما أعطيت ، وحلف كل لصاحبه على ذلك لم يضمن أحدهما الآخر ، وإن نكل أحدهما ، فإن كان المشتري ضمن البائع أيا شاء فإن ضمن المكره قيمته رجع بها على المشتري ، وإن ضمنها المشتري لم يرجع على المكره بها ولا على البائع بالثمن ، وإن كان الناكل البائع فإن شاء المشتري ضمن المكره الثمن ، ورجع به على البائع وإن شاء ضمنه البائع ولم يرجع به على المكره ا هـ ملخصا من الهندية عن المبسوط .

التالي السابق


الخدمات العلمية