صفحة جزء
كتاب

الحجر . ( هو ) لغة : المنع [ ص: 143 ] مطلقا وشرعا : ( منع من نفاذ تصرف قولي ) لا فعلي لأن الفعل بعد وقوعه لا يمكن رده فلا يتصور الحجر عنه .

قلت : يشكل عليه الرقيق لمنع نفاذ فعله في الحال بل بعد العتق كما صرح به في البدائع [ ص: 144 ] اللهم إلا أن يقال : الأصل فيه ذلك لكنه أخر لعتقه لقيام المانع فتأمل .

( وسببه صغر وجنون ) يعم القوي والضعيف كما في المعتوه وحكمه كمميز كما سيجيء في المأذون ( ورق فلا يصح طلاق صبي ومجنون مغلوب ) أي لا يفيق بحال وأما الذي يجن ويفيق فحكمه كمميز نهاية ( و ) لا ( إعتاقهما [ ص: 145 ] وإقرارهما ) نظرا لهما .


كتاب الحجر

أورده بعد الإكراه ، لأن في كل سلب ولاية المختار عن الجري على موجب الاختيار ، والإكراه أقوى ، لأن فيه السلب ممن له اختيار صحيح وولاية كاملة فكان بالتقديم أحرى . ( قوله : هو لغة المنع ) يقال حجر عليه حجرا من باب قتل منعه من التصرف ، فهو محجور عليه والفقهاء يحذفون الصلة تخفيفا ومنه سمي الحطيم حجرا بالكسر ، [ ص: 143 ] لأنه منع من الكعبة وكذا العقل لمنعه من القبائح . ( قوله : مطلقا ) ولو عن الفعل أو عما هو مطلوب ط . ( قوله : وشرعا منع من نفاذ تصرف قولي ) أي من لزومه فإن عقد المحجور ينعقد موقوفا ، والنافذ أعم من اللازم قهستاني . وقدمنا ما فيه في الإكراه .

والحاصل أن المنع من ثبوت حكم التصرف فلا يفيد الملك بالقبض ، وفيه أنه لا يشمل سوى العقود الدائرة بين النفع والضر ، مع أن القول قد يلغو أصلا كطلاق الصبي ، وقد يصح كطلاق العبد فالمناسب في تعريفه ما في الإيضاح بقوله : وفي اصطلاح الفقهاء عبارة عن منع مخصوص بشخص مخصوص عن تصرف مخصوص أو عن نفاذه . وتفصيله أنه منع للرقيق عن نفاذ تصرفه الفعلي الضار وإقراره بالمال في الحال ، وللصغير والمجنون عن أصل التصرف القولي إن كان ضررا محضا وعن وصف نفاذه إن كان دائرا بين الضرر والنفع ا هـ وكتب في هامشه الحجر على مراتب : أقوى وهو المنع عن أصل التصرف ، ومتوسط وهو المنع عن وصفه وهو النفاذ ، وضعيف وهو المنع عن وصف وصفه وهو كون النفاذ حالا ا هـ وقد أدخل في التعريف المنع عن الفعل كما ترى ، ودخل فيه نحو الزنا والقتل في حق الصبي والمجنون ، فإنه محجور عليهما بالنسبة لحكمه ، وهو الحد والقصاص كما في الجوهرة ، ويظهر لي أن هذا هو التحقيق ، فإنه إن جعل الحجر هو المنع من ثبوت حكم التصرف ، فما وجه تقييده بالقولي ونفي الفعلي ، مع أن لكل حكما ؟ وبهذا يندفع ما استشكله الشارح من أصله . وأما ما علل به من قوله لأن الفعل بعد وقوعه ، لا يمكن رده نقول الكلام في منع حكمه لا منع ذاته ، ومثله القول لا يمكن رده بذاته بعد وقوعه بل رد حكمه .

فإن قلت : قيد بالقولي لأن الأفعال لا يحجر عنها كلها فإن ما يوجب الضمان منها يؤاخذ بها . قلت : وكذلك القول بعضه غير محجور عنه كالذي تمحض نفعا كقبول الهبة والهدية والصدقة إلا أن يفرق بالقلة والكثرة فليتأمل . ( قوله : لمنع نفاذ فعله في الحال ) كاستهلاكه للأموال فإنه صدق عليه منع النفاذ في الحال ، مع أنه فعل لا قول ، ونفاذه في المآل لا ينافي وجود المنع في الحال ، وإلا لزم أن لا يصح قولنا محجور عن الإقرار مثلا في حق المولى فافهم وهذا من المنع عن وصف الوصف كما قدمناه . ( قوله : بل بعد العتق إلخ ) أي بل ينفذ بعده ، لأن توقفه كان لحق المولى وقد زال .

ثم اعلم أن الذي يتوقف هو إقراره بالمال كما يأتي وكذا مطالبته بالمهر لو تزوج بلا إذن مولاه ودخل بها كما ذكره الزيلعي في باب نكاح الرقيق وكأنه لما كان برضاها صارت راضية بتأخير المهر . وأما ما ذكره عن البدائع تبعا لابن الكمال ، من أنه لو أتلف مال الغير لا يؤاخذ به في الحال ، فهو المتبادر من التبيين والدرر ، ويخالفه ما نقله المصنف عن ابن مالك من أنه مؤاخذ في الحال بما استهلكه . وسيأتي مثله في المأذون عن العمادية قال الرملي : ومثله في النهاية والجوهرة والبزازية والخلاصة والولوالجية ثم قال : والحاصل أن النقل مستفيض في هذه المسألة بالضمان في الحال فيباع أو يفديه المولى ا هـ ملخصا . ومثله في الحامدية عن السراج ثم قال : وفي التتارخانية من الكفالة : فإن كان له كسب يوفي ذلك من كسبه وإلا تباع رقبته بدين الاستهلاك إلا أن يقضيه المولى ا هـ وفي القنية من باب أمر الغير بالجناية رامزا لبكر خواهر زاده : عبد محجور جنى على مال فباعه المولى بعد علمه بالجناية ، فهو في رقبة العبد يباع فيها على من اشتراه بخلاف الجناية على النفس . وفي التتارخانية من التاسع من الجنايات فرق بين الجناية على الآدمي وبين الجناية على المال ، ففي الأول خير المولى بين الدفع والفداء وفي الثاني خير بين الدفع [ ص: 144 ] والبيع ا هـ . ( قوله : اللهم إلا أن يقال ) أي في الجواب عن الإشكال وهذه الصيغة تؤتى في صدر جواب فيه ضعف كأنه يطلب من الله تعالى صحته . ( قوله : الأصل فيه ذلك ) أي الأصل في فعله النفاذ في الحال لما يأتي أن الرق ليس بسبب للحجر في الحقيقة . ( قوله : لكنه ) أي النفاذ أخر لعتقه أي لوقت عتقه أو إليه لقيام المانع وهو حق المولى .

( قوله : وسببه صغر وجنون ) اعلم أن الله تبارك وتعالى جعل بعض البشر ذوي النهى ، وجعل منهم أعلام الدين وأئمة الهدى ومصابيح الدجى ، وابتلى بعضهم بما شاء من أسباب الردى كالجنون الموجب لعدم العقل والصغر والعته الموجبين لنقصانه ، فجعل تصرفهما غير نافذ بالحجر عليهما ، ولولا ذلك لكان معاملتهما ضررا عليهما بأن يستجر من يعاملهما مالهما باحتياله الكامل ، وجعل من ينظر في مالهما خاصا كالأب وعاما كالقاضي ، وأوجب عليه النظر لهما ، وجعل الصبا والجنون سببا للحجر عليهما كل ذلك رحمة منه ولطفا ، والرق ليس بسبب للحجر في الحقيقة لأنه مكلف محتاج كامل الرأي كالحر غير أنه وما في يده ملك المولى ، فلا يجوز له أن يتصرف لأجل حق المولى والإنسان إذا منع عن التصرف في ملك الغير لا يكون محجورا عليه كالحر ، لا يقال إنه محجور عليه ، مع أنه ممنوع عن التصرف في ملك الغير ، ولهذا يؤخذ العبد بإقراره بعد العتق ، لزوال المانع وهو حق المولى ولعدم نفوذه في الحال ، وتأخره إلى ما بعد الحرية جعله من المحجور عليهم زيلعي . ( قوله : يعم القوي والضعيف ) أشار إلى أن سبب الحجر هو مطلق الجنون كما في الإيضاح ، وأراد بالقوي المطبق وبالضعيف غيره ، أو أراد بالقوي القسمين وبالضعيف العته فقوله " كما في المعتوه " الكاف فيه للتنظير على الأول . وللتمثيل على الثاني تأمل . واختلفوا في تفسير المعتوه وأحسن ما قيل فيه هو من كان قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير إلا أنه لا يضرب ولا يشتم كما يفعل المجنون درر . ( قوله : وحكمه كمميز ) أي حكم المعتوه كالصبي العاقل في تصرفاته وفي رفع التكليف عنه زيلعي . ( قوله : فلا يصح طلاق صبي ) أي ولو مميزا . ( قوله : ومجنون مغلوب إلخ ) قد يذكر هذا القيد ويراد به الغلبة على العقل ، فيحترز به عن المعتوه كما وقع في الهداية ، حيث قال : ولا يجوز تصرف المجنون المغلوب بحال ، وقد يراد به من صار مغلوبا للجنون ، بحيث لا يفيق أي لا يزول عنه ما به من الجنون قويا كان أو ضعيفا ، فيدخل فيه المعتوه ويحترز به عمن يجن ويفيق فإنه يجوز تصرفه على ما يأتي فمن احترز به عن المعتوه فقد وهم لظنه أن المراد في الكلامين واحد مع أن طلاق المعتوه أيضا لا يصح كذا أفاده ابن الكمال وتبعه الشارح .

( قوله : وأما الذي يجن ويفيق فحكمه كمميز ) ومثله في المنح والدرر وغاية البيان وكذا في المعراج حيث فسر المغلوب بالذي لا يعقل أصلا ثم قال : واحترز به عن المجنون الذي يعقل البيع ويقصده فإن تصرفه كتصرف الصبي العاقل على ما يجيء فيتوقف إلى إجازة الولي ا هـ وهذا هو المعتوه كما قدمناه وبه صرح في الكفاية ، وجعله الزيلعي في حال إفاقته كالعاقل والمتبادر منه أنه كالعاقل البالغ ، وبه اعترض الشرنبلالي على الدرر ، فلا تتوقف تصرفاته ووفق بينهما الرحمتي والسائحاني بحمل ما هنا على ما إذا لم يكن تام العقل في حال إفاقته . وما ذكره الزيلعي على ما إذا كان تام العقل ، ووفق الشلبي في حاشية الزيلعي بحمل ما هنا على ما إذا لم يكن لإفاقته وقت معلوم ، وما في شرح الزيلعي على ما إذا كان لها وقت معلوم : أي لأنه في الأول لا يتحقق صحوه . أقول : والذي يحل عقدة الإشكال ما قدمناه عن [ ص: 145 ] ابن الكمال فإنه إن أريد بالمغلوب من غلب على عقله : أي الذي لا يعقل أصلا فيراد بالذي يجن ويفيق ناقص العقل وهو المعتوه كما صرح به صاحب الكفاية وغيره حيث قال : والمجنون الذي يجن ويفيق ، وهو المعتوه الذي يصلح وكيلا عن غيره ، وهو قد يعقل البيع ، ويقصده وإن كان لا يرجح المصلحة على المفسدة ا هـ . ومعنى إفاقته على هذا أنه يعقل بعض الأشياء دون بعض ، والمعتوه في تصرفاته كمميز كما مر فلهذا جعله شراح الهداية مثله وإن أريد به من لا يفيق من جنونه الكامل أو الناقص ، فيحترز به عمن يفيق أحيانا أي يزول عنه ما به بالكلية ، وهذا كالعاقل البالغ في تلك الحالة ، وهو محمل كلام الزيلعي ، ومنشأ الاشتباه عدم التفرقة بين الكلامين فاغتنم هذا التحقيق ، وبالله التوفيق . وبه ظهر أنه كان ينبغي للشارح أن يقول : فحكمه كعاقل أي في حال إفاقته كما قاله الزيلعي ليظهر للتقييد بالمغلوب فائدة فإنه حيث كان غير المغلوب كمميز لا يصح طلاقه ولا إعتاقه كالمغلوب ، وأما ما نقله عن النهاية فهو موافق لعبارة الهداية حيث لم يخصص فيها بعض التصرفات بالذكر .

والحاصل أنه يتعين أن يحترز بالمغلوب في عبارة الهداية عن المعتوه وفي عبارة المصنف عن الذي زال ما به بالكلية فتدبر . ( قوله : وإقرارهما ) أي المغلوب والصبي ، والمراد الصبي المحجور ، فلو مأذونا يصح إقراره كالمعتوه والعبد المأذون كما يأتي آخر كتاب المأذون . ( قوله : نظرا لهما ) علة لقوله لا يصح .

التالي السابق


الخدمات العلمية