صفحة جزء
( وشرط كون الذابح مسلما حلالا خارج الحرم إن كان صيدا ) [ ص: 297 ] فصيد الحرم لا تحله الذكاة في الحرم مطلقا ( أو كتابيا ذميا أو حربيا ) إلا إذا سمع منه عند الذبح ذكر المسيح ( فتحل ذبيحتهما ، ولو ) الذابح ( مجنونا أو امرأة أو صبيا يعقل التسمية والذبح ) ويقدر [ ص: 298 ] ( أو أقلف أو أخرس ) ( لا ) تحل ( ذبيحة ) غير كتابي من ( وثني ومجوسي ومرتد ) وجني وجبري لو أبوه سنيا ، [ ص: 299 ]

ولو أبوه جبريا حلت أشباه ، لأنه صار كمرتد قنية ، بخلاف يهودي أو مجوسي تنصر لأنه يقر على ما انتقل إليه عندنا فيعتبر ذلك عند الذبح ; حتى لو تمجس يهودي لا تحل ذكاته ، والمتولد بين مشرك وكتابي ككتابي لأنه أخف


( قوله إن كان صيدا ) قيد لقوله [ ص: 297 ] حلالا ، وقوله خارج الحرم ، واحترز به عن ذبح الشاة ونحوها فتحل من محرم وغيره ولو في الحرم ( قوله فصيد الحرم لا تحله الذكاة في الحرم مطلقا ) أي سواء كان المذكي حلالا أو محرما كما أن المحرم لا يحل الصيد بذكاته في الحل أو الحرم ، وتقييده بقوله في الحرم يفيد أن الحلال لو أخرجه إلى الحرم وذبحه فيه ( صيد الحرم ) يحل . قال ط : والظاهر خلافه ا هـ .

أقول : يؤيده إطلاق الأتقاني حيث قال : وكذا صيد الحرم لا تحل ذبيحته أصلا لا للمحرم ولا للحلال ، ويؤيده أيضا قول الهداية : لأن الذكاة فعل مشروع ، وهذا الصنيع محرم فلم يكن ذكاة ( قوله ذميا أو حربيا ) وكذا عربيا أو تغلبيا ، لأن الشرط قيام الملة هداية ، وكذا الصابئة لأنهم يقرون بعيسى عليه السلام قهستاني .

وفي البدائع : كتابهم الزبور ولعلهم فرق ، وقدم الشارح في الجزية أن السامرة تدخل في اليهود لأنهم يدينون بشريعة موسى عليه السلام ، ويدخل في النصارى الإفرنج والأرمن سائحاني . وفي الحامدية : وهل يشترط في اليهودي أن يكون إسرائيليا وفي النصراني أن لا يعتقد أن المسيح إله ؟ مقتضى إطلاق الهداية وغيرها عدمه ، وبه أفتى الجد في الإسرائيلي ، وشرط في المستصفى لحل مناكحتهم عدم اعتقاد النصراني ذلك . وفي المبسوط : ويجب أن لا يأكلوا ذبائح أهل الكتاب إن اعتقدوا أن المسيح إله وأن عزيرا إله ، ولا يتزوجوا بنسائهم ، لكن في مبسوط شمس الأئمة : وتحل ذبيحة النصارى مطلقا سواء قال ثالث ثلاثة أو لا ، ومقتضى الدلائل الجواز كما ذكره التمرتاشي في فتاواه ، والأولى أن لا يأكل ذبيحتهم ولا يتزوج منهم إلا للضرورة كما حققه الكمال بن الهمام ا هـ .

وفي المعراج أن اشتراط ما ذكر في النصارى مخالف لعامة الروايات ( قوله إلا إذا سمع منه عند الذبح ذكر المسيح ) فلو سمع منه ذكر الله تعالى لكنه عني به المسيح قالوا يؤكل إلا إذا نص فقال باسم الله الذي هو ثالث ثلاثة هندية ، وأفاد أنه يؤكل إذا جاء به مذبوحا عناية ، كما إذا ذبح بالحضور وذكر اسم الله تعالى وحده ( قوله ولو الذابح مجنونا ) كذا في الهداية والمراد به المعتوه كما في العناية عن النهاية لأن المجنون لا قصد له ولا نية ، لأن التسمية شرط بالنص وهي بالقصد وصحة القصد بما ذكرنا ، يعني قوله إذا كان يعقل التسمية والذبيحة ويضبط ا هـ ، ولذا قال في الجوهرة : لا تؤكل ذبيحة الصبي الذي لا يعقل والمجنون والسكران الذي لا يعقل ا هـ شرنبلالية ، لكن في التبيين : ولو سمى ولم تحضره النية صح ا هـ فيفيد أنه لا حاجة إلى التأويل كذا قيل ، وفيه نظر لقول الزيلعي بعده لأن ظاهر حاله يدل على أنه قصد التسمية على الذبيحة ا هـ فإن المجنون المستغرق لا قصد له فتدبر ( قوله يعقل التسمية إلخ ) زاد في الهداية : ويضبط ، وهما قيد لكل المعطوفات السابقة واللاحقة ، إذ الاشتراك أصل في القيود ، كما تقرر قهستاني ، فالضمير فيه للذابح المذكور في قوله وشرط كون الذابح لا للصبي كما وهم .

واختلف في معناه ، ففي العناية قيل يعني يعقل لفظ التسمية ، وقيل يعقل أن حل الذبيحة بالتسمية ويقدر على الذبح ويضبط : أي يعلم شرائط الذبح من فري الأوداج والحلقوم ا هـ .

ونقل أبو السعود عن مناهي الشرنبلالية أن الأول الذي ينبغي العمل به لأن التسمية شرط فيشترط حصوله لا تحصيله ، فلا يتوقف الحل على علم الصبي أن الذبيحة إنما تحل بالتسمية ا هـ وهكذا ظهر لي قبل أن أراه مسطورا ، [ ص: 298 ] ويؤيده ما في الحقائق والبزازية : لو ترك التسمية ذاكرا لها غير عالم بشرطيتها فهو في معنى الناسي ا هـ ( قوله أو أقلف ) هو الذي لم يختن وكذا الأغلف . وذكره احترازا عما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يكره ذبيحته أتقاني ( قوله أو أخرس ) مسلما أو كتابيا ، لأن عجزه عن التسمية لا يمنع صحة ذكاته كصلاته أتقاني ( قوله لا تحل ذبيحة غير كتابي ) وكذا الدروز كما صرح به الحصني من الشافعية ، حتى قال : لا تحل القريشة المعمولة من ذبائحهم وقواعدنا توافقه ، إذ ليس لهم كتاب منزل ولا يؤمنون بنبي مرسل . والكتابي من يؤمن بنبي ويقر بكتاب رملي .

أقول : وفي بلاد الدروز كثير من النصارى ، فإذا جيء بالقريشة أو الجبن من بلادهم لا يحكم بعدم الحل ما لم يعلم أنها معمولة بإنفحة ذبيحة درزي ، وإلا فقد تعمل بغير إنفحة ، وقد يذبح الذبيحة نصراني تأمل ، وسيأتي عن المصنف آخر كتاب الصيد أن العلم بكون الذابح أهلا للذكاة ليس بشرط ، ويأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى ( قوله وجني ) لما في الملتقط { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذبائح الجن } ا هـ أشباه ، والظاهر أن ذلك محله ما لم يتصور بصورة الآدمي ويذبح وإلا فتحل نظرا إلى ظاهر الصورة ويحرر ا هـ ط ( قوله وجبري إلخ ) الظاهر أن صاحب الأشباه أخذه من القنية ، ونص عبارتها بعد أن رقم لبعض المشايخ : وعن أبي علي أنه تحل ذبيحة المجبرة إن كان آباؤهم مجبرة فإنهم كأهل الذمة ، وإن كان آباؤهم من أهل العدل لم تحل لأنهم بمنزلة المرتدين ا هـ ومراده بأبي علي الجبائي رئيس أهل الاعتزال ، وبالمجبرة أهل السنة والجماعة فإنهم يسمون أهل السنة بذلك كما يفصح عنه كلام البيهقي الجشمي منهم في تفسيره ، والمراد بأهل العدل أنفسهم كما علم ذلك في علم الكلام ، فقد غير صاحب الأشباه المجبرة بالجبرية ا هـ منح .

أقول : وأيضا غير أهل العدل بالسني ، فإن المعتزلة لم يتسموا بأهل السنة بل بأهل العدل لقولهم بوجوب الصلاح والأصلح على الله تعالى ، وأنه تعالى لا يخلق الشر لزعمهم الفاسد أن خلاف ذلك ظلم ، تعالى الله عما لا يليق به علوا كبيرا ، لكن تغييره المجبرة بالجبرية لا ضرورة فيه ، لما في تعريفات السيد الشريف : الجبر إسناد فعل العبد إلى الله تعالى . والجبرية اثنتان : متوسطة تثبت للعبد كسبا في الفعل كالأشعرية ، وخالصة لا تثبته كالجهمية ا هـ .

فالجبرية يطلق عليهما لكن الجبرية الخالصة يقولون إن العبد بمنزلة الجمادات ، وأن الله تعالى لا يعلم الشيء قبل وقوعه ، وإن علمه حادث لا في محل ، وأنه سبحانه لا يتصف بما يوصف به غيره كالعلم والقدرة ، وأن الجنة والنار يفنيان . ووافقوا المعتزلة في نفي الرؤية وخلق الكلام كما في المواقف .

والحاصل أنه إن أريد بالجبري من هو من أهل السنة والجماعة وأن ذبيحته لا تحل لو أبوه من أهل العدل كما في القنية ، فهذا الفرع مخرج على عقائد المعتزلة الفاسدة ، وعلى تكفيرهم أهل السنة والجماعة لقولهم بإثبات صفات قديمة له تعالى ، فإن المعتزلة قالوا : إن النصارى كفرت بإثبات قديمين فكيف بإثبات قدماء كثيرة ؟ ورد ذلك موضح في علم الكلام وإن كان المراد به الجهمية ، وأن ذبيحة الجهمي لا تحل لو أبوه سنيا لأنه مرتد فهو مبني على القول بتكفير أهل الأهواء . والراجح عند أكثر الفقهاء والمتكلمين خلافه ، وأنهم فساق عصاة ضلال ويصلى خلفهم وعليهم ويحكم بتوارثهم مع المسلمين منا . قال المحقق ابن الهمام في شرح الهداية : نعم يقع في كلام أهل المذاهب تكفير كثير منهم ولكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم ، ولا عبرة بغير الفقهاء ، والمنقول عن المجتهدين عدم تكفيرهم ا هـ . [ ص: 299 ]

فإذا علمت ذلك ظهر لك أن هذا الفرع إن كان مبنيا على عقائد المعتزلة فهو باطل بلا شبهة وإن كان مبنيا على عقائدنا ، وصاحب الأشباه قاسه على تفريع المعتزلة فإنهم فرضوه فينا وهو فرضه في أمثالهم بقرينة قوله لو سنيا فهو مبني على خلاف الراجح ، وما كان ينبغي ذكره ولا التعويل عليه ، وكيف ينبغي القول بعدم حل ذبيحته مع قولنا بحل ذبيحة اليهود والنصارى القائلين بالثليث ، وانتقاله عن مذهب أبيه السني إلى مذهب الجبرية لم يخرجه عن دين الإسلام لأنه مصدق بنبي مرسل وبكتاب منزل ولم ينتقل إلا بدليل من الكتاب العزيز وإن كان مخطئا فيه ، فكيف يكون أدنى حالا من النصراني المثلث بلا شبهة دليل أصلا بل هو مخالف في ذلك لرسوله وكتابه - { وما أرسلنا قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا } - { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } - وغير ذلك ، والحمد لله على التوفيق ( قوله لأنه صار كمرتد ) علة لعدم الحل

( قوله بخلاف يهودي إلخ ) مرتبط بقوله ومرتد ، وقوله لأنه يقر إلخ هو الفرق بينهما ، فإن المسلم إذا انتقل إلى أي دين كان لا يقر عليه ( قوله فيعتبر ذلك ) أي ما انتقل إليه دون ما كان عليه ، وهذه قاعدة كلية ( قوله لأنه أخف ) لما مر في النكاح أن الولد يتبع أخف الأبوين ضررا . ولا شبهة أن من يؤمن بكتاب وإن نسخ أخف من مشرك يعبد الأوثان ، إذ لا شبهة له يلتجئ إليها في المحاجة ، بخلاف الأول فإنه كان له دين حق قبل نسخه

التالي السابق


الخدمات العلمية