صفحة جزء
( ويحل الصيد بكل ذي ناب ومخلب ) تقدما في الذبائح ( من كلب وباز ونحوهما بشرط قابلية التعليم و ) بشرط ( كونه ليس بنجس العين ) . ثم فرع على ما مهد من الأصل بقوله ( فلا يجوز الصيد بدب وأسد ) لعدم قابليتهما التعليم فإنهما لا يعملان للغير ، الأسد لعلو همته ، والدب لخساسته . وألحق بعضهم بالدب الحدأة لخساستها ( ولا بخنزير ) لنجاسة عينه ، وعليه فلا يجوز بالكلب على القول بنجاسة عينه ، وإلا أن يقال إن النص ورد فيه فتنبه . [ ص: 464 ] وبه يندفع قول القهستاني : إن الكلب نجس العين عند بعضهم ، والخنزير ليس بنجس العين عند أبي حنيفة على ما في التجريد وغيره فتأمل ( بشرط علمهما ) علم ذي ناب ومخلب ( وذا بترك الأكل ) أما الشرب من دم الصيد فلا يضر قهستاني ويأتي ( ثلاثا في الكلب ) ونحوه ( وبالرجوع [ ص: 465 ] إذا دعوته في البازي ) ونحوه ( و ) بشرط ( جرحهما في أي موضع منه ) على الظاهر وبه يفتى ، وعن الثاني يحل بلا جرح ، وبه قال الشافعي ( و ) بشرط ( إرسال مسلم أو كتابي )


( قوله تقدما في الذبائح ) يشير إلى أن المراد ما تقدم ، وهو سبع له ناب أو مخلب يصيد به احترازا عن نحو البعير والحمامة . قال القهستاني : وفيه إشعار بأن ما لا ناب له ولا مخلب لم يحل صيده بلا ذبح لأنه لم يخرج كما في الكرماني ( قوله وباز ) في الصحاح : الباز لغة في البازي الذي يصيد والجمع أبواز وبيزان وجمع البازي بزاة فالأول أجوف ، والثاني ناقص ، فظهر منه لحن قول بعض الفقهاء : البازي بتشديد الياء وتخفيفها كذا في غرر الأفكار : أي حيث جوزوا فيه التشديد مع أنه لم يسمع ( قوله بدب وأسد ) ذكر في النهاية الذئب بدل الدب وكذا في المحيط شرنبلالية ، وذكر في الاختيار الثلاثة ( قوله لعدم قابليتهما التعليم ) حتى لو تصور التعلم منهما وعرف ذلك جاز شرنبلالية عن النهاية ( قوله وعليه إلخ ) هو بحث للمصنف ، أي على أن العلة هي نجاسة عينه كما في الهداية ( قوله فلا يجوز ) الفاء فصيحة : أي وإذا بنينا عدم الجواز في الخنزير على نجاسة عينه فلا يجوز بالكلب بناء على القول بنجاسة عينه أيضا . وذكر في المعراج عن النخعي والحسن البصري وغيرهما أنه لا يجوز بالكلب الأسود البهيم ، لأنه عليه الصلاة والسلام قال " { هو شيطان } " وأمر بقتله ، وما وجب قتله حرم اقتناؤه وتعليمه فلم يبح صيده كغير المعلم . ولنا عموم الآية والأخبار ا هـ ( قوله وإن النص ورد فيه ) وهو { قوله عليه الصلاة والسلام لعدي بن حاتم إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله تعالى فإن أمسك عليك فأدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاة } ، رواه البخاري ومسلم وأحمد [ ص: 464 ] قوله وبه يندفع قول القهستاني ) حيث قال : يحل صيد كل ذي ناب ، كالكلب والفهد والنمر والأسد وابن عرس والدب والخنزير وغيرها بشرط العلم . وعن أبي يوسف أنه يستثنى منه الخنزير لكونه نجس العين ، والأسد والدب لأنهما لا يعملان للغير ، وقد يلحق الحدأة بالدب مضمرات . وفي ظاهر الرواية الشرط قبول التعليم . وما قال السغناقي : إن الأسد والدب لا يتصور فيهما التعليم ، فقد صرح بخلافه في البيع ، والخنزير عند الإمام ليس بنجس العين على ما في التجريد وغيره . على أن الكلب نجس العين عند بعضهم ، وقد حل صيده بالاتفاق ا هـ ملخصا .

وحاصله البحث في استثناء الخنزير والأسد والدب . وفي التعليل : لأن الشرط في ظاهر الرواية قبول التعليم فيحل بكل معلم ولو خنزيرا ، وكونه نجس العين لا يمنع بدليل أن الكلب كذلك عند بعضهم مع أنه لم يقل أحد بعدم حل صيده . ووجه الدفع الذي أفاده الشارح الفاضل أن النص ورد في الكلب وإن قيل بنجاسة عينه فلا يلحق به الخنزير . والحاصل أن هذا الجواب دفع به الشارح شيئين :

الأول ما بحثه المصنف من إلحاق الكلب بالخنزير في عدم حل الصيد بناء على القول بنجاسة عين الكلب ، والثاني ما بحثه القهستاني من إلحاق الخنزير بالكلب في حل الصيد . ووجه الأول أن الكلب وإن قيل بنجاسة عينه ، لكن لما ورد النص فيه بخصوصه وجب اتباعه . ووجه

الثاني أن الخنزير وإن دخل ظاهرا في عموم قوله تعالى - { وما علمتم من الجوارح } - لكنه مستثنى لحرمة الانتفاع بنجس العين ، وما ورد به نص بخصوصه حتى يتبع بل أمرنا باجتنابه ، فلا يصح قياسه على الكلب المنصوص عليه ، ولذا جزم باستثنائه المصنف كالهداية والتبيين والبدائع والاختيار ، هذا تقرير كلام الشارح الفاضل وقد خفي على غير واحد ونسبه بعضهم للغفلة وهو بريء عنها ولله تعالى دره نعم فاته الجواب عن قول القهستاني : والخنزير ليس بنجس العين ، لكن تركه لظهور أن المذهب خلافه ، والتعليل بنجاسة عينه مبني على ما هو المذهب تأمل ( قوله بشرط علمهما ) بدليل الحديث المار ، وقوله تعالى - { مكلبين } - أي معلمين الاصطياد - { تعلمونهن } - تؤدبوهن ، وتمامه في الزيلعي ، والمناسب الإتيان بالواو عطفا على قوله بشرط التعليم ، ثم إن هذا الشرط مغن عن ذلك ( قوله وذا ) أي العلم والباء في بترك للتصوير ط ( قوله بترك الأكل ثلاثا ) أي متواليات قهستاني وهذا عند هما ، وهو رواية عنه لأن فيما دونه مزيد الاحتمال ، فلعله تركه مرة أو مرتين شبعا ، فإذا تركه ثلاثا دل على أنه صار عادة ، وتمامه في الهداية . ونقل ط عن الحموي : أنه لا بد من ترك الأكل مع الجوع لا الشبع فتأمل وعم أكله من الجلد والعظم والجناح والظفر وغيرها كما في قاضي خان وغيره قهستاني .

وعند أبي حنيفة لا بد أن يغلب على ظن الصائد وأنه معلم ولا يقدر بالثلاث ، ومشى في الكنز والنقاية والاصطلاح ومختصر القدوري على اعتبار التقدير بالثلاث ، وظاهر الملتقى ترجيح عدمه . ثم على رواية التقدير عن الإمام يحل ما اصطاده ثالثا ، وعندهما في حل الثالث روايتان . قال في الخلاصة والبزازية : والأصح الحل ( قوله في الكلب ونحوه ) أي من كل ذي ناب ، فشمل نحو الفهد والنمر ، وقوله بالرجوع إذا دعوته في البازي ونحوه أي من كل ذي مخلب . قال في الهداية : لأن بدن البازي لا يحتمل [ ص: 465 ] الضرب وبدن الكلب يحتمل فيضرب ليتركه ، ولأن آية التعليم ترك ما هو مألوفه عادة والبازي متوحش متنفر فكانت الإجابة آية تعليمه . أما الكلب فهو ألوف يعتاد الانتهاب ، فكان آية تعليمه ترك مألوفه وهو الأكل والاستلاب ا هـ . والتعليل الثاني لا يتأتى في الفهد والنمر فإنه متوحش كالبازي مع أن الحكم فيه وفي الكلب سواء ، فالمعتمد هو الأول كفاية عن المبسوط ، ونحوه في العناية والمعراج . وفي التتارخانية عن الكافي : والحكم في الفهد والكلب سواء ا هـ أي لا يشترط فيه إلا ترك الأكل . وفي الاختيار ما يخالفه حيث قال : والفهد ونحوه يحتمل الضرب ، وعادته الافتراس والنفار فيشترط فيه ترك الأكل والإجابة جميعا ، ومثله في الدر وغاية البيان وغيرهما وهو مبني على اعتبار التعليل الثاني .

أقول : ومقتضى اعتماد التعليل الأول ترجيح ما مر فتدبر . [ تنبيه ]

لم يذكر البازي بكم إجابة يصير معلما ؟ فينبغي أن يكون على الاختلاف الذي ذكر في الكلب ، ولو قيل يصير معلما بإجابة واحدة كان له وجه لأن الخوف ينفره بخلاف الكلب زيلعي . قلت : وفي التتارخانية والذخيرة وغيرهما : إذا فر البازي من صاحبه فدعاه فلم يجبه حتى حكم بكونه جاهلا إذا أجاب صاحبه ثلاث مرات بعد ذلك على الولاء يحكم بتعلمه عندهما . وقال قبله عن المحيط . وأما البازي وما بمعناه فترك الأكل في حقه ليس علامة تعلمه بل أن يجيب صاحبه إذا دعاه ، حتى إذا أكل من الصيد يؤكل صيده . قال بعض مشايخنا : هذا إذا أجاب عند الدعوة لإلفه به من غير أن يطمع في اللحم ، أما إذا كان لا يجيب إلا لطمع في اللحم لا يكون معلما ا هـ ومثله في الظهيرية ( قوله إذا دعوته ) أي دعوت الجارح المعلوم من المقام ( قوله وبشرط جرحهما ) أي ذي الناب والمخلب ( قوله على الظاهر ) أي ظاهر الرواية في البدائع الاصطياد بذي ناب أو مخلب كالبازي والشاهين لا يحل ما لم يجرح في ظاهر الرواية . وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يحل . زاد في العناية والمعراج وغيرهما والفتوى على ظاهر الرواية .

أقول : وهو ظاهر إطلاق ما في المتون . فما في القهستاني عن النظم من أن البازي والصقر : لو قتلاه خنقا حل بالاتفاق مشكل . وما في الخانية من قوله : ولو أرسل الكلب فأصاب الصيد وكسر عنقه ولم يجرحه أو جثم عليه : أي جلس على صدره وخنقه لا يؤكل . وعن أبي يوسف : لا يشترط الجرح ، والبازي إذا قتل الصيد حل وإن لم يجرح ا هـ . قال : بعضهم : وهو على خلاف ظاهر الرواية .

أقول : يؤيده أنه ذكره بعد قوله وعن أبي يوسف ، فما في القهستاني من حمله كلام الخانية على ما في النظم ورده قول ذلك البعض فيه نظر ، لما علمت من مخالفة ما في النظم لظاهر الرواية المفتى به تأمل . وذكر القهستاني أن الإدماء ليس بشرط ، ومنهم من شرطه إن كانت الجراحة صغيرة ، وفيه كلام سيأتي ( قوله وبشرط إرسال مسلم أو كتابي ) سيأتي محترزه وهو المجوسي والوثني والمرتد ، فلو انفلت من صاحبه فأخذ صيدا فقتله لم يؤكل ، كما لو لم يعلم بأنه أرسله أحد لأنه لم يقطع بوجود الشرط قهستاني وسيأتي

التالي السابق


الخدمات العلمية