صفحة جزء
باب ما يحدثه الرجل في الطريق وغيره

لما ذكر القتل مباشرة فيه تسببا فقال ( أخرج إلى طريق العامة كنيفا ) هو بيت الخلاء ( أو ميزابا أو جرصنا كبرج وجذع وممر علو وحوض طاقة ونحوها عيني أو دكانا جاز ) إحداثه ( وإن لم يضر بالعامة ) ولم يمنع منه ، فإن ضر لم يحل كما سيجيء ( ولكل أحد من أهل الخصومة ) ولو ذميا ( منعه ) ابتداء ( ومطالبته بنقضه ) [ ص: 593 ] ورفعه ( بعده ) أي بعد البناء ، سواء كان فيه ضرر أو لا وقيل إنما ينقص بخصومته إذا لم يكن له مثل ذلك وإلا كان تعنتا زيلعي ( هذا ) كله ( إذا بنى لنفسه بغير إذن الإمام ) زاد الصفار ولم يكن للمطالب مثله ( وإن بنى للمسلمين كمسجد ونحوه ) أو بنى بإذن الإمام ( لا ) ينتقض ( وإن كان يضر بالعامة لا يجوز إحداثه ) لقوله عليه الصلاة والسلام { لا ضرر ولا ضرار في الإسلام } ( والقعود في الطريق لبيع وشراء ) يجوز إن لم يضر بأحد وإلا لا ( على هذا التفصيل ) السابق وهذا في النافذ ( وفي غير النافذ لا يجوز أن يتصرف بإحداث مطلقا ) أضر بهم أو لا [ ص: 594 ] ( إلا بإذنهم ) لأنه كالملك الخاص بهم ثم الأصل فيما جهل حاله أن يجعل حديثا لو في طريق العامة وقديما لو في طريق الخاصة برجندي ( فإن مات أحد ) من الناس ( بسقوطها عليه فديته على عاقلته ) أي عاقلة المخرج لتسببه ( كما ) تدي العاقلة .


باب ما يحدثه الرجل في الطريق وغيره

( قوله إلى طريق العامة ) أي النافذة الواقعة في الأمصار والقرى دون الطريق في المفاوز والصحاري ; لأنه يمكن العدول عنها غالبا كما في الزاهدي ، وطريق العامة ما لا يحصى قومه ، أو ما تركه للمرور قوم بنوا دورا في أرض غير مملوكة فهي باقية على ملك العامة وهذا مختار شيخ الإسلام والأول مختار الإمام الحلواني كما في العمادي قهستاني ( قوله أو جرصنا ) بضم الجيم وسكون الراء وضم الصاد المهملة وهو دخيل أي ليس بعربي أصلي فقد اختلف فيه فقيل البرج وقيل مجرى ماء يركب في الحائط . وعن الإمام البزدوي جذع يخرجه الإنسان من الحائط ليبني عليه مغرب . قال العيني : وقيل هو الممر على العلو وهو مثل الرف ، وقيل هو الخشبة الموضوعة على جدار السطحين ليتمكن من المرور وقيل هو الذي يعمل قدام الطاقة لتوضع عليه كيزان ونحوها ا هـ ( قوله كبرج إلخ ) حكاية للأقوال المارة في تفسير الجرصن ( قوله ونحوها ) هو في عبارة العيني بمعنى نحو الكيزان ( قوله أو دكانا ) هو الموضع المرتفع مثل المصطبة عيني ( قوله فإن ضر لم يحل ) كان عليه أن يقول فإن ضر أو منع لم يحل ا هـ .

وفي القهستاني : ويحل له الانتفاع بها وإن منع عنه كما في الكرماني ، وقال الطحاوي : إنه لو منع عنه لا يباح له الإحداث ويأثم بالانتفاع والترك كما في الذخيرة ( قوله من أهل الخصومة ) هو الحر البالغ العاقل بخلاف العبيد والصبيان المحجورين ، وأفاد في الدرر المنتقى أن لهم ذلك بالإذن ( قوله ولو ذميا ) ; لأن له حقا في الطريق كفاية . وعبارة التتارخانية : ويدخل [ ص: 593 ] فيه الكافر خصوصا إذا كان ذميا ا هـ فتنبه ( قوله سواء كان فيه ضرر أو لا ) هذا هو الصحيح من مذهب الإمام وقال محمد : له المنع لا الرفع ، وقال أبو يوسف لا ولا ، وهذا إذا علم إحداثه فلو لم يعلم جعل حديثا فللإمام نقضه وعن أبي يوسف إنما ينقضه إن ضر بهم در منتقى ( قوله وقيل إلخ ) قائله إسماعيل الصفار كما في الزيلعي ( قوله وإلا كان تعنتا ) ; لأنه لو أراد إزالة الضرر عن الناس لبدأ بنفسه كفاية ( قوله بغير إذن الإمام ) فإن أذن فليس لأحد أن يلزمه وأن ينازعه ، لكن لا ينبغي للإمام أن يأذن به إذا ضر بالناس بأن كان الطريق ضيقا ، ولو رأى المصلحة مع ذلك وأذن جاز ا هـ حموي عن مسكين وفي الشمني أنه مع الضرر لا يجوز بلا خلاف أذن الإمام أو لم يأذن ا هـ ط ولعل المراد يأثم به ، وإن لم يكن لأحد منازعته ; لأن منازعة ما يوضع بإذن الإمام افتيات على الإمام ، فلا يخالف ما قبله تأمل .

( قوله زاد الصفار إلخ ) هو القيل المتقدم المفصل ، فلا وجه لإعادته وظاهر كلامهم اعتماد الإطلاق لحكايتهم ، هذا القول منسوبا إلى الكفار به بعد حكاية الحكم أولا مطلقا ، فكأنه قول الجميع ، والوجه : أن النهي عن المنكر لا يتقيد بكون الناهي متباعدا عن هذا المنكر كما سبق في الحظر ط .

أقول : هذا الوجه إنما يظهر لو كان فيه ضرر ; لأنه حينئذ منكر فتدبر ( قوله وإن بنى للمسلمين ) أي ولم يضر بهم كما في القهستاني ( قوله أو بنى بإذن الإمام ) ظاهره أنه لو بنى بإذنه ، فليس لأحد منازعته ، وإن ضر وقدمناه صريحا عن مسكين ، ويدل عليه ما سيأتي من عدم الضمان لو بإذن الإمام ، وفي الكفاية وغيرها قال أبو حنيفة : لكل أحد من عرض الناس أن يمنعه من الوضع ، وأن يكلفه الرفع بعد الوضع ، سواء كان فيه ضرر أو لا إذا وضع بغير إذن الإمام ; لأن التدبير فيما يكون للعامة إلى الإمام لتسكين الفتنة فالذي وضع بغير إذنه يفتات على رأي الإمام فيه فلكل أحد أن ينكره عليه ا هـ والافتيات السبق صحاح فافهم ( قوله وإن كان يضر ) مقابل قوله جاز إن لم يضر ( قوله لا ضرر ولا ضرار ) أي لا يضر الرجل أخاه ابتداء ولا جزاء ; لأن الضرر بمعنى الضر ، ويكون من واحد والضرار من اثنين بمعنى المضارة ، وهو أن تضر من ضرك مغرب ، والضرر في الجزاء هو أن يتعدى المجازي عن قدر حقه في القصاص وغيره كفاية ( قوله والقعود ) وكذا الغرس قهستاني ( قوله يجوز إن لم يضر بأحد ) الأنسب في التعبير أن يضع هذه الجملة بعد قوله على هذا التفصيل ط ( قوله وفي غير النافذ إلخ ) المراد بغير النافذة المملوكة ، وليس ذلك بعلة الملك فقد تنفذ : وهي مملوكة وقد يسد منفذها : وهي للعامة لكن ذلك دليل على الملك غالبا فأقيم مقامه ووجب العمل به حتى يدل الدليل على خلافه كفاية عن الجامع الصغير لفخر الإسلام ( قوله لا يجوز أن يتصرف بإحداث ) أقول في الخانية قال أبو حنيفة : الطريق لو كان غير نافذ فلأصحابه أن يضعوا فيه الخشبة ، ويربطوا فيه الدواب ، ويتوضئوا فيه فلو عطب أحد لا يضمن ، وإن بنى أو حفر بئرا ضمن ا هـ .

وفي الجامع الفصولين : أراد أن يتخذ طينا فيه لو ترك من الطريق قدر المرور ، ويتخذ في الأحايين مرة ويرفعه سريعا فله ذلك ، ولكل إمساك الدواب على باب داره ; لأن السكة التي لا تنفذ كدار مشتركة ، ولكل من الشركاء أن يسكن في بعض الدار لا أن يبني فيها وإمساك الدواب في بلادنا من السكنى ا هـ . [ ص: 594 ] وفي التتارخانية : إن فعل في غير النافذة ما ليس من جملة السكنى لا يضمن حصة نفسه ويضمن حصة شركائه ، وإن من جملة السكنى فالقياس كذلك والاستحسان لا يضمن شيئا ا هـ ومثله في الكفاية أقول : وبه ظهر أن المراد لا يجوز إحداث شيء مما مر كالميزاب والدكان ونحو ذلك مما يبقى كما أفاده السائحاني ( قوله إلا بإذنهم ) أي كلهم حتى المشتري من أحدهم بعد الإذن لما في الخانية رجل أحدث بناء أو غرفة على سكة غير نافذة ، ورضي بها أهل السكة فجاء رجل من غير أهلها واشترى دارا منها كان للمشتري أن يأمر صاحب الغرفة برفعها ا هـ سائحاني ( قوله لأنه كالملك ) الأولى لأنه ملك بلا تشبيه كما فعل في الهداية ودل عليه ما قدمناه عن الجامع ( قوله ثم الأصل إلخ ) فائدته أن الحديث للإمام نقضه والقديم لا ينقضه أحد كما في القهستاني قال السائحاني : فإن بر هنا فبينة القدم في البناء تقدم وفي الكافي بينة الحدوث فعلها في غير البناء كمسيل واستطراق وقال الشيخ خير الدين عن الصغرى : يجعل أقصى الوقت الذي تحفظه الناس حد القديم وهذا في غاية الحسن ا هـ ( قوله فديته على عاقلته ) وكذا لو جرحه إن بلغ أرشه أرش الموضحة وإن كان دونه ففي ماله كفاية وأشعر بأنه لا تجب الكفارة ، ولا يحرم من الميراث كما في الذخيرة قهستاني

التالي السابق


الخدمات العلمية