صفحة جزء
باب القسامة هي لغة بمعنى القسم وهو اليمين مطلقا وشرعا : اليمين بالله تعالى [ ص: 626 ] بسبب مخصوص وعدد مخصوص على شخص مخصوص على وجه مخصوص وسيأتي بيانه .

( ميت ) حر ولو ذميا أو مجنونا شرنبلالية ( به جرح أو أثر ضرب أو خنق أو خروج دم من أذنه أو عينه وجد في محلة أو ) وجد ( بدنه أو أكثره ) من أي جانب كان ( أو نصفه ثم مع رأسه ) والنص وإن ورد في البدن لكن للأكثر حكم الكل حتى لو وجد أقل من نصفه ولو مع رأسه لا يؤدي لتكرار القسامة في قتيل واحد وهو غير مشروع ( ولم يعلم قاتله ) إذ لو علم كان هو الخصم وسقط القسامة ( وادعى وليه القتل على أهلها ) أي المحلة كلهم ( أو ) ادعى على ( بعضهم [ ص: 627 ] حلف خمسون رجلا منهم يختارهم الولي بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا ) بأن يحلف كل منهم بالله ما قتلت ولا علمت له قاتلا ( لا يحلف الولي ) وقال الشافعي : إن كان ثمة لوث استحلف الأولياء خمسين يمينا أن أهل المحلة قتلوه ثم يقضى بالدية على المدعى عليه وقضى مالك بالقود لو الدعوى بالعمد ( ثم قضى على أهلها بالدية ) لا مطلقا بل ( إن وقعت الدعوى بقتل عمد وإن ) وقعت الدعوى ( بخطأ فعلى ) أي فيقضى بالدية على ( عواقلهم ) كما في شرح المجمع معزيا للذخيرة والخانية .

ونقل ابن الكمال عن المبسوط أن في ظاهر الرواية القسامة على أهل المحلة والدية على عواقلهم

[ ص: 628 ] أي في ثلاث سنين وكذا قيمة القن تؤخذ في ثلاث سنين شرنبلالية ( وإن لم يتم العدد كرر الحلف عليهم ليتم خمسين يمينا وإن تم ) العدد ( وأراد الولي تكراره لا ، ومن نكل منهم حبس حتى يحلف على الوجه المذكور هنا ) هذا في دعوى القتل العمد أما في الخطأ فيقضى بالدية على عاقلتهم ولا يحبسون ابن كمال معزيا للخانية .


باب القسامة

لما كان أمر القتيل في بعض الأحوال يئول إلى القسامة ، ذكرها في آخر الديات في باب على حدة عناية ( قوله وهي لغة بمعنى القسم ) قال العلامة نوح : اختلف أهل اللغة في القسامة قال بعضهم : إنها مصدر واختاره ابن الأثير في نهايته حيث قال : القسامة بفتح اليمين كالقسم ، ثم قال : وقد أقسم قسما وقسامة إذا حلف ، وقال بعضهم : إنها اسم مصدر واختاره المطرزي في المغرب ، حيث قال : القسم اليمين يقال أقسم بالله إقساما ، وقولهم حكم القاضي بالقسامة اسم منه وضع موضع الأقسام ، واختار العيني في شرح الكنز الأول ، واختار منلا مسكين الثاني ا هـ ط [ ص: 626 ] قوله بسبب مخصوص ) وهو وجود القتيل في المحلة أو ما في معناها مما هو ملك لأحد أو في يد أحد ( قوله وعدد مخصوص ) وهو خمسون يمينا ( قوله على شخص مخصوص ) أي مخصوص النوع وهو الرجل الحر البالغ العاقل أو المالك المكلف ولو امرأة ، الحر ولو يدا كمكاتب إذا وجد القتيل في محل مملوك له ، وهذا إشارة إلى بعض الشروط ( قوله على وجه مخصوص ) إشارة إلى ما في الشروط منها كون العدد خمسين وتكرار اليمين إن لم يتم العدد وقولهم فيها بالله ما قلناه ، ولا علمنا له قاتلا وكونها بعد الدعوى والإنكار بعد طلبها إذ لا تجب اليمين بدون ذلك ، وكون الميت من بني آدم ووجود أثر القتل فيه وأن لا يعلم قاتله ، فقد تضمن ما ذكره بيان معنى القسامة وسببها وشرطها

قال في المنح : وركنها إجراء اليمين المذكورة على لسانه ، وحكمها : القضاء بوجوب الدية إن حلفوا والحبس إلى الحلف إن أبوا إن ادعى الولي العمد وبالدية عند النكول ، إن ادعى خطأ ومحاسها خطر الدماء وصيانتها عن الإهدار وخلاص المتهم بالقتل عن القصاص ، ودليل شرعيتها الأحاديث الواردة في الباب المذكورة في الهداية وشروحها ( قوله ميت ) أي ولو حكما بأن وجد جريحا في محلة ، فنقل منها ذا فراش ، حتى مات من الجراحة فإن القسامة والدية على أهلها كما سيأتي متنا ( قوله حر ) أما العبد ففيه القسامة والقيمة إذا وجد في غير ملك سيده ، وكذا المدبر وأم الولد والمكاتب والمأذون المديون ، ولو في ملكه فهدر إلا في المكاتب والمأذون المديون ففيهما القيمة على المولى ، لا على عاقلته حالة للغرماء في المأذون ، وفي ثلاث سنين في المكاتب كما في الشرنبلالي عن البدائع ، وسيأتي في الفروع آخر الباب ( قوله ولو ذميا أو مجنونا ) دخل فيه الذكر والأنثى والكبير والصغير ، وخرج البهائم ، فلا شيء فيها كما سياتي ( قوله به جرح إلخ ) سيأتي محترزا متنا ( قوله في محلة ) بالفتح المكان الذي ينزله القوم ط عن المصباح .

( قوله أو نصفه مع رأسه ) ولو مشقوقا بالطول منح أي ومعه الرأس ، وأما إذا شق طولا بدونه أو شق الرأس معه ، فلا قسامة وهو الذي ذكره المصنف بعد في متنه ط ( قوله حتى لو وجد إلخ ) والأصل أن الموجود إن كان بحال لو وجد الباقي تجري فيه القسامة لا تجب في الموجود ، وإن كان بحال لو وجد الباقي لا تجب فيه القسامة تجب ، وصلاة الجنازة في هذا الباب تنسحب على هذا الأصل هداية ( قوله لئلا يؤدي لتكرار القسامة إلخ ) أي والدية بأن وجد الأقل من بدنه مع رأسه في محل ، والباقي في محل آخر فإنه إذا وجبت القسامة ، والدية في الأقل لزم وجوبهما في الأكثر أيضا ( قوله إذ لو علم ) أي بالبينة أو الإقرار قهستاني أي إقرار القاتل ، ولا بد أن تكون البينة من غير أهل المحلة كما سيأتي متنا ويأتي تمام الكلام عليه ( قوله وادعى وليه إلخ ) أشار إلى أن من شروطها الدعوى من أولياء القتيل ، إذ اليمين لا تجب بدونها كما في الطوري ، وقدمناه وانظر ما الحكم إذا لم يكن له ولي هل يدعيها الإمام أم لا ، ثم رأيت منقولا عن شرح الحموي أنه توقف في التخير الآتي ، حيث الأولى هل يتخير الإمام الخمسين أم لا وقال فليرجع .

( قوله أو ادعى على بعضهم ) ولو معينا ما لو ادعى [ ص: 627 ] على واحد من غيرهم ، فإنها تسقط عنهم كما يأتي متنا ( قوله حلف خمسون رجلا منهم إلخ ) خرج الصبي والمرأة والعبد كما مر ، ويأتي وهذا إن طلب الولي التحليف كما قدمناه فله تركه وبه صرح الرملي ، وإذا تركه فهل يقضى له بالدية أم لا ، لأنه لو حلفهم أمكن ظهور القاتل لم أره فليراجع وقال الزيلعي : وقوله يختارهم الولي ، نص على أن الخيار للمولى لأن اليمين حقه ، والظاهر أنه يختار من يتهمه بالقتل ، أو أهل الخبرة بذلك أو صالحي أهل المحلة لما أن تحرزهم عن اليمين الكاذبة أبلغ فيظهر القاتل ، ولو اختار أعمى أو محدودا في قذف جاز لأنها يمين وليست بشهادة ا هـ ( قوله بأن يحلف إلخ ) فهو من قبيل تقابل الجمع بالجمع قهستاني ، فيحلف كل واحد على نفي قتله ، ونفي علمه لاحتمال أنه قتله وحده ، فيتجرأ على يمينه بالله ما قتلناه يعني جميعا ، ولا يعكس لأنه إذا قتله مع غيره كان قاتلا وفائدة قوله : ولا علمنا له قاتلا مع أن شهادة أهل المحلة بالقتل على واحد منهم ، أو على غيرهم مردودة أن يقر الحالف على عبده فيقبل إقراره أو يقر على غيره من غير أهل المحلة فيصدقه ولي المقتول ، فيسقط الحكم عن أهل المحلة منح ملخصا وسيأتي أنه لو كان أحدهم قال : قتله زيد يقول في حلفه ولا علمت له قاتلا غير زيد .

( قوله وقال الشافعي إلخ ) اللوث أن يكون علامة القتل على واحد بعينه أو ظاهر يشهد للمدعي من عداوة ظاهرة أو يشهد عدل أو جماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه .

وحاصل مذهبه : أنه إن وجد ظاهر يشهد للمدعي فإن حلف أنهم قتلوه خطأ فله الدية عليهم ، أو عمدا فالقصاص في قول ، والدية في قول ، فإن نكل عن اليمين حلفوا ، فإن حلفوا لا شيء عليهم ; وإلا فعليهم القصاص في قول والدية في قول ، وإن لم يكن الظاهر شاهدا للمدعي ، حلف أهل المحلة على ما قلنا ، فحيث لا لوث فقوله كقولنا والاختلاف في موضعين : أحدهما : أن المدعي لا يحلف عندنا ، وعنده يحلف ، والثاني : براءة أهل المحلة في اليمين ا هـ من الكفاية وغيرها وبيان الأدلة في المطولات واللوث بفتح اللام ، وسكون الواو والثاء المثلثة كما ضبطه ابن الملقن في لغات المنهاج ( قوله وقضى مالك بالقود ) أي على واحد يختاره المدعي للقتل من بين المدعى عليهم غرر الأفكار ( قوله كما في شرح المجمع ) وكذا في غرر الأفكار الشرنبلالية عن البرهان معزيا للذخيرة والخانية أيضا ( قوله ونقل ابن الكمال إلخ ) استدراك على ما تقدم ، فإن ابن الكمال لم يفصل بين العمد والخطأ بل قال ثم قضي على أهلها بديته وتتحملها العاقلة ، لأنه ذكر في المبسوط إلخ ، ثم فرق ابن الكمال بين العمد والخطأ في المسألة الآتية كما سيذكره الشارح عنه ، فدل على أنه أراد الإطلاق هنا ، وكذا أطلق شراح الهداية وجوبها على العاقلة .

وقال في النهاية وغيرها : وفي المبسوط ثم يقضى بالدية على عاقلة أهل المحلة في ثلاث سنين ، لأن حالهم هنا دون حال من باشر القتل خطأ وإذا كانت الدية هناك على عاقلته في ثلاث سنين ، فهاهنا أولى ، وفي ظاهر الرواية القسامة على أهل المحلة والدية على عواقلهم وعلى قول زفر كلاهما على العاقلة ا هـ ملخصا [ ص: 628 ]

قلت : ووجه الأولوية أن الموجود هنا مجرد دعوى إذ لم يثبت أن أهل المحلة قتلوه ; فهو أدنى حالا من حال من باشر القتل الخطأ عيانا فتتحمله العاقلة بالأولى ، وإن كانت الدعوى بقتل العمد لما قلنا من عدم الثبوت ; فلا ينافي أن العواقل لا تعقل العمد هذا ما ظهر لفهمي القاصر ، هذا وعبارات المتون مطلقة في أن القسامة والدية على أهل المحلة ; فلا بد من تخصيصها بدعوى العمد كما فعل المصنف أو تقدير مضاف : أي على عاقلتهم كما فعل شراح الهداية ، ولا يخفى أن القاتل كواحد من العاقلة ، فيتحمل معهم كما سيأتي في محله ، فكذا هنا ولذا قال في البزازية عن شيخ الإسلام أن القسامة عليهم والدية على عاقلتهم وعليهم ، لأن أهل المحلة قتلوا حكما فيكون كما لو قتلوا حقيقة ( قوله أي في ثلاث سنين ) أتى بلفظ أي لأن ابن كمال لم يذكره ، لكنه مذكور في المبسوط ( قوله وكذا قيمة القن ) أي إذا وجد في غير ملك سيده كما قدمناه ويأتي ( قوله وإن أراد الولي تكراره ) أي على بعضهم كأن اختار الصلحاء منهم مثلا ولا يتمون خمسين لا يكرر عليهم ، بل يختار تمام الخمسين من الباقين أفاده الأتقاني ( قوله حتى يحلف ) أي أو يقر فيلزمه ما أقر به ، وإنما لم يحكم بمجرد النكول ، لأن اليمين هنا نفس الحق تعظيما لأمر الدم لا بدلا عن الدية ، ولذا يجمع بينهما بخلاف اليمين في دعوى المال لأنها بدل عنه ولذا تسقط بالأداء أتقاني ملخصا . وهذا إذا لم يدع على معين من غير أهل المحلة وإلا فسيأتي حكمه ( قوله على الوجه المذكور هنا ) وهو بالله ما قتله إلخ ( قوله هذا ) أي الحبس بالنكول ( قوله أما في الخطأ إلخ ) أي لأن موجبه المال ، فيقضى به عند النكول ، وهذا مخالف لمقتضى التعليل الذي ذكرناه قريبا تأمل ( قوله معزيا للخانية ) أقول : هذا مذكور في الذخيرة ، وذكر عبارتها في المنح وعزاه القهستاني إلى المجتبى والكرماني وغيرهما ، وأما الذي رأيته في الخانية فهو قوله : فإن امتنعوا عن اليمين حبسوا حتى يحلفوا ا هـ ولم يفرق بين العمد والخطأ وهو ظاهر المتون

التالي السابق


الخدمات العلمية