صفحة جزء
باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها عقب العارض الاضطراري بالاختياري ( يفسدها التكلم ) هو النطق بحرفين أو حرف مفهم : كع وق أمرا [ ص: 614 ] ولو استعطف كلبا أو هرة أو ساق حمارا لا تفسد لأنه صوت لا هجاء له ( عمده وسهوه قبل قعوده قدر التشهد سيان ) وسواء كان ناسيا أو نائما أو جاهلا أو مخطئا أو مكرها [ ص: 615 ] هو المختار ، وحديث " { رفع عن أمتي الخطأ } " محمول على رفع الإثم وحديث ذي اليدين منسوخ بحديث مسلم { إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس } ( إلا السلام ساهيا ) للتحليل : أي للخروج من الصلاة ( قبل إتمامها على ظن إكمالها ) فلا يفسد ( بخلاف السلام على إنسان ) للتحية ، أو على ظن أنها ترويحة مثلا ، أو سلم قائما في غير جنازة ( فإنه يفسدها ) مطلقا ، وإن لم يقل عليكم ( ولو ساهيا ) فسلام التحية مفسد مطلقا ، وسلام التحليل إن عمدا


باب ما يفسد الصلاة ، وما ويكره فيها

الفساد والبطلان في العبادات سواء لأن المراد بهما خروج العبادة عن كونها عبادة بسبب فوات بعض الفرائض ، وعبروا عما يفوت الوصف مع بقاء الفرائض من الشروط والأركان بالكراهة ، بخلاف المعاملات على ما عرف في الأصول شرح المنية ( قوله عقب العارض إلخ ) أي إن المفسدات عوارض على الصحة ، لكن منها اضطراري كسبق الحدث المذكور في الباب السابق ، ومنها اختياري كالتكلم ونحوه مما يأتي هنا ، فلذا عقب أحدهما بالآخر ، ولم يبين وجه تقديم الأول على الثاني ; وبينه في النهر بأن الاضطرار أعرف في العارضية أي إنه الأصل في العروض أفاده ح ( قوله يفسدها التكلم ) أي يفسد الصلاة ، ومثلها سجود السهو والتلاوة والشكر على القول ط عن الحموي ( قوله هو النطق بحرفين إلخ ) أي أدنى ما يقع اسم الكلام عليه المركب من حرفين كما [ ص: 614 ] في القهستاني عن الجلابي . وقال في البحر وفي المحيط : والنفخ المسموع المهجى مفسد عندهما ، خلافا لأبي يوسف . لهما أن الكلام اسم لحروف منظومة مسموعة من مخرج الكلام لأن الإفهام بهذا يقع ، وأدنى ما يقع به انتظام الحروف حرفان انتهى . وينبغي أن يقال إن أدناه حرفان أو حرف مفهم ك ع أمرا ، وكذا ق ، فإن فساد الصلاة بهما ظاهر ا هـ .

أقول : وقد يقال : إن نحو ع ، وق أمر منتظم من حروف تقديرا غير أنها حذفت لأسباب صناعية ، فهو داخل في تعريف الكلام المذكور بل هو كلام نحوي ، ولعل الشارح جزم به لذلك ; ولم ينبه على أنه بحث لصاحب البحر فتدبر . وقد ظهر من هذا أن الحرف الواحد المهمل لا يسمى كلاما ، فلا يدخل في قول الهندية والزيلعي أن الكلام مفسد قليلا كان أو كثيرا ، كما لا يخفى فافهم ( قوله ولو استعطف كلبا إلخ ) أي بما ليس له حروف مهجاة كما صرح به في الفتاوى الهندية ، ويشير إليه تعليل الشارح بقوله لأنه صوت لا هجاء له . ا هـ . ح ، لكن في الجوهرة أن الكلام المفسد ما يعرف في متفاهم الناس ، سواء حصلت به حروف أم لا ، حتى لو قال ما يساق به الحمار فسدت . ا هـ . وذكر الزيلعي فيه خلافا حيث قال عند قول الكنز والتنحنح بلا عذر . ولو نفخ في الصلاة ، فإن كان مسموعا تبطل وإلا فلا ، والمسموع ما له حروف مهجاة عند بعضهم نحو أف وتف ، وغير المسموع بخلافه ، وإليه مال الحلواني : وبعضهم لا يشترط للنفخ المسموع أن يكون له حروف مهجاة ، وإليه ذهب خواهر زاده . وعلى هذا إذا نفر طيرا أو غيره أو دعاه بما هو مسموع ا هـ لكن ما مر من تعريف الكلام عندهما يؤيد أن المسموع ما له حروف مهجاة ، وبه جزم في البدائع والفيض وشرح المنية والخلاصة ، نعم استشكل الشرنبلالي عدم الفساد بما يساق به الحمار بأنه يصدق عليه تعريف العمل الكثير الآتي ( قوله عمده وسهوه إلخ ) يفيد أن بينهما فرقا بعد القعود مع أنهما سيان أيضا في أنهما لا يفسدان الصلاة ; ولو أسقط قوله سيان فيكون عمده وسهوه بدلا من التكلم لسلم من هذا ح ( قوله أو ناسيا ) أي بأن قصد كلام الناس ناسيا أنه في الصلاة نهر . مطلب في الفرق بين السهو والنسيان

واختلف في الفرق بين السهو والنسيان ، ففي شرح التحرير لابن أمير حاج : ذهب الفقهاء والأصوليون وأهل اللغة إلى عدم الفرق . وفرق الحكماء بأن السهو زوال الصورة عن المدركة مع بقائها في الحافظة ، والنسيان زوالها عنهما معا ، فيحتاج في حصولها إلى سبب جديد . وقيل النسيان عدم ذكر ما كان مذكورا . والسهو غفلة عما كان مذكورا أو ما لم يكن ، فالنسيان أخص منه مطلقا . ا هـ . ( قوله أو نائما ) هذه إحدى المسائل التي جعلوا فيها النائم في حكم اليقظان ، وهي خمس وعشرون ذكرها الشارح في شرحه على الملتقى نظما ( قوله أو جاهلا ) بأن لم يعلم أن التكلم مفسد ح ( قوله أو مخطئا ) بأن أراد قراءة أو ذكرا فجرى على لسانه كلام الناس ويأتي بيانه في مسألة زلة القارئ ( قوله أو مكرها ) أي بأن أكرهه أحد عليه ، ولم يقل أو مضطرا كما لو غلبه سعال أو عطاس أو جشاء لأنه غير مفسد لتعذر الاحتراز عنه .

قال في البحر : ودخل في التكلم المذكور قراءة التوراة والإنجيل والزبور فإنه يفسد كما في المجتبى ، وقال في الأصل لم يجزه . وعن الثاني : إن أشبه التسبيح جاز ا هـ . قال في النهر [ ص: 615 ] وأقول : يجب حمل ما في المجتبى على المبدل منها إن لم يكن ذكرا أو تنزيها ، وقد سبق أن غير المبدل يحرم على الجنب قراءته ا هـ ( قوله هو المختار ) راجع إلى التعميم المذكور ، لكن لا بالنسبة إلى جميع أفراده بل إلى قوله أو نائما ، فإن فيه خلافا عندنا ، قال في النهر : وبالفساد به قال كثير من المشايخ ، وهو المختار خلافا لما اختاره فخر الإسلام . ا هـ . وأما بقية المسائل فلم أر من ذكر فيها خلافا عندنا ، بل فيها خلاف غيرنا ( قوله { رفع عن أمتي الخطأ } ) قال في الفتح : ولم يوجد بهذا اللفظ في شيء من كتب الحديث ، بل الموجود فيها " { إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } " رواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم ، وقال صحيح على شرطهما ح .

( قوله على رفع الإثم ) وهو الحكم الأخروي ، فلا يراد الدنيوي وهو الفساد لئلا يلزم تعميم المقتضى ح عن البحر ( قوله وحديث ذي اليدين ) اسمه الخرباق ، وكان في يديه أو إحداهما طول ، ولفظه " { أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ قال : لم أنس ولم تقصر ، قال : بل نسيت يا رسول الله ، فأقبل على القوم ، فقال : أصدق ذو اليدين ؟ فأومئوا أي نعم } زيلعي ط ( قوله منسوخ بحديث مسلم إلخ ) هو ما أخرجه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي قال { بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم ، فقلت له : يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أماه ، ما شأنكم تنظرون إلي ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتوني سكت ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاني ، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه ، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ، قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن } " كذا في الفتح وشرح المنية ، ومنع النسخ بأن حديث ذي اليدين رواه أبو هريرة وهو متأخر الإسلام . وأجيب بجواز أن يرويه عن غيره ولم يكن حاضرا ، وتمامه في الزيلعي .

قال في البحر وهو غير صحيح ، لما في صحيح مسلم عنه " بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " وساق الواقعة ، وهو صريح في حضوره ، ولم أر عنه جوابا شافيا . ا هـ . أقول : أظن أن صاحب البحر اشتبه عليه حديث ذي اليدين مع حديث معاوية بن الحكم الذي نقلناه عن صحيح مسلم فليراجع ( قوله ساهيا ) يغني عنه قوله على ظن إكمالها ( قوله أو على ظن ) معطوف على قوله على إنسان فافهم ( قوله إنها ترويحة مثلا ) أي بأن كان يصلي العشاء فظن أنها التراويح ; ومثله ما لو صلى ركعتين من الظهر فسلم على ظن أنه مسافر أو أنها جمعة أو فجر ( قوله أو سلم قائما ) أي على ظن أنه أتم الصلاة بحر ( قوله فإنه يفسدها ) أي في الصور الثلاث ; أما السلام على إنسان فظاهر ; وأما السلام على ظن أنها ترويحة فلأنه قصد القطع على ركعتين ، بخلاف ما إذا ظن إكمالها فإنه قصد القطع على أربع باعتبار ظنه . وأما السلام قائما فلأنه إنما اغتفر سهوه في القعود لأن القعود مظنته بخلاف القيام ، ولذلك اغتفر سهوه قائما في صلاة الجنازة لأن القيام فيها مظنة السلام . ا هـ . ح ( قوله مطلقا ) فسره قوله وإن لم يقل عليكم وقوله ولو ساهيا ح .

( قوله فسلام التحية إلخ ) هذا ما حرره في البحر بحثا ثم رآه مصرحا به في البدائع ، ووفق به بين ما في الكنز وغيره من إطلاق الفساد بالسلام وبين ما في المجمع وغيره [ ص: 616 ] من تقييده بالعمد ، بحمل الأول على الأول والثاني على الثاني ، ودخل في قوله إن عمدا ما لو ظن أنها ترويحة مثلا فسلم لأنه تعمد السلام كما مر خلافا لمن وهم

التالي السابق


الخدمات العلمية