صفحة جزء
باب الوصية للأقارب وغيرهم

( جاره من لصق به ) وقالا : من يسكن في محلته ويجمعهم مسجد المحلة وهو استحسان . وقال الشافعي : [ ص: 683 ] الجار إلى أربعين دارا من كل جانب .

( وصهره كل ذي رحم محرم من عرسه ) كآبائها وأعمامها وأخوالها وأخواتها وغيرهم ( بشرط موته وهي منكوحته أو معتدته من رجعي ) فلو من بائن لا يستحقها وإن ورثت منه . قال الحلواني : هذا في عرفهم ، أما في زماننا فيختص بأبويها عناية وغيرها ، وأقره القهستاني .

قلت : لكن جزم في البرهان وغيره بالأول وأقره في الشرنبلالية . ثم نقل عن العيني أن قول الهداية وغيرها أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوج صفية بنت الحارث صوابه جويرية قلت : فلتحفظ هذه الفائدة .

( وختنه زوج كل ذي ) كذا النسخ قلت الموافق لعامة الكتب ذات ( رحم محرم منه كأزواج بناته وعماته [ ص: 684 ] وكذا كل ذي رحم من أزواجهن ) : قيل هذا في عرفهم . وفي عرفنا الصهر أبو المرأة وأمها والختن زوج المحرم فقط زيلعي وغيره . زاد القهستاني وينبغي في ديارنا أن يختص الصهر بأبي الزوجة ، والختن بزوج البنت لأنه المشهور ( وأهل زوجته ) وقالا : كل من في عياله ونفقته غير مماليكه ، وقولهما استحسان شرح تكملة قال ابن الكمال وهو مؤيد بالنص ، قال تعالى - " فنجيناه وأهله إلا امرأته " - ا هـ قلت وجوابه في المطولات .

( وآله : أهل بيته ) وقبيلته التي ينسب إليها ( و ) حينئذ ( يدخل فيه كل من ينسب إليه من قبل آبائه إلى أقصى أب له في الإسلام ) سوى الأب الأقصى لأنه مضاف إليه قهستاني عن الكرماني ( الأقرب والأبعد والذكر والأنثى والمسلم والكافر والصغير والكبير فيه سواء ) ويدخل فيه الغني والفقير إن كانوا لا يحصون كما في الاختيار - - [ ص: 685 ] ويدخل فيه أبوه وجده وابنه وزوجته كما في شرح التكملة ، يعني إذا كانوا لا يرثونه ( ولا يدخل فيه أولاد البنات ) وأولاد الأخوات ولا أحد من قرابة أمه لأن الولد إنما ينسب لأبيه لا لأمه .

( وجنسه أهل بيت أبيه ) لأن الإنسان يتجنس بأبيه لا بأمه ( وكذا أهل بيته وأهل نسبه ) كآله وجنسه فحكمه كحكمه ( ولو أوصت المرأة لجنسها أو لأهل بيتها لا يدخل ولدها ) أي ولد المرأة لأنه ينسب إلى أبيه لا إليها ( إلا أن يكون أبوه ) أي الولد ( من قوم أبيها ) فحينئذ يدخل لأنه من جنسها درر وكافي وغيرها . قلت : ومفاده أن الشرف من الأم فقط غير معتبر كما في أواخر فتاوى ابن نجيم وبه أفتى شيخنا الرملي ، نعم له مزية في الجملة


باب الوصية للأقارب وغيرهم

أي من الأهل والأصهار والأختان ونحو ذلك ، وإنما أخر هذا الباب ; لأنه في أحكام الوصية المخصوصين وفيما نقدمه ذكر أحكامها على وجه العموم ، والخصوص يتلو العموم أبدا منح ( قوله : جاره من لصق به ) لما كان لكل من الأقارب والجيران خصوصية تستدعي الاهتمام نبه على أهمية كل منهما من وجه حيث قدم الأقارب في الترجمة والجيران هنا سعدية ( قوله : وهو استحسان ) والصحيح قول الإمام كما أفاده في الدر المنتقى وصرح به [ ص: 683 ] العلامة قاسم وهو القياس كما في الهداية فهو مما رجح فيه القياس على الاستحسان . [ تنبيه ] يستوي في الجار ساكن ومالك وذكر وأنثى ومسلم وذمي وصغير وكبير ، ويدخل فيه العبد عنده .

وقالا تلك وصية لمولاه وهو غير جار ، بخلاف المكاتب ولا تدخل من لها بعل لتبعيتها فلم تكن جارا حقيقة مقدسي ، وقوله : ومالك : يعني إذا كان ساكنا أبو السعود ( قوله : وصهره كل ذي رحم محرم من عرسه ) لما روي " { أنه عليه الصلاة والسلام لما تزوج صفية أعتق كل من ملك من ذي رحم محرم منها إكراما لها } وكانوا يسمون أصهار النبي صلى الله عليه وسلم وهذا التفسير اختيار محمد وأبي عبيد ، وكذا يدخل فيه كل ذي رحم محرم من زوجة أبيه وزوجة ابنه وزوجة كل ذي رحم محرم منه لأن الكل أصهار هداية ، وقول محمد حجة في اللغة استشهد بقوله أبو عبيد في غريب الحديث مع أنه مؤيد بقول الخليل ، لا يقال لأهل بيت المرأة إلا الأصهار . وفي شرح الزيادات للبزدوي ، قد يطلق الصهر على الختن ، لكن الغالب ما ذكره محمد أتقاني ملخصا ، وتمامه في الشرنبلالية ( قوله : وأخواتها ) كذا فيما رأيت من النسخ ، وصوابه وإخوتها لأن أخوات جمع أخت ( قوله : وإن ورثت منه ) بأن أبانها في المرض لأن الرجعي لا يقطع النكاح ، والبائن يقطعه زيلعي ( قوله : عناية ) لم أجد ذلك فيها ، نعم ذكره الزيلعي كما سيأتي ( قوله : قلت لكن إلخ ) .

أقول : الظاهر اعتبار العرف في ذلك ، لما في جامع الفصولين من أن مطلق الكلام فيما بين الناس ينصرف إلى المتعارف ا هـ حتى لو تعورف خلاف ذلك كله يعتبر كأهل دمشق يطلقون الصهر على الختن ولا يفهمون منه غيره وهي لغة كما مر . وأما ما في البرهان وغيره فهو نقل لما دونه صاحب المذهب ، فلا دلالة فيه على أن العرف هنا لا يعتبر ، هذا ما ظهر لي فتدبر ، ( قوله : ثم نقل ) أي في الشرنبلالية عن العيني أي في شرحه على الهداية عند عبارتها التي نقلناها آنفا ( قوله : صوابه جويرية ) أخرجه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت : " { وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس وابن عم له فكاتبت عن نفسها } . وفي مسند أحمد والبزار وابن راهويه " { أنه كاتبها على تسع أواق من الذهب ، فدخلت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها ، فقالت : يا رسول الله أنا امرأة مسلمة أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، وأنا جويرية بنت الحارث سيد قومه أصابني من الأمر ما قد علمت فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبني على ما لا طاقة لي به ، وما أكرهني على ذلك إلا أني رجوتك - صلى الله عليك - فأعني في فكاكي ، فقال : أوخير من ذلك ؟ فقالت ما هو ؟ قال : أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك . قالت : نعم يا رسول الله . قال : قد فعلت ، فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان عليها من كتابتها وتزوجها فخرج الخبر إلى الناس ، فقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترقون فأعتقوا ما كان بأيديهم من سبي بني المصطلق مائة أهل بيت ، قالت عائشة : فلا أعلم امرأة كانت على قومها أعظم بركة منها } .

[ ص: 684 ] قال في الشرنبلالية : وقد علمت أن الصبي كان قد قسم وأن المعتقين للسبي هم الصحابة لا النبي صلى الله عليه وسلم وفي الاستدلال به على أن الصهر كل ذي رحم محرم من امرأته تأمل لما علمت من القصة ( قوله : وكذا كل ذي رحم ) أي محرم كما في المنح وغيرها . قال محمد في الإملاء : إذا قال أوصيت لأختاني بثلث مالي فأختانه زوج كل ذات رحم محرم منه ، وكل ذي رحم محرم من الزوج فهؤلاء أختانه ، فإن كان له أخت وبنت أخت وخالة ولكل واحدة منهن زوج ولزوج كل واحدة منهن أرحام فكلهم جميعا أختانه ، والثلث بينهم بالسوية الأنثى والذكر فيه سواء وأم الزوج وجدته وغير ذلك سواء ا هـ أتقاني والشرط هنا أيضا قيام النكاح بين محارمه وأزواجهن عند موت الموصي كما نقله الطوري ( قوله : وفي عرفنا الصهر أبو المرأة وأمها ) مكرر مع ما سبق ط ( قوله : غير مماليكه ) أي وغير وارثه شرنبلالية وأتقاني ( قوله : قلت وجوابه في المطولات ) وهو أن الاسم - حقيقة - للزوجة يشهد بذلك النص والعرف .

قال تعالى - { وسار بأهله } - وقال لأهله امكثوا - ومنه قولهم : تأهل ببلدة كذا ، والمطلق ينصرف إلى الحقيقة المستعملة زيلعي يشير إلى أن ما استدلا به غير مطلق بقرينة الاستثناء وميل الشارح إلى ترجيح قول الإمام وإن كان هو القياس ولذا قال في الدر المنتقى ، ولكن المتون على قوله وقدمه المصنف فليحفظ أيضا ا هـ وهذا إذا كانت الزوجة كتابية مثلا أو أجازت الورثة . وفي أبي السعود عن الحموي : ينظر حكم ما لو أوصت لأهلها هل يكون الزوج لا غير ا هـ . أقول : الظاهر لا إذ لا حقيقة ولا عرف ( قوله : وقبيلته ) عطف تفسير لقوله أهل بيته بدليل قول الهداية لأن الآل القبيلة التي ينسب إليها ( قوله : من ينسب إليه ) على حذف مضاف أي إلى نسبه ، بأن يشاركه فيه ويجتمع معه في أحد آبائه ولو الأب الأعلى ، هذا ما ظهر لي ويأتي ما يوضحه ، وإلا فقبيلة الموصي لا تنسب إليه نفسه إلا إذا كان أبا القبيلة . ثم رأيت في الإسعاف ما نصه : أهل بيت الرجل وآله وجنسه واحد ، وهو كل من يناسبه بآبائه إلى أقصى أب له في الإسلام وهو الذي أدرك الإسلام أسلم أو لم يسلم فكل من يناسبه إلى هذا الأب من الرجال والنساء والصبيان فهو من أهل بيته ا هـ فقوله : يناسبه أي يشاركه في نسبه أولى من قول المصنف ينسب إليه كما لا يخفى ( قوله : لأنه مضاف إليه ) أي والوصية للمضاف لا للمضاف إليه زيلعي عن الكافي .

قال ط : وفيه أنه لا يظهر إلا لو قال أوصيت لآل عباس مثلا ، أما لو قال : أوصيت لآلي أو لآل زيد ، وهو غير الأب الأقصى لا يظهر ، ولو علل بأن الأب الأقصى لا يقال له أهل بيته لكان أولى ا هـ . قلت : وعبارة الهداية أوصى لآل فلان ( قوله : إن كانوا لا يحصون ) عبارة الاختيار وإن كان لا يحصون

[ ص: 685 ] قوله : وزوجته ) أي إذا كانت من قوم أبيه سائحاني ( قوله : ولا يدخل فيه أولاد البنات إلخ ) أي إذا لم يكن آباؤهم من قومه سائحاني ( قوله : يتجنس بأبيه ) أي يقول أنا من جنس فلان . قال في غاية البيان لأن الجنس عبارة عن النسب والنسب إلى الآباء ا هـ ط ( قوله : كآله وجنسه ) بيان لمرجع اسم الإشارة في قوله وكذا يعني أن أهل بيته وأهل نسبه مثل آله وجنسه في أن المراد بالكل قوم أبيه دون أمه وهم قبيلته التي ينسب إليها . قال في الهندية : ولو أوصى لأهل بيته يدخل فيه من جمعه وإياهم أقصى أب في الإسلام ، حتى إن الموصي لو كان علويا أو عباسيا يدخل فيه كل من ينسب إلى علي أو العباس من قبل الأب لا من ينسب من قبل الأم ، وكذا لو أوصى لحسبه أو نسبه ; لأنه عبارة عمن ينتسب إلى الأب دون الأم . وكذلك إذا أوصى لجنس فلان فهم بنو الأب ، وكذلك اللحمة عبارة عن الجنس ، وكذلك الوصية لآل فلان بمنزلة الوصية لأهل بيت فلان ا هـ ملخصا ( قوله : ومفاده إلخ ) يؤيده قول الهندية عن البدائع : فثبت أن الحسب والنسب يختص بالأب دون الأم ا هـ فلا تحرم عليه الزكاة ، ولا يكون كفؤا للهاشمية ، ولا يدخل في الوقف على الأشراف ط ( قوله : وبه أفتى شيخنا الرملي ) حيث قال في فتاواه في باب ثبوت النسب ما حاصله : لا شبهة في أن له شرفا ما ، وكذا لأولاده وأولادهم إلى آخر الدهر .

أما أصل النسب فمخصوص بالآباء . وسئل أيضا عن أولاد زينب بنت فاطمة الزهراء زوجة عبد الله بن جعفر الطيار . فأجاب أنهم أشراف بلا شبهة ; إذ الشريف كل من كان من أهل البيت علويا أو جعفريا أو عباسيا لكن لهم شرف الآل الذين تحرم الصدقة عليهم لا شرف النسبة إليه صلى الله عليه وسلم . فإن العلماء ذكروا أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه ينسب إليه أولاد بناته ، فالخصوصية للطبقة العليا ، فأولاد فاطمة الأربعة الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم وأولاد الحسين ينسبون إليهما فينسبون إليه صلى الله عليه وسلم وأولاد زينب وأم كلثوم ينسبون إلى أبيهم لا إلى أمهم ، فلا ينسبون إلى فاطمة ولا إلى أبيها صلى الله عليه وسلم لأنهم أولاد بنت بنته لا أولاد بنته ، فيجري فيهم الأمر على قاعدة الشرع الشريف في أن الولد يتبع أباه في النسب لا أمه ، وإنما خرج أولاد فاطمة وحدها للخصوصية التي ورد بها الحديث ، وهي مقصورة على ذرية الحسن والحسين ، لكن مطلق الشرف الذي للآل يشملهم . وأما الشرف الأخص وهو شرف النسبة إليه صلى الله عليه وسلم فلا ا هـ ملخصا . وأصله للعلامة ابن حجر المكي الشافعي . أقول : وإنما يكون لهم شرف الآل المحرم للصدقة إذا كان أبوهم من الآل كما مر ، والمراد بالحديث ما أخرجه أبو نعيم وغيره " { كل ولد آدم فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم } "

التالي السابق


الخدمات العلمية