صفحة جزء
مسائل شتى جمع شتيت بمعنى متفرقة وهو من دأب المصنفين لتدارك ما لا يذكر فيما كان يحق ذكره فيه . قلت : وقد ألحقت غالبها بمحالها ، ولله الحمد .

( عرق مدمن الخمر خارج نجس ) هذه مقدمة صغرى في تسليمها كلام قد وعدتك به في أوائل نواقض الوضوء ( وكل خارج نجس ينقض الوضوء ) هذه مقدمة كبرى هي مسلمة عندنا ( فينتج ) أن ( عرق مدمن الخمر ينقض الوضوء ) لكنه يحتاج لإثبات الصغرى .

وحاصله ما في الذخائر الإشرافية لابن الشحنة معزيا للمجتبى : عرق الدجاجة الجلالة نجس . قال : وعليه فعرق مدمن الخمر نجس بل أولى . ثم قال : وما أسمج من كان عرقه كعرق الكلب والخنزير . قال ابن العز : فحينئذ ينقض الوضوء ، وهو فرع غريب وتخريج ظاهر . قال المصنف : ولظهوره عولنا عليه . قلت : قال شيخنا الرملي حفظه الله تعالى : كيف يعول عليه وهو مع غرابته لا يشهد له رواية ولا دراية ، أما الأولى فظاهر إذ لم يرو عن أحد ممن يعتمد عليه ، وأما الثانية فلعدم تسليم المقدمة الأولى ويشهد لبطلانها مسألة الجدي إذا غذي بلبن الخنزير فقد عللوا حل أكله [ ص: 732 ] بصيرورته مستهلكا لا يبقى له أثر فكذلك نقول في عرق مدمن الخمر ، ويكفينا في ضعفه غرابته وخروجه عن الجادة فيجب طرحه عن السرج من متن وشرح .


مسائل شتى ( قوله جمع شتيت إلخ ) فهو فعيل بمعنى فاعل حمل على فعيل بمعنى مفعول كمريض ومرضى ولذا جمع على فعلى قهستاني ( قوله ما لا يذكر ) الأولى ما لم كما عبر غيره ( قوله فينتج ) أي من الشكل الأول بعد تسليم الصغرى ( قوله بل أولى ) لأن تأثير المائع في التصرف فوق تأثير غيره منح فإذا كان عرق الجلالة التي غذيت بالنجاسة الجامدة نجسا فعرق مدمن الخمر المائع أولى ( قوله وما أسمج ) من السماجة وهي القبح كما في القاموس ( قوله قال ابن العز ) بمهملة فمعجمة وهو من شراح الهداية ( قوله فحينئذ ) أي فحين إذ كان عرقه نجسا ينقض لقاعدة كل خارج نجس ينقض الوضوء ط ( قوله وهو مع غرابته ) أي تفرد ابن العز باستنباطه ( قوله لا يشهد له رواية ) أي دليل منقول ولا دراية أي دليل معقول ( قوله ويشهد لبطلانها إلخ ) حاصله استدلال بالقياس على مسألة الجدي [ ص: 732 ] بجامع الاستهلاك ولذا فرع عليه بقوله فكذلك نقول إلخ ، ولا يخفى أن القياس دليل معقول فافهم ( قوله بصيرورته مستهلكا ) يعني بخلاف الجلالة فإن ما تتناوله لكونه جامدا لا يصير مستهلكا بل يحيل لحمها إلى نتن وفساد تأمل ا هـ ح ( قوله ويكفينا في ضعفه غرابته إلخ ) قال الرملي أيضا في حاشية المنح ، وتقدم في كتاب الأشربة عن المحقق ابن وهبان أنه لا تعويل ولا التفات إلى كل ما قاله صاحب القنية مخالف للقواعد ما لم يعضده نقل من غيره ، ولم ينقل عن أحد من علمائنا المتقدمين والمتأخرين أن عرق مدمن الخمر ناقض للضوء سوى ما بحثه ابن العز .

وقد يفرق بأن مدمن الخمر يخلط والجلالة لا تخلط : حتى لو كانت تخلط لا يحكم بنجاسة عرقها كما قالوا في تفسيرها ، وغاية ما فيه أنه يقع الشك في تولد العرق منه أو من غيره ، ولا نقض بالشك . على أنا ما أثبتنا النقض بالخارج المحقق النجاسة من غير السبيلين إلا بعد علاج قوي ومنازعة كلية بيننا وبين الشافعية فكيف يثبت النقض بشيء موهوم . وأيضا نفس عرق الجلالة في نجاسته منازعة ، إذ صرحوا قاطبة بكراهة لحمها إذا تغير وأنتن ، وإنما يستعملون الكراهة لريب في الحرمة والحرمة فرع النجاسة والنقض بها إنما يكون بما لا ريب فيه ، ويلزم مما بحثه ابن العز نقض الوضوء بعرق من أكل أو شرب نجاسة ما في زمن مداومته ولم يقل به أحد ا هـ ملخصا . أقول : ويلزم عليه أيضا النقض بدموعه وريقه لأنهما كالعرق ، وأن يكون حكمه حكم المعذور لخروج ريقه دائما وهذا لم يقل به أحد أيضا ، وقدم الشارح في كتاب الطهارة أن سؤر الإبل والبقر الجلالة مكروه تنزيها . وفي الخانية أن عرق الجلالة طاهر ( قوله وخروجه عن الجادة ) هي معظم الطريق كما في القاموس ، والمراد طريق الفقه ( قوله عن السرح ) بمهملات قال في جامع اللغة : السرح المال ، وشجر عظام طوال ، والمراد بها مسائل الفقه ا هـ ح فهو استعارة مصرحة

التالي السابق


الخدمات العلمية