صفحة جزء
[ فروع ]

يكره اشتمال الصماء والاعتجار والتلثم والتنخم وكل عمل قليل بلا عذر ; كتعرض لقملة قبل الأذى ، [ ص: 653 ] وترك كل سنة ومستحب ، وحمل الطفل ، وما ورد نسخ بحديث " { إن في الصلاة لشغلا } " .


( قوله يكره اشتمال الصماء ) لنهيه عليه الصلاة والسلام عنها ، وهي أن يأخذ بثوبه فيخلل به جسده كله من رأسه إلى قدمه ولا يرفع جانبا يخرج يده منه ; سمي به لعدم منفذ يخرج منه يده كالصخرة الصماء وقيل أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه إزار ، وهو اشتمال اليهود زيلعي . وظاهر التعليل بالنهي أن الكراهة تحريمية كما مر في نظائره ( قوله والاعتجار ) لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، وهو شد الرأس ، أو تكوير عمامته على رأسه وترك وسطه مكشوفا وقيل أن يتنقب بعمامته فيغطي أنفه إما للحر أو للبرد أو للتكبر إمداد ، وكراهته تحريمية أيضا لما مر ( قوله والتلثم ) وهو تغطية الأنف والفم في الصلاة لأنه يشبه فعل المجوس حال عبادتهم النيران زيلعي . ونقل ط عن أبي السعود أنها تحريمية ( قوله والتنخم ) هو إخراج النخامة بالنفس الشديد لغير عذر . وحكمه كالتنحنح في تفصيله كما في شرح المنية أي فإن كان بلا عذر وخرج به حرفان أو أكثر أفسد . وفي بعض النسخ والتختم ، والمراد به ليس الخاتم في الصلاة بعمل قليل ( قوله وكل عمل قليل إلخ ) تقدم الفرق بينه وبين الكثير ( قوله كتعرض . لقملة إلخ ) قال في النهر : ويكره قتل القمل عند الإمام . وقال محمد : القتل أحب إلي ، وأي ذلك فعل لا بأس به ، ولعل الإمام إنما اختار الدفن لما فيه من التنزه عن إصابة الدم يد القاتل أو ثوبه وإن كان معفوا عنه ، هذا إذا تعرضت القملة ونحوها بالأذى وإلا كره الأخذ فضلا عن غيره ، وهذا كله خارج المسجد ; أما فيه فلا بأس . [ ص: 653 ]

بالقتل بشرط تعرضها له بالأذى ، ولا يطرحها في المسجد بطريق الدفن أو غيره إلا إذا غلب على ظنه أنه يظفر بها بعد الفراغ من الصلاة ، وبهذا التفصيل يحصل الجمع بين ما سبق عن الإمام أنه يدفنها في الصلاة أي في غير المسجد ، وبين ما روي عنه أنه لو دفنها في المسجد أساء . ا هـ . وفي الإمداد عن الينبوع للسيوطي عن ابن العماد طرح القمل في المسجد ، إن كان ميتا حرم لنجاسته ، وإن كان حيا ففي كتب المالكية كذلك لأن فيه تعذيبا له بالجوع ، بخلاف البرغوث لأنه يأكل التراب ، وعلى هذا يحرم طرح القمل حيا في غير المسجد أيضا . ا هـ . قال في الإمداد : والمصرح به في كتبنا أنه لا يجوز إلقاء قشر القملة في المسجد . ا هـ .

قلت : الظاهر أن العلة تقذير المسجد وإلا فالمصرح به عندنا أن ما لا نفس له سائلة إذا مات في الماء لا ينجسه . مطلب في بيان السنة والمستحب والمندوب والمكروه وخلاف الأولى

( قوله وترك كل سنة ومستحب ) السنة قسمان : سنة هدي وهي المؤكدة وسنة زوائد . والمستحب غيره وهو المندوب ، أو هما قسمان . وقد يطلق عليه سنة وقدمنا تحقيق ذلك كله في سنن الوضوء . قال في البحر عند قوله وعلى بساط فيه تصاوير : الحاصل أن السنة إن كانت مؤكدة قوية لا يبعد كون تركها مكروها تحريما ، وإن كانت غير مؤكدة فتركها مكروه تنزيها . وأما المستحب أو المندوب فينبغي أن يكره تركه أصلا ، لقولهم ، يستحب يوم الأضحى أن لا يأكل أولا إلا من أضحيته ; ولو أكل من غيرها لم يكره ، فلم يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة إلا أنه يشكل عليه قولهم المكروه تنزيها مرجعه إلى خلاف الأولى ، ولا شك أن ترك المستحب خلاف الأولى . ا هـ .

أقول : لكن صرح في البحر في صلاة العيد عند مسألة الأكل بأنه لا يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة إذ لا بد لها من دليل خاص ا هـ وأشار إلى ذلك في التحرير الأصولي ، بأن خلاف الأولى ما ليس فيه صيغة نهي كترك صلاة الضحى بخلاف المكروه تنزيها . ا هـ . والظاهر أن خلاف الأولى أعم ، فكل مكروه تنزيها خلاف الأولى ولا عكس لأن خلاف الأولى قد لا يكون مكروها حيث لا دليل خاص كترك صلاة الضحى . وبه يظهر أن كون ترك المستحب راجعا إلى خلاف الأولى لا يلزم منه أن يكون مكروها إلا بنهي خاص لأن الكراهة حكم شرعي فلا بد له من دليل ، والله تعالى أعلم ( قوله وحمل الطفل ) أي لغير حاجة ( قوله وما ورد إلخ ) جواب سؤال هو أنه : كيف يكون مكروها وقد ورد في الصحيحين وغيرهما عن أبي قتادة " { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا سجد وضعها ، واذا قام حملها } " وقد أجيب عنه بأجوبة : منها ما ذكره الشارح أنه منسوخ بما ذكره من الحديث ، وهو مردود بأن حديث " { إن في الصلاة لشغلا } " كان قبل الهجرة ، وقصة أمامة بعدها ومنها ما في البدائع : أنه صلى الله عليه وسلم لم يكره منه ذلك لأنه كان محتاجا إليه لعدم من يحفظها ، أو للتشريع بالفعل أن هذا غير مفسد ، ومثله أيضا في زماننا لا يكره لواحد منا فعله عند الحاجة ، أما بدونها فمكروه . ا هـ . وقد أطال المحقق ابن أمير حاج في الحلية في هذا المحل ، ثم قال : إن كونه للتشريع بالفعل هو الصواب الذي لا يعدل عنه كما ذكره النووي ، فإنه ذكر بعضهم أنه بالفعل أقوى من القول ، ففعله ذلك لبيان الجواز ، وإن الآدمي طاهر ، وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه [ ص: 654 ] في معدنه ; وأن ثياب الأطفال - وأجسادهم طاهرة حتى تتحقق نجاستها ، وأن الأفعال إذا لم تكن متوالية لا تبطل الصلاة فضلا عن الفعل القليل - إلى غير ذلك ، وتمامه فيه . [ تتمة ]

بقي في المكروهات أشياء أخر ذكرها في المنية ونور الإيضاح وغيرهما : منها الصلاة بحضرة ما يشغل البال ويخل بالخشوع كزينة ولهو ولعب ، ولذلك كرهت بحضرة طعام تميل إليه نفسه وسيأتي في كتاب الحج قبيل باب القرآن يكره للمصلي جعل نحو نعله خلفه لشغل قلبه . ومنها ما في الخزائن تغطية الأنف والفم ، والهرولة للصلاة ، والاتكاء على حائط أو عصا في الفرض بلا عذر لا في النفل على الأصح ، ورفع يديه عند الركوع ، والرفع منه ، وما روي من الفساد شاذ وإتمام القراءة راكعا والقراءة في غير حالة القيام ; ورفع الرأس ووضعه قبل الإمام ، والصلاة في مظان النجاسة كمقبرة وحمام ; إلا إذا غسل موضعا منه ولا تمثال ; أو صلى في موضع نزع الثياب ، أو كان في المقبرة موضع أعد للصلاة ولا قبر ولا نجاسة فلا بأس كما في الخانية . ا هـ . وتقدم تمام هذا في بحث الأوقات المكروهة . وفي القهستاني : لا تكره الصلاة في جهة قبر إلا إذا كان بين يديه ; بحيث لو صلى صلاة الخاشعين وقع بصره عليه كما في جنائز المضمرات .

التالي السابق


الخدمات العلمية