صفحة جزء
وفي منثور ابن عقيل عن أحمد : " من مات ببغداد على السنة نقل من جنة إلى جنة " وروى الحاكم في تاريخه عن الأصمعي قال : جنات الدنيا [ في ] ثلاث مواضع : نهر معقل بالبصرة ، ودمشق بالشام ، وسمرقند بخراسان . وكثر تفضيل بغداد ومدحها من العلماء ، قال شعبة لأبي الوليد : أدخلت بغداد ؟ قال : لا ، قال : فكأنك لم تر الدنيا .

وقال ابن علية : ما رأيت قوما أعقل في طلب الحديث من أهل بغداد .

وقال الشافعي ليونس بن عبد الأعلى : دخلت بغداد ؟ قال : لا ، قال : ما رأيت الناس ولا رأيت الدنيا وقال : ما دخلت بلدا قط إلا عددته سفرا إلا بغداد ، فإني حين دخلتها عددتها وطنا وقال أبو بكر بن عياش : الإسلام ببغداد ، وإنها لصيادة تصيد الرجال ، ومن لم يرها لم ير الدنيا .

وقال مجاهد : رأيت أبا عمرو بن العلاء في النوم فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : دعني مما فعل الله بي ، من أقام ببغداد على السنة والجماعة ومات نقل إلى الجنة ، [ ص: 219 ] وقال أبو معاوية وذكر بغداد فقال هي دار دنيا وآخرة .

وقال ذو النون المصري : من أراد أن يتعلم المروءة والظرف فعليه بسقاة الماء ببغداد ، ثم ذكر أنه لما حمل إليها رأى سقاء فقال : هذا سقاء السلطان ؟ فقيل : سقاء العامة ، فشرب منه ، فشم من الكوز رائحة المسك ، فقلت لمن معي : أعطه دينارا ، فأبى أخذه فقلت له : لم ؟ قال : أنت أسير ، وليس من المروءة آخذ منك .

وقال سعيد بن عبد العزيز ، عن سليمان بن موسى : إذا كان علم الرجل حجازيا ، وخلقه عراقيا ، وطاعته شامية ، فقد كمل .

وقال الحسن بن عرفة في أهل بغداد : هم جهابذة العلم .

وقال أبو القاسم الديلمي وهو شيخ ينطق بعلوم : دخلت البلدان من سمرقند إلى القيروان ومن سرنديب إلى بلد الروم ، فما وجدت بلدا أفضل ولا أطيب من بغداد . وقال : إذا خرجت من العراق ، فالدنيا كلها رستاق .

وقال ابن الجوزي : اعتدال هوائها وطيب مائها لا يشك فيه ، ولا يختلف في أن فطن أهلها وعلومهم وذكاءهم يزيد على أهل كل بلد ، وقد أجمع على هذا جميع فطناء الغرباء ، وإنما يعيبها الجامد الذهن ، وما زالت الشعراء تمدحها ، كذا قال ، ومن المعلوم أن في فضل الشام من الكتاب والسنة ما ليس في العراق ، وأفضل الشام دمشق بلا شك ، فهو فاضل في نفسه ، وأقام فيه كثير من العلماء والزهاد والعباد من الصحابة والتابعين من بعدهم أكثر من غيره ، وما يتفق فيه قل أن يتفق [ ص: 220 ] في غيره ، بل لا يوجد ، فمن تأمل ذلك وأنصف علمه . ومعلوم ما في ذم المشرق من الأخبار الصحيحة والفتن .وبغداد منه ، وفيها من الحر الشديد وكثرة استيلاء الغرق عليها ما هو معلوم بالمشاهدة والأخبار وفضل بغداد عارض بسبب الخلفاء بها ، وفي ذمها خبر خاص عن جرير مرفوعا { تبنى مدينة بين قطربل والصراة ودجلة ودجيل ، يخرج منها جبار أهل الأرض ، يجبى إليها الخراج ، يخسف الله بها ، أسرع في الأرض من المعول في الأرض الرخوة } فهذا خبر معروف بعمار بن سيف ، وضعفه أبو زرعة وأبو حاتم .

وقال ابن معين : ليس بشيء ، وقال أيضا : ثقة .

وقال العجلي : ثقة ثبت متعبد صاحب سنة ، وتركه الدارقطني .

وقال الخطيب : لا أصل له ، وقال ابن الجوزي ، روي من ستة عشر طريقا كلها واهية ، وروي نحوه من حديث علي من ثلاثة طرق ، ومن حديث أنس من طريقين ، ومن حديث حذيفة ولا يثبت ، وذكرتها في الموضوعات . قال [ الإمام ] أحمد بن حنبل وسئل عن هذا الحديث { تبنى مدينة } فقال : ليس له أصل ، وما حدث به إنسان ثقة ، قال الخطيب : كل هذه الأحاديث واهية الأسانيد عند أهل العلم بالنقل ، كذا قال ، مع أنه احتج في فضل العراق بأشياء من جنسها ، وتابعه ابن الجوزي ، ثم ذكر ابن الجوزي عن جماعة ذم بغداد ، فعن الفضيل بن عياض : هي مغصوبة وقيل : من السواد وهو وقف لا يصح بيعها [ ص: 221 ] ولا شراؤها ، وقيل : لمجاورة السلاطين والمترفين .

وقال سفيان : المتعبد ببغداد كالمتعبد في الكنيف ، قال عبد الله بن داود الحرمي : كان سفيان يكره جوار القوم وقربهم .

وقال ابن المبارك : ليس بغداد مسكن الزهاد . ثم أجاب ابن الجوزي بما لا ينفع ، وقد كان أحمد يزرع داره ويخرج عنها ، قال أصحابه : لأن بغداد كانت مزارع وقت فتحت .

التالي السابق


الخدمات العلمية