صفحة جزء
ويعتبر السوم بأن ترعى المباح . فلو اشترى لها ما ترعاه وجمع لها ما تأكل فلا زكاة . ولا زكاة في ماشية في الذمة . كما سبق . و للأصحاب وجهان : هل السوم شرط ، أو عدمه مانع ؟ فلا يصح التعجيل قبل الشروع فيه على الأول ، ويصح على الثاني ( م 1 ) . .


( مسألة 1 ) قوله : وللأصحاب وجهان ، هل السوم شرط ، أو عدمه مانع ؟ فلا يصح التعجيل قبل الشروع فيه على الأول ، ويصح على الثاني ، انتهى ، وأطلقهما ابن تميم وابن حمدان في الرعاية الكبرى ، وصاحب الفائق ، وبنوا هذا الفرع على هذا الخلاف كما فعل المصنف ، أحدهما عدم السوم مانع .

( قلت ) : في كلام الشيخ والشارح وغيرهما القطع بأن عدم السوم مانع ، والوجه الثاني السوم شرط . [ ص: 354 ] تنبيه )

قال القاضي محب الدين بن نصر الله في حواشي هذا الكتاب : في تحقق هذا الخلاف نظر ، لأن كل ما كان وجوده شرطا كان عدمه مانعا ، كما أن كل مانع فعدمه شرط ، ولم يفرق أحد بينهما ، بل نصوا على أن المانع عكس الشرط ، فوجود المانع كعدم الشرط ، فلزم من كل منهما انتفاء الحكم ، ووجود الشرط كعدم المانع ، لأنه يلزم من كل منهما وجود الحكم ، وحينئذ لا فرق بين العبارتين .

وإذا كان كذلك لم يظهر وجه الاختلاف في الفرع المذكور ، فإن معنى كون عدم السوم مانعا أنه يمنع انعقاد الحول ، ومعنى كونه شرطا أنه شرط لانعقاده ، فإن كان انعقاد الحول شرطا في صحة التعجيل لم يصح مع عدم السوم ، لعدم انعقاده ، وصح مع وجوده ، وإن لم يكن انعقاد الحول شرطا في صحة التعجيل صح مع عدم السوم ، ولكن هذا لا يعرف ، أعني كون انعقاد الحول ليس شرطا في صحة التعجيل ، وعلى مقتضى ما ذكره المصنف ، من أن وجود مانع انعقاد الحول لا يمنع صحة تعجيل الزكاة لو كان معه نصاب ، وعليه دين مثله ، صح تعجيله ; لأن الدين مانع ، فلينظر في ذلك ، قال : وقد تقدم قبل هذه الورقة بخمس ورقات في أول الصفحة اليمنى : متى أبرئ المدين أو قضى من مال مستحدث ابتدأ حولا ; لأن ما منع وجوب الزكاة منع انعقاد الحول وقطعه ، وهذا يحقق أنه لا فرق بين وجود المانع وعدم الشرط في الحكم ، انتهى .

والجواب عما قال وبالله التوفيق أن الخلاف الذي ذكره المصنف ليس مختصا به ، بل نقله عن الأصحاب ، وهو ثقة فيما ينقل ، وصرح به ابن تميم وابن حمدان وصاحب الفائق وغيرهم ، وكذلك الفرع المبني عليه لم يختص به المصنف ، بل قد سبقه إليه ابن تميم وابن حمدان وغيرهما ، وهم من أئمة المذهب ، وقد تابعهم المصنف ولم يتعقبهم كما هو عادته ، وملخص الجواب أن التعجيل يصح إذا وجد السبب [ ص: 355 ] وهو النصاب ، مع وجود المانع وهو عدم حولان الحول ، ألا ترى أن الأصحاب قالوا : يجوز التعجيل قبل الحول ونص عليه في رواية جماعة ، وهو مانع من وجوبها ، بل التعجيل لا يكون إلا كذلك ، ولا يصح مع وجود الشرط كاملا ، كمضي الحول فإنه شرط بلا نزاع ، ولا يصح التعجيل بعد وجوده ، لوجوبها إذن ، فهذا شرط لا يصح التعجيل بعد وجوده ، وما قلناه أولا مانع يصح التعجيل مع وجوده ، وهذه شبيهة بمسألة المحشي يصح التعجيل مع وجود المانع ، وهو عدم حولان الحول ، ولا يصح مع حصول الشرط ، وهو مضي الحول ، فإن عجل لحول مستقبل فالشرط لم يوجد ، والمانع موجود ، والله أعلم .

وقول المحشي " لأن كل ما كان وجوده شرطا كان عدمه مانعا ، كما أن كل مانع فعدمه شرط ، ولم يفرق أحد بينهما بل نصوا على أن المانع عكس الشرط " انتهى . هذا صحيح ، قد نص عليه الأصوليون لكن لم يمنعوا من ترتيب حكم على وجود المانع وانتفائه قبل وجود الشرط أو بعضه . وقوله " فإن معنى كون عدم السوم مانعا أنه يمنع انعقاد الحول " غير مسلم ، بل ينعقد الحول ويكون مراعى ، ألا ترى أن الإبل مثلا إذا لم ترع في أول الحول ، كالشهر الأول والثاني والثالث والرابع مثلا ، ثم رعت بعد ذلك أكثر من نصف الحول ، نتبين أن الحول انعقد عن أوله وإن لم تكن رعت فيه ، فليس عدم السوم مانعا من انعقاد الحول مطلقا ، بل من الوجوب ، وقوله أيضا ، " معنى كون وجوده شرطا أنه شرط لانعقاده " غير مسلم أيضا ، بل قد ينعقد الحول قبل وجود الشرط ، كما مثلنا قبل ، وقد لا ينعقد إلا بعد وجوده ، كالإسلام والحرية .

وقوله " فإن كان انعقاد الحول شرطا في صحة التعجيل لم يصح مع عدم السوم ، لعدم انعقاده ، وصح مع وجوده " فنقول : ليس بين انعقاد الحول وعدم السوم ملازمة ، لصحة التعجيل ، بل قد ينفك عنه وهو وجود الحول مع عدم السوم ، كما مثلنا به قبل ، وقوله " وإن لم يكن انعقاد [ ص: 356 ] الحول شرطا في صحة التعجيل صح مع عدم السوم " فنقول : هذا صحيح فإن عدم انعقاد الحول ليس بشرط في صحة التعجيل ، بل يصح التعجيل قبل انعقاد الحول إذا وجد السبب ، ألا ترى أن الأصحاب جوزوا التعجيل عن الحول الثاني قبل دخوله ، على الصحيح من المذهب ، وقدمه المصنف ، وكذلك عن الحول الثالث على رأي ، وقد صح انعقاد الحول مع عدم السوم ، وقوله " ولكن هذا لا يعرف أعني كون انعقاد الحول ليس شرطا في صحة التعجيل " غير مسلم ، بل هو معروف ، وقد قاله الأصحاب ، كما قلنا إذا عجله لأكثر من حول إذا وجد السبب وهو النصاب ، وعلى كل تقدير يجوز التعجيل إذا وجد السبب وهو النصاب ، مع وجود المانع وهو عدم حولان الحول ، وأما وجود بعض الشروط كاملا فلا يتصور معه تعجيل الزكاة ، كحولان الحول مثلا ، وقد يتصور إذا وجد بعض الشرط ، كالسوم إذا قلنا إنه شرط وشرع فيه ، وكذا الشروع في الحول في زكاة النقدين ونحوهما ، وقوله " وعلى مقتضى ما ذكره المصنف من أن وجود مانع انعقاد الحول لا يمنع صحة تعجيل الزكاة لو كان معه نصاب ، وعليه مثله ، صح تعجيله ; لأن الدين مانع فلينظر " غير مسلم ; لأن المصنف لم يلتزم أن كل مانع يجوز التعجيل معه ، بل قال : وذلك إذا وجد السبب . وهنا لم يوجد السبب لوجود الدين ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية