صفحة جزء
فصل وإن أخذ الساعي أكثر من الواجب بلا تأويل ، كأخذه عن أربعين مختلطة شاتين من مال أحدهما ، وعن ثلاثين بعيرا الجذعة ، رجع على خليطه في الأولى بقيمة نصف شاة ، وفي الثانية بقيمة نصف بنت مخاض ; لأن الزيادة ظلم ، فلا يجوز رجوعه على غير ظالمه ( و ) وأطلق شيخنا في رجوعه على شريكه قولين ، ومراده للعلماء ، قال : أظهرهما يرجع .

وقال في المظالم المشتركة ، تطلب من الشركاء ، يطلبها الولاة والظلمة من البلدان [ ص: 400 ] أو التجار أو الحجيج أو غيرهم ، والكلف السلطانية ، وغير ذلك ، على الأنفس أو الأموال أو الدواب : يلزمهم التزام العدل في ذلك ، كما يلزم فيما يؤخذ منهم بحق ، ولا يجوز أن يمتنع أحد من أداء قسطه من ذلك ، بحيث يؤخذ قسطه من الشركاء ; لأنه لم يدفع الظلم عنه إلا بظلم شركائه ; لأنه يطلب ما يعلم أنه يظلم فيه غيره ، كمن يولي أو يوكل من يعلم أنه يظلم ويأمره بعدم الظلم ، ليس له أن يوليه ، ولأنه يلزم العدل في هذا الظلم ، ولأن النفوس [ لا ] ترضى بالتخصيص ، ولأنه يفضي إلى أخذ الجميع من الضعفاء ، ولأنه لو احتاج المسلمون إلى جمع مال لدفع عدو كافر لزم القادر ، الاشتراك ، فهاهنا أولى ، فمن تغيب أو امتنع وأخذ من غيره حصته ، رجع على من أدى عنه ، في الأظهر ، إلا أن ينوي تبرعا .

ولا شبهة على الآخذ في الأخذ ، كسائر الواجبات ، كعامل الزكاة ، وناظر الوقف ، والوصي ، والمضارب ، والشريك ، والوكيل ، وسائر من تصرف لغيره بولاية أو وكالة ، إذا طلب منه حصة ، ما ينوب ذلك المال من الكلف ، فإن لهم أن يؤدوا ذلك من المال ، بل إن كان لم يؤدوه ، أخذ الظلمة أكثر وجب ; لأنه من حفظ المال ، ولو [ ص: 401 ] قدر غيبة المال ، فاقترضوا عليه ، وأدوا من مالهم ، رجعوا به ، وعلى هذا العمل . ومن لم يقل به لزم من الفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد . قال : وغاية هذا أن يشبه بغصب المشاع ، فالغاصب إذا قبض من المشترك نصيب أحد الشريكين كان ذلك من مال ذلك الشريك ، في الأظهر ، وهو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما ، ولو أقر أحد الابنين بأخ وكذبه أخوه لزم المقر أن يدفع إلى المقر به ما فضل عن حقه ، وهو السدس ، في مذهب مالك والشافعي وأحمد ، جعلوا ما غصبه الأخ المنكر من مال المقر به خاصة لأجل النية .

وكذا هاهنا إنما قبض الظالم عن ذلك المطلوب لم يقصد أخذ مال الدافع ، لكن قال أبو حنيفة في غصب المشاع : ما قبضه الغاصب يكون منهما ، اعتبارا بصورة القبض ، ويكون النصف الذي غصبه الأخ المنكر منهما ، وهو قول في مذهب الشافعي وأحمد ، قال : ومن صودر على مال فأكره أقاربه أو أصدقاؤه أو جيرانه أو شركاؤه على أن يؤدوا عنه فلهم الرجوع ; لأنهم ظلموا لأجله ولأجل ماله ، والطالب مقصوده ماله لا مالهم ، واحتج بقصة ابن اللتبية ، وقال : فلما كانوا إنما أعطوه وأهدوا إليه لأجل ولايته جعل ذلك من جملة المال المستحق لأهل الصدقات ; لأنه بسبب أموالهم قبض ، ولم يخص به العامل ، فكذا ما قبض بسبب مال بعض الناس ، فعنها بحسب ، فكأنما أعطي لأجلها فهو مغنم ونماء لها ، [ ص: 402 ] لا لمن أخذه ، فما أخذ لأجلها فهو مغرم منها ، لا على من أعطاه ، وكذا من لم يخلص مال غيره من التلف إلا بما أدى عنه رجع به في أظهر قول العلماء ، وهو حسن وتأتي هذه المسائل في موضعها إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية