صفحة جزء
فصل وإن أراد من معه مال حلال وحرام أن يخرج من إثم الحرام أو يتصرف ، فنقل جماعة التحريم إلا أن يكثر الحلال ، واحتج بخبر عدي بن حاتم في الصيد السابق ، كذا قال ، مع أنه لا فرق عنده في الصيد بين القلة والكثرة ، وعنه أيضا : إنما قلته في درهم حرام مع آخر ، وعنه أيضا : في عشرة فأقل لا تجحف به .

وقال في الخلاف في مسألة اشتباه الأواني الطاهرة بالنجسة : ظاهر مقالة أصحابنا يعني أبا بكر وأبا علي النجاد وأبا إسحاق : يتحرى في عشرة طاهرة فيها إناء نجس ; لأنه قد نص على ذلك في الدراهم فيها درهم حرام ، فإن كانت عشرة أخرج قدر الحرام [ ص: 664 ] منها ، وإن كانت أقل امتنع من جميعها ، قال : ويجب أن لا يكون هذا حدا ، وإنما يكون الاعتبار بما كثر عادة ، وقيل له بعد ذلك : قد قلتم : إذا اختلط درهم حرام بدراهم يعزل قدر الحرام ويتصرف في الباقي . فقال : إن كان للدراهم مالك معين لم يجز أن يتصرف في شيء منها منفردا ، وإلا عزل قدر الحرام وتصرف في الباقي ، وكان الفرق بينهما أنه إذا كان معروفا فهو شريك معه ، فهو يتوصل إلى مقاسمته ، وإذا لم يكن معروفا فأكثر ما فيه أنه مال للفقراء ، فيجوز له أن يتصدق به ، واختار القاضي في موضع آخر والأصحاب والشيخ أن كلام أحمد ليس للتحديد ، وأن الواجب إخراج قدر الحرام ( م 3 ) ; لأنه لم يحرم لعينه ، وإنما حرم لتعلق حق غيره به ، [ ص: 665 ] فإذا أخرج عوضه زال التحريم عنه ، كما لو كان صاحبه حاضرا فرضي بعوضه ، وظاهره : ولو علم صاحبه ، وليس بمراد ، وقد سبق كلام أحمد والقاضي ، ويأتي إن شاء الله تعالى في الغصب الخلاف في المغصوب إذا خلطه بما لا يتميز ، كدراهم وزيت ، هل يلزم مثله منه أو من حيث شاء ؟ وذكر ابن الصيرفي في النوادر عن أحمد : إذا اختلط زيت حرام بمباح تصدق به ، هذا مستهلك ، والنقد يتحرى ، وذكر الخلال عن أبي طالب عن أحمد في الزيت : أعجب [ إلي ] أن يتصدق به ، هذا غير الدراهم ، وذكر الأصحاب في الدراهم أن الورع ترك الجميع .

وقال شيخنا : لا يتبين لي أن ذلك من الورع ، ومتى جهل قدر الحرام تصدق بما يراه حراما ، نقله فوران فدل هذا أنه يكفي الظن ، وقاله ابن الجوزي ، ويتوجه أنها كصلاة من خمس ، وقد يفرق بكثرة المشقة ، لكثرة [ ص: 666 ] اختلاط الأموال ، فتعم البلوى ، قال أحمد : لا يبحث عن شيء ما لم يعلم ، فهو خير ، وبأكل الحلال تطمئن القلوب وتلين .


[ ص: 664 ] مسألة 3 ) قوله : وإن أراد من معه مال حلال وحرام أن يخرج من إثم الحرام أو يتصرف فنقل جماعة التحريم إلا أن يكثر الحلال وعنه أيضا : إنما قلته في درهم حرام مع آخر ، وعنه أيضا : في عشرة فأقل لا تجحف به .

وقال القاضي في الخلاف الاعتبار بما كثر عادة واختار القاضي في موضع آخر والأصحاب والشيخ أن كلام أحمد ليس للتحديد ، وأن الواجب إخراج قدر الحرام ، انتهى .

( قلت ) : هذا هو الصواب ، وهو المذهب ، فإذا فعل ذلك وتصرف خرج من الإثم وجاز له التصرف ، والله أعلم .

( تنبيه ) حصل في كلام المصنف تكرار ، فإنه ذكر ما هنا بعينه في أول باب الشركة ، وحصل في كلامه في الموضعين نظر من وجوه ، منها قوله هنا " نقل جماعة التحريم إلا أن يكثر الحلال " وقال هناك " نقل الجماعة " بالتعريف و " جماعة " غير " الجماعة " في مصطلحه ومصطلح غيره ، ومنها قوله هنا " وذكر ابن عقيل في النوادر " وذكر هناك " وذكر ابن عقيل والنوادر " وهو [ ص: 665 ] الصواب ، إذ ابن عقيل ليس له نوادر ، ولا ذكرها أحد في مصنفاته ، وإنما هي لابن الصيرفي ، ومنها أن ظاهر كلامه هنا إطلاق الخلاف ، وهناك قدم حكما ، ومنها قوله هنا " واختار القاضي والأصحاب والشيخ أن كلام أحمد ليس للتحديد ، وأن الواجب إخراج قدر الحرام " وقال هناك " واختار الأصحاب : لا يخرج قدر الحرام " وقال أيضا هنا " وذكر الأصحاب في الدراهم أن الورع ترك الجميع " فهذه ثلاث مسائل في هذا الباب قد صححت بحمد الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية