صفحة جزء
فصل الشرط الخامس لوجوب الحج والعمرة ملك الزاد والراحلة ، نص عليه ( و هـ ش ) وأكثر العلماء .

وقاله بعض المالكية ، ومذهب ( م ) لا يشترط ذلك إلا لمن يعجز عن السفر ولا حرفة له ، فإن أمكنه المشي والتكسب بالصنعة فعليه الحج ، وفيمن عادته السؤال والعادة إعطاؤه قولان للمالكية ، واعتبر ابن الجوزي في كشف المشكل الزاد والراحلة في حق من يحتاجهما كقول مالك ، قال في الرعاية : وقيل : من قدر أن يمشي عن مكة مسافة القصر لزمه الحج والعمرة ، لأنه مستطيع ، فيدخل في الآية ، ولأن القدرة على الكسب كالمال في حرمان الزكاة ووجوب الجزية ونفقة القريب الزمن والمدين لوفاء دينه ، فكذا هنا . وعندنا [ ص: 227 ] وعند الأولين يستحب لمن أمكنه المشي والكسب بالصنعة ، ويكره لمن حرفته المسألة : وقد قال أحمد فيمن يدخل البادية بلا زاد ولا راحلة لا أحب له ذلك يتوكل على أزواد الناس ، واختلف الأصحاب في قوله : لا أحب ، هل هو للتحريم ؟ والتوكل على الله واجب . قال شيخنا : باتفاق أئمة الدين . واحتجوا بما رواه سعيد : حدثنا خالد بن عبد الله عن يونس عن الحسن مرسلا { قيل : يا رسول الله ، ما السبيل ؟ قال : الزاد والراحلة } ورواه أيضا عن هشيم حدثنا يونس عن الحسن مرسلا ، ورواه أحمد عن هشيم ، سأل مهنا أحمد : هل شيء يجيء عن الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو صحيح ما نكاد نجدها إلا صحيحة ولا سيما مثل هذا المرسل ، فلا يضر قوله في رواية الفضل بن زياد : ليس في المرسلات أضعف من مرسلات الحسن وعطاء ، كأنهما كانا يأخذان من كل ، ولعله أراد مرسلات خاصة ، وعن قتادة عن أنس مرفوعا مثله ، له غير طريق . وبعضها جيد ، رواه أبو بكر بن مردويه والدارقطني ، والحاكم وقال : حديث صحيح ، والبيهقي وقال : المحفوظ عن قتادة وغيره عن الحسن مرسل ، كذا قال .

وقال الحافظ ضياء الدين : بعض طرقه لا بأس بها .

وقال صاحب المحرر : إسناده جيد ، وقد روى الدارقطني وغيره هذا الخبر عن جماعة كثيرة من الصحابة مرفوعا ، ولا يصح منها شيء ، وتوقف صاحب المحرر في غير حديث منها ، وردد النظر فيه ، وليس الأمر كذلك ، ورواه الترمذي [ ص: 228 ] من حديث ابن عمرو قال : والعمل عليه عند أهل العلم ، وحسنه الترمذي وليس بحسن فإنه من رواية إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو متروك ، ورواه ابن ماجه من حديث ابن عباس ، وفيه عمر بن عطاء بن وراز وهو ضعيف ، وقياسا على الجهاد . وعند المالكية لا يعتبر فيه زاد ولا راحلة ، فالدليل عليه قوله تعالى { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم } الآية ، ولا تجب الزكاة والكفارة بالقدرة على الكسب ، فكذا الحج ، وقد تزول القدرة في الطريق فيفضي إلى ضرر كثير ، بخلاف ما ذكروه ، والله أعلم . ويعتبر الزاد قربت المسافة أو بعدت ( و هـ ش ) والمراد إن احتاج إليه ، ولهذا قال ابن عقيل في الفنون : الحج بدني محض ، ولا يجوز دعوى أن المال شرط في وجوبه ، لأن الشرط لا يحصل المشروط دونه ، وهو المصحح للمشروط . ومعلوم أن المكي يلزمه ولا مال ، وقاله الحنفية . وتعتبر الراحلة مع بعدها وهو مسافة القصر فقط ، ( و هـ ش ) إلا مع عجز ، كشيخ كبير ، لأنه لا يمكنه ، قال في الكافي : لا حبوا ولو أمكنه ، وهو مراد غيره . ويعتبر ملك الزاد ، [ ص: 229 ] فإن وجده في المنازل لم يلزمه حمله ، وإلا لزمه ( و هـ ش ) وأن يجده بثمن مثله ، وإن وجده بزيادة فهي كمسألة شراء الماء للوضوء ، كما سبق ( و هـ ش ) وفرق أبو الخطاب فاشترط لوجوب بذل الزيادة كونها يسيرة في الماء ، لتكرر عدمه ، وله بدل ، بخلاف الحج ، ولأنه التزم فيه المشاق ، فكذا زيادة ثمن لا يجحف ، لئلا يفوت ، وهو الذي في المستوعب والكافي والرعاية وغيرها . وتعتبر القدرة على وعاء الزاد ، لأنه لا بد منه ، وتعتبر الراحلة وما يحتاج من آلتها بشراء أو كراء صالحا لمثله عادة ، لاختلاف أحوال الناس ، لأن اعتبار الراحلة للقادر على المشي لدفع المشقة ، كذا ذكره بعضهم ، كالشيخ ، ولم يذكره بعضهم ، لظاهر النص ، واعتبر في المستوعب إمكان الركوب ، مع أنه قال : راحلة تصلح لمثله وإن لم يقدر على خدمة نفسه والقيام بأمره اعتبر من يخدمه ، لأنه من سبيله ، كذا ذكره الشيخ ، وظاهره لو أمكنه [ لزمه ] عملا بظاهر النص ، وكلام غيره يقتضي أنه كالراحلة ، لعدم الفرق ، والمراد بالزاد أن لا يحصل معه ضرر لرداءته ، وأما عادة مثله فقد يتوجه احتمال كالراحلة ، وظاهر كلامهم يلزمه ، لظاهر النص ، ولئلا يفضي إلى ترك الحج ، بخلاف الراحلة . ويعتبر الزاد والراحلة لذهابه وعوده ، خلافا لبعض الشافعية إن لم يكن له في بلده أهل لم يعتبر للعود ، لأنه وإن تساوى المكانان فإنه يستوحش الوطن والمقام بالغربة ( و هـ ش ) . [ ص: 230 ] ويعتبر أن يجد الماء والعلف في المنازل التي ينزلها بحسب العادة بثمن مثله أو بالزيادة المذكورة ، ولا يلزمه حمله لجميع سفره ، لمشقته عادة ، وذكر ابن عقيل : يلزمه حمل علف البهائم إن أمكنه ، كالزاد ، وأظن أنه ذكره في الماء أيضا . ويعتبر كون ذلك فاضلا عما يحتاجه لنفسه وعائلته من مسكن ( و ش ) وخادم وما لا بد منه ( و هـ ش ) خلافا لبعض الشافعية ، ويشتريهما بنقد بيده ، خلافا لأبي يوسف في المسكن ، لأن ذلك لا يلزمه في دين الآدمي ، على ما يأتي ، وتضرره بذلك فوق مشقة المشي في حق القادر عليه . وإن فضل من ثمن ذلك ما يحج به بعد شرائه منه ما يكفيه لزمه . ويعتبر كونه فاضلا عن قضاء دين حال أو مؤجل لآدمي أو لله ، ونفقة عياله إلى أن يعود ( و هـ ش ) وأن يكون له إذا رجع ما يقوم بكفايته وكفاية عياله على الدوام من عقار أو بضاعة أو صناعة ، جزم به صاحب الهداية ومنتهى الغاية وجماعة ، لتضرره بذلك ، كما سبق . وكالمفلس [ على ] ما يأتي [ إن شاء الله ] وقال في الروضة والكافي : إلى أن يعود فقط ، وقدمه في الرعاية ( و هـ ش ) فيتوجه أن المفلس مثله وأولى . وقد نقل أبو طالب : يجب عليه الحج إذا كان معه نفقة تبلغه مكة ويرجع ، ويخلف نفقة لأهله حتى يرجع .

التالي السابق


الخدمات العلمية