صفحة جزء
فصل من لزمه الحج أو العمرة لم يجز تأخيره ، بل يأتي به على الفور ، نص عليه ( و هـ م ر ) وأبي يوسف وداود ، بناء على أن الأمر على الفور ، ولحديث ابن عباس { تعجلوا إلى الحج } يعني الفريضة ، وحديثه أو حديث الفضل { من أراد الحج فليتعجل } رواهما أحمد ، ولابن ماجه الثاني ، وفيهما أبو إسرائيل الملائي إسماعيل بن خليفة ضعيف عندهم إلا رواية عن ابن معين ، ولأحمد وأبي داود من حديث ابن عباس مثله ، رواه عنه مهران ، تفرد عنه الحسن بن عمرو ، ووثقه ابن حبان ، ولما يأتي في الفوات والإحصار ، وكالجهاد وكحج المعضوب بالاستنابة عند الشافعي كذا احتج به بعضهم ، ولأنه لو مات عاصيا ، للأخبار ، وهو الأصح للشافعية ، وقيل : لا . وقيل : لا ، في الشاب . وكذا الخلاف لهم في صحيح لم يحج حتى زمن ، قالوا : فإن عصى استنيب عنه على الفور ، لخروجه [ ص: 243 ] بتقصيره عن استحقاق الترفه ، وقيل : لا ، كمن بلغ معضوبا . ويعصي عندهم من السنة الآخرة من [ آخر ] سني الإمكان ، لجواز التأخير إليها ، وقيل : من الأولى ، لاستقرار الفرض فيها ، وقيل : لا يسند عصيانه إلى سنة معينة ، وحيث عصى لم يحكم بشهادته قبل موته ، لبيان فسقه ، وإن حكم بها فيما بين الأولى والآخرة . وقيل : يعصي ، فقد بان فسقه ، ففي نقضه القولان . والله أعلم . وقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤخره ، فإنه فرض سنة عشر ، والأشهر سنة تسع ، فقيل : أخره لعدم استطاعته ، وقيل : لأنه كره رؤية المشركين عراة حول البيت ، وقيل : بأمر الله لتكون حجته حجة الوداع في السنة التي استدار فيها الزمان وتتعلم منه أمته المناسك التي استقر أمره عليها ( م 15 ) وظاهر [ ص: 244 ] قوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } يقتضي الإتمام بعد الشروع ، ولهذا قال : { فإن أحصرتم } ولا حصر قبل الشروع ، وسبب النزول إحرامهم بالعمرة وحصرهم عنها ، فبين حكم النسكين ، ويحمل قول علي وابن مسعود : إتمامهما أن تحرم من دويرة أهلك على الندب عندهما ، وذكر ابن أبي موسى وجها ذكره ابن حامد رواية أنه يجوز تأخيره ، زاد صاحب المحرر : مع العزم على فعله في الجملة ( و ش ) ومحمد بن الحسن ، لما سبق ، ولأنه لو أخره لم يسم قضاء ، وأجيب بأنه يسمى فيه وفي الزكاة ، وذكره في الرعاية وجها ثم يبطل بتأخيره إلى سنة يظن موته فيها ، وسبق العزم في الصوم والصلاة .


[ ص: 243 ] ( مسألة 15 ) قوله : وقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤخره فإنه فرض سنة عشر ، والأشهر سنة تسع : فقيل : أخره لعدم الاستطاعة وقيل : لأنه كره رؤية المشركين عراة حول البيت ، وقيل : بأمر الله تعالى لتكون حجته حجة الوداع في السنة التي استدار فيها الزمان وتتعلم منه أمته المناسك التي استقر أمره عليها ، انتهى . القول الأول حكاه الشيخ في المغني والمجد في شرحه والشارح احتمالا ، قال المجد : حكى ذلك جدي في تفسيره . فقال : يكون تأخيره لاحتمال عدم الاستطاعة ، إما في حقه وحق الله لخوفه على المدينة من المنافقين واليهود ، وإما لحاجة وفقر في حقه منعه من الخروج ، ومنع أكثر أصحابنا خوفا عليه ، انتهى ما حكاه المجد عن جده . والقول الثاني احتمال أيضا للشيخ في المغني والمجد في شرحه والشارح وغيرهم ، وقواه المجد واستدل له بأشياء ومال إليه ( والقول الثالث ) احتمال أيضا لمن ذكرنا ، [ ص: 244 ] ومال إليه الشيخ الموفق والشارح ( قلت ) : وهو قوي جدا ، قال المجد : وقاله أبو زيد الحنفي .

( قلت ) : تأخير ذلك بأمر الله تعالى ، وهذا مما لا شك فيه ، وفي تأخيره حكم كثيرة ، منها : لئلا يرى المشركين وغير ذلك ، فتكون حكمة الله في تأخيره لمجموع ذلك ، والله أعلم بالصواب ، ويحتمل أنه إنما أخره لأنه قد حج قبل الهجرة ، فاكتفى به في حقه ، عليه أفضل الصلاة والسلام خاصة لاختصاصه بالدين الحنيفي ، فكملت أركانه بالنسبة إليه ، ولم يعتبر ذلك بالنسبة إلى غيره ، لعدم حج غيره بعد إسلامه قبل فرضه ، ذكره ابن نصر الله في حواشيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية