صفحة جزء
فصل

يلزم المتمتع دم ، بالإجماع ، وهو دم نسك لا جبران ، وسبق في أفضلية التمتع ، وإنما يجب بشروط : ( أحدها ) أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ، قال أحمد : عمرته في الشهر الذي أهل واحتج بقول جابر السابق ; ولأن الإحرام نسك يعتبر للعمرة أو من أعمالها ، فاعتبر في أشهر الحج ، كالطواف . فإن قيل : ليس منها ، وإنما يتوصل به إليها ثم استدامته كابتدائه كحرية العبد بعرفة . قيل : من أعمالها أنه يعتبر له ما يعتبر لها ، وينافيه ما ينافيها ، وليس .

[ ص: 311 ] استدامته كابتدائه ، كما لو أحرم بالصلاة قبل وقتها واستدامه . وإنما أجزأه إذا أعتق ; لأن عرفة معظم الحج لا لأن ابتداءه كاستدامته ، وعند مالك : عمرته في الشهر الذي يحل فيه ، وعند أبي حنيفة : إن طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهره فليس بمتمتع ، وإلا فمتمتع ، لأمنه إفسادها بوطء بعد الأربعة ، عنده ، والأظهر ، عن الشافعي : إن أتى بأفعالها أو بعضها في أشهره لم يلزمه دم . ثم قيل عندهم : يلزمه دم الإساءة ، لإحرامه بالحج من مكة ، والأصح : لا ، لأنه جاوز الميقات محرما .

( الثاني ) أن يحج من عامه ( و ) خلافا للحنفية ; لأن ظاهر الآية الموالاة ; ولأنه أولى لو اعتمر في غير أشهره ثم حج من عامه ، لكثرة التباعد .

( الثالث ) أن لا يسافر بين العمرة والحج ، فإن سافر مسافة قصر فأكثر أطلقه جماعة ، ولعل مرادهم : فأحرم به . فلا دم عليه ، نص [ عليه ] وروي عن عمر رضي الله عنه : من رجع فليس بمتمتع . وهو عام ; ولأنه مسافر لم يترفه بترك أحد السفرين كمحل الوفاق . ولا يلزم المفرد ; لأن عمرته في غير أشهره . وفي الفصول والمذهب والمحرر : فإن أحرم به من الميقات فلا دم . نص عليه أحمد ( و ش ) وحمله القاضي على أن بينه وبين مكة مسافة قصر .

وقال ابن عقيل : بل هو رواية كمذهب ( ش ) وفي الترغيب : إن سافر إليه فأحرم منه فوجهان ; لأن الدم وجب لترك الإحرام من الميقات ، رد بالمنع بدليل القارن . وقال أبو حنيفة : إن رجع .

[ ص: 312 ] إلى أهله فلا دم ، روي عن ابن عمر . وقال مالك : إن رجع إلى بلده أو بقدره فلا دم . ويتوجه احتمال : يلزمه دم وإن رجع .

وقاله الحسن وابن المنذر ، ومعناه عن ابن عباس ، لظاهر الآية . قال القاضي في قول ابن عباس : لا يمنع أنه متمتع لكن عليه دم . وإن رجع إلى الميقات محرما فالخلاف .

( الرابع ) أن يحل من إحرام العمرة قبل إحرامه بالحج ، تحلل أو لا فإن أحرم به قبل حله منها صار قارنا .

( الخامس ) أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام ( ع ) للآية ، وهم أهل الحرم ومن كان منه ، وذكره ابن هبيرة قول أحمد والشافعي ، وقيل : من مكة ، وقاله أحمد دون مسافة قصر ، نص عليه ( و ش ) لأن .

[ ص: 313 ] حاضر الشيء من حل فيه أو قرب منه وجاوره ، بدليل رخص السفر . والبعيد يترخص ، فأشبه من وراء الميقات إلينا . وقال ( م ) هم أهل مكة . وقال ( هـ ) أهل المواقيت ومن دونهم إلى مكة ، ومن منزله قريب وبعيد لم يلزمه دم ; لأن بعض أهله من حاضري المسجد ، فلم يوجد الشرط ، وله أن يحرم من القريب ، واعتبر في المجرد والفصول إقامته أكثر بنفسه ، ثم بماله ، ثم ببيته ، ثم الذي أحرم منه ( و ش ) وإن دخل أفقي مكة متمتعا ناويا للإقامة بها بعد فراغ نسكه أو نواها بعد فراغه منه فعليه الدم ( و ) وحكي وجه ، وإن استوطن أفقي مكة فحاضر . وإن استوطن مكي بالشام ثم عاد مقيما متمتعا لزمه الدم . وفي المجرد والفصول : لا ، كسفر غير مكي ثم عاد .

( السادس ) أن يحرم بالعمرة من الميقات . ذكره أبو الفرج والحلواني ، وذكر القاضي وابن عقيل وجزم به في المستوعب والرعاية وغيرهما إن بقي بينه وبين مكة دون مسافة القصر فأحرم منه لم يلزمه دم المتعة ; لأنه من حاضر المسجد ، بل دم المجاوزة ، وقاله أكثر الشافعية وبعضهم كالأول ، واختار الشيخ وغيره : إذا أحرم منه لزمه الدمان ; لأنه لم يقم ولم ينوها به ، وليس بساكن ، ونص أحمد .

[ ص: 314 ] في أفقي أحرم بعمرة في غير أشهره ثم أقام بمكة واعتمر من التنعيم في أشهره وحج من عامه أنه متمتع عليه دم . قال : فالصورة الأولى أولى .

وقال : قال ابن المنذر وابن عبد البر : أجمع العلماء أن من أحرم بعمرة في أشهره وحل منها وليس من حاضري المسجد الحرام ثم أقام بمكة حلالا ثم حج من عامه أنه متمتع عليه دم .

( السابع ) نية التمتع في ابتداء العمرة أو أثنائها ، ذكره القاضي ، وتبعه الأكثر ، واختار الشيخ وغيره : لا ، وهو أصح للشافعية ، لظاهر الآية ، وحصول الترفه ، ولا يعتبر وقوع النسكين عن واحد ، ذكره بعضهم وأكثر الشافعية . ولا تعتبر هذه الشروط في كونه متمتعا ، وهو أصح للشافعية ، ومعنى كلام الشيخ : يعتبر ، وجزم به في الرعاية إلا الشرط السادس ، فإن المتعة للمكي كغيره ( و م ش ) نقله الجماعة ، كالإفراد وكسائر الطاعات ، بل هم أولى ; لأنهم سكان حرم الله ، ونقل المروذي : ليس لأهل مكة متعة ، قال القاضي وغيره : معناه ليس عليهم دم المتعة ، وذكر ابن عقيل رواية : لا يصح منهم .

وقال ( هـ ) : لا يصح منه المتعة والقران ، ويكره له ذلك ، ومتى فعله لزمه دم جناية . وتحرير مذهب أبي حنيفة أن المكي لو أحرم بعمرة ثم بحج فإنه يرفض الحج وعليه لرفضه دم ، وعليه حجة وعمرة ، وعند صاحبيه : يرفض العمرة ، ويقضيها ، وعليه دم ، [ ص: 315 ] لأنه لا بد من رفض أحدهما ; لأن الجمع بينهما لا يشرع للمكي ، ورفضها أولى ; لأنها أدنى ، وأقل عملا ، وأيسر قضاء ، لعدم توقيتها ، وعند ( هـ ) تأكد إحرامها بفعله بعضها ، وفي رفضها إبطال العمل ، والحج لم يتأكد ، وفي رفضه امتناع عنه ، وإنما لزمه بالرفض دم لتحلله قبل أوانه ، لتعذر المضي فيه ، كالمحصر ، وفي رفض العمرة قضاؤها ، وفي رفض الحج قضاؤه وعمرة ; لأنه في معنى فائت الحج ، وإن مضى عليهما أجزأه لتأدية ما التزمه ، لكنه منهي عنه ، ولا يمنع تحقق الفعل ، على أصلهم ، وعليه دم ، لجمعه بينهما ، لتمكن النقص في عمله ، للنهي ، فهو دم جبر ، وفي حق الأفقي دم شكر .

وإن كان طاف للعمرة أربعة أشواط ثم أحرم بالحج رفضه ; لأن للأكثر حكم الكل ، فيتعذر رفضها ، كفراغها ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية