صفحة جزء
[ ص: 340 ] فصل

التلبية سنة لا تجب ، وسبق أول الباب ، وتستحب عقب إحرامه ، جزم به بعضهم ، لما سبق ، وجزم بعضهم إذا ركب ، والمراد : واستوت به راحلته قائمة ; لأنه في الصحيحين من حديث ابن عمر ، ولفظ البخاري من حديث جابر وأنس : أهل . ونقل حرب : يلبي متى شاء ساعة يسلم وإن شاء بعد ، وعند الشافعية هي كالإحرام . وصفتها في الصحيحين عن ابن عمر { أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك ، والملك لا شريك لك } قال الطحطاوي والقرطبي : أجمع العلماء على هذه التلبية ، ويقول " لبيك إن . بكسر الهمزة عند أحمد ، قال شيخنا : هو أفضل عند أصحابنا والجمهور ، فإنه حكي عن محمد بن الحسن والكسائي والفراء وغيرهم ، وقاله الحنفية والشافعية ، وحكى الفتح عن أبي حنيفة وآخرين قال ثعلب : من كسر فقد عم يعني حمد لله على كل حال ، قال : ومن فتح فقد خص ، أي لأن الحمد لك أي لهذا السبب . ولبيك لفظه مثنى ، وليس بمثنى ، لأنه لا واحد له من لفظه ، ولم يقصد به التثنية بل للتكثير . والتلبية من لب بالمكان إذا أقام به ، أي أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة ، كما قالوا : حنانيك ونحوه ، والحنان الرحمة وعند يونس لفظها مفرد ، والياء فيها كالياء في عليك وإليك ولديك ، قلبت الباء الثالثة ياء استثقالا لثلاث باءات ، ثم ألفا لتحركها وانفتاح [ ص: 341 ] ما قبلها ، ثم ياء لإضافتها إلى مضمر ، كما في لديك ، ورده سيبويه بقول الشاعر : "

فلبي يدي مسور " بالياء دون الألف

مع إضافته إلى الظاهر ، وهي جواب الدعاء . والداعي قيل : هو الله ، وقيل : محمد ، وقيل : إبراهيم عليهما الصلاة والسلام ( م 7 ) ولا تستحب الزيادة عليها ( هـ ) ولا يكره ، نص عليه ( و م ش ) لقول ابن عمر : إن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم كان لا يزيد على ذلك . وزاد ابن عمر في آخرها لبيك لبيك وسعديك ، والخير في يديك ، والرغباء إليك والعمل . متفق عليه . وفي الموطإ وأبي داود في زيادته : { لبيك لبيك لبيك ، ثلاث مرات } . وزاد عمر ما زاده ابنه . متفق عليه وعنه أيضا : لبيك ذا النعماء والفضل الحسن ، لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك . رواه الأثرم وابن المنذر ولمسلم وأبي داود من حديث جابر كخبر ابن عمر ، .

[ ص: 342 ] والناس ذا المعارج ونحوه من الكلام ، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا ، ولزم تلبيته . وعن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في تلبيته لبيك إله الحق لبيك } حديث حسن ، رواه أحمد والنسائي وابن ماجه ، وصححه ابن حبان والحاكم .

وفي الإفصاح لابن هبيرة : تكره الزيادة ، وقيل له : الزيادة بعدها لا فيها ، وللبخاري التلبية من حديث عائشة كابن عمر ، وليس فيه " والملك لا شريك لك " وقد نقل المروذي : كان في حديث ابن عمر { والملك لا شريك لك } فتركه لأن الناس تركوه ، وليس في حديث عائشة واستحب الشافعية إذا رأى ما يعجبه : لبيك إن العيش عيش الآخرة ، لرواية الشافعي عن مجاهد مرسلا : تلبية ابن عمر حتى إذا كان ذات يوم والناس ينصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد فيه ذلك ، وكذا ذكر الآجري إذا رأى ما يعجبه قال : اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة . ويستحب أن يلبي عن أخرس ومريض ، نقله ابن إبراهيم ، قال جماعة : وجنون وإغماء ، زاد بعضهم : ونوم ، وقد ذكروا أن إشارة الأخرس المفهومة كنطقه . وتتأكد التلبية إذا علا نشزا أو هبط واديا أو لقي رفقة ، أو سمع ملبيا ، وعقيب مكتوبة ، أو أتى محظورا ناسيا ، وأول الليل والنهار ، أو ركب ، زاد في الرعاية : أو نزل ، وقاله الشافعية ، ولم يقيدوا الصلاة بمكتوبة . قال النخعي : كانوا يستحبون التلبية دبر الصلاة المكتوبة وإذا هبط واديا أو علا نشزا أو لقي ركبا أو استوت به راحلته . وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبي في حجته . [ ص: 343 ] كذلك ، ولم يذكر : إذا استوت به راحلته ، وزاد : ومن آخر الليل

، وعند مالك : لا يلبي عند لقاء الرفقة ، وفي المستوعب : يستحب عند تنقل الأحوال به ، وذكر كما سبق ، وزاد : وإذا رأى البيت . ويستحب رفع صوته بها ، لخبر السائب بن خلاد { أتاني جبريل عليه السلام فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية } أسانيده جيدة ، رواه الخمسة ، وصححه الترمذي ، ولأحمد من رواية ابن إسحاق { أن جبريل قال له كن عجاجا ثجاجا } والعج : التلبية ، والثج : نحر البدن . وعن ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن يربوع عن أبي بكر الصديق [ رضي الله عنه ] { أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الحج أفضل ؟ قال : العج والثج } عبد الرحمن تفرد عنه ابن المنكدر ، قال الترمذي : ولم يسمع منه ، وقال : حديث غريب ، ومن رواه على غير ذلك فقد أخطأ عند أحمد والبخاري والترمذي .

وقال أحمد وابن معين في رواية مهنا : أصل الحديث معروف ، ويختلفون في إسناده . وكره مالك إظهارها في غير المساجد ، حكاه بعضهم ، وذكر ابن هبيرة أنهم اتفقوا على أن أظهارها مسنون في الصحاري ، ولا يستحب إظهارها في مساجد الحل وأمصارها ( هـ ) ذكره الأصحاب ، والمنقول عن أحمد : إذا أحرم في مصره .

[ ص: 344 ] لا يعجبني أن يلبي حتى يبرز ، لقول ابن عباس لمن سمعه يلبي بالمدينة : إن هذا لمجنون ، إنما التلبية إذا برزت واحتج القاضي وأصحابه بأن إخفاء التطوع أولى خوف الرياء على من لا يشاركه في تلك العبادة ، بخلاف البراري وعرفات والحرم ومكة ، واحتج الشيخ بكراهة رفع الصوت في المسجد . وجديد قولي الشافعي كما سبق عن أبي حنيفة وجمهور أصحابه أن الخلاف في أصل التلبية ، فإن استحبت استحب إظهارها وإلا فلا ، وبعضهم في إظهارها وأنه إن لم يستحب ففي المساجد الثلاثة وجهان ، وذكر ابن هبيرة عن مالك وأحمد كقولنا ، وعند شيخنا : لا يلبي بوقوفه بعرفة ومزدلفة ، لعدم نقله ، كذا قال ، وكانت عائشة تتركها إذا راحت إلى الموقف ، وعن جعفر بن محمد أن عليا كان يقطعها إذ زاغت الشمس من يوم عرفة ، رواهما مالك ، ويأتي متى يقطعها . والإكثار منها ، لخبر سهل بن سعد { ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه وعن شماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهنا } رواه ابن ماجه من رواية إسماعيل بن عياش عن المدنيين ، وهو ضعيف عنهم ، وكذا الترمذي ، ورواه أيضا بإسناد جيد .

وعن جابر مرفوعا { ما من محرم يضحي لله يومه يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه فعاد كما ولدته أمه } إسناده ضعيف ، رواه أحمد وابن ماجه .

[ ص: 345 ] والدعاء بعدها ( م ) لخبر خزيمة : { إنه كان يسأل الله رضوانه والجنة ، ويستعيذ برحمته من النار } ، إسناده ضعيف ، رواه الشافعي والدارقطني . والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعدها ( م ) لقول القاسم [ ابن محمد ] كان يستحب ذلك ، فيه صالح بن محمد بن زائدة ، قواه أحمد ، وضعفه الجماعة ، رواه الدارقطني ; ولأنه يشرع فيه ذكر الله كصلاة وأذان . ولا يستحب تكرار التلبية في حالة واحدة . قاله أحمد ، وقاله في المستوعب وغيره ، وقال له الأثرم : ما شيء يفعله العامة يكبرون دبر الصلاة ثلاثا ؟ فتبسم وقال : لا أدري من أين جاءوا به ، قلت : أليس يجزئه مرة ؟ قال : بلى ; لأن المروي التلبية مطلقا . واستحبه في الخلاف ، لتلبسه بالعبادة .

وقال الشيخ : حسن ، { فإن الله وتر يحب الوتر } . وعن ابن مسعود { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا دعا ثلاثا ، وإذا سأل سأل ثلاثا } . رواه مسلم ، ولأحمد وأبي داود { أنه كان يعجبه أن يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا } . وللبخاري عن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه } وفي الرعاية : يكره تكرارها في حالة واحدة ، كذا قال وتسن نسقا ، ومثلها التكبير دبر الصلاة في الأضحى والتشريق ، ذكره الشيخ ، ويعتبر أن تسمع امرأة نفسها بها ( و ) والسنة أن لا ترفع صوتها ، حكاه ابن عبد البر ( ع ) . ويكره جهرها أكثر من قدر سماع رفيقها ، خوف الفتنة ( و ش ) ومنعها في الواضح ، ومن أذان أيضا ، وعلى .

[ ص: 346 ] قولنا : صوتها عورة تمنع ، كبعض الشافعية ، وظاهر كلام بعض أصحابنا : تقتصر على إسماع نفسها ، وهو متجه ( و ش ) وفي كلام أبي الخطاب والشيخ والمستوعب وجماعة : لا ترفع إلا بقدر ما تسمع رفيقتها . ولا تشرع إلا بالعربية إن قدر ، كأذان وذكر وصلاة ، ولم يجوز أبو المعالي الأذان بغير العربية إلا لنفسه مع عجزه


( مسألة 7 ) قوله في التلبية : هي جواب الدعاء ، والداعي قيل : هو الله تعالى وقيل محمد وقيل إبراهيم عليهما من الله أفضل الصلاة والسلام ، انتهى .

( قلت ) أكثر العلماء على أنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، وقد قطع به البغوي وغيره من أهل التفسير .

التالي السابق


الخدمات العلمية