صفحة جزء
[ ص: 577 ] كتاب النفقات يلزم الزوج نفقة زوجته وكسوتها وسكناها بما يصلح لمثلها بالمعروف ، ويعتبر ذلك الحاكم عند التنازع بحالهما ، فيفرض لموسرة مع موسر كفايتها خبزا خاصا بأدمه المعتاد لمثلها ، ولو تبرمت بأدم نقلها إلى أدم غيره ، وظاهر كلامهم أنه يفرض لحما عادة الموسرين بذلك الموضع ، وذكره في الرعاية قولا ، وأنه أظهر ، وقدم كل جمعة مرتين ، ويتوجه العادة ، لكن يخالف في إدمانه ، ولعل هذا مرادهم . وما يلبس مثلها من حرير وخز وجيد كتان وقطن ، وأقله قميص وسراويل ووقاية ، وهي ما تضعه فوق المقنعة ، وتسمى الطرحة ، ومقنعة ومداس وجبة للشتاء ، وللنوم فراش ولحاف ومخدة .

وفي التبصرة : وإزار وللجلوس زلي [ ص: 578 ] وهو بساط من صوف ورفيع الحصر ، وفقيرة مع فقير خبز خشكار بأدمه وزيت مصباح ، وذكر جماعة : لا يقطعها اللحم فوق أربعين ، وقدم في الرعاية كل شهر مرة ، وقيل : العادة ، وهو ظاهر كلام الأكثر ، وقيل لأحمد : في كم يأكل الرجل اللحم ؟ قال : في أربعين يوما .

وقال في رواية الميموني : عمر بن الخطاب قال : إياكم واللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر ، قال إبراهيم الحربي : يعني إذا أكثر منه ، ومنه : كلب ضار ، وما يلبس مثلها وينام فيه ويجلس عليه ، وللمتوسطة مع المتوسط والموسرة مع الفقير وعكسها ما بين ذلك عرفا .

وفي المغني والترغيب : لا يلزمه خف وملحفة ، وعند القاضي : الواجب ليوم رطلا خبز بحسبهما بأدمه دهنا بحسب البلد .

وفي الترغيب عنه : لموسرة مع فقير أقل كفاية والبقية في ذمته ، ولا بد من ماعون الدار ، ويكتفى بخزف وخشب ، والعدل ما يليق بهما ، وقدر الشافعي النفقة بالحب ، فعلى الفقير مد ، وعلى الموسر مدان ، لأنه أكثر واجب في كفارة وهي كفارة الأذى ، وعلى المتوسط نصفهما ، وإن أكلت معه فهل تسقط نفقتها عملا بالعرف أم لا لأنه لم يقم بالواجب ؟ للشافعية وجهان ، واختلفوا في الترجيح ، قالوا : فإن لم يأذن الولي لها لم تسقط ، وجها واحدا . ويلزمه مؤنة نظافتها من دهن [ ص: 579 ] وسدر ومشط وثمن ماء وأجرة قيمة ونحوه . وفي الواضح وجه ، قال في عيون المسائل : لأن ما كان من تنظيف على مكتر ، كرش وكنس وتنقية الآبار ، وما كان من حفظ البنية كبناء حائط وتقيير الجذع على مكر ، فالزوج كمكر ، والزوجة كمكتر ، وإنما يختلفان فيما يحفظ البنية دائما من الطعام ، فإنه يلزم الزوج ، لا دواء وأجرة طبيب وحناء ونحوه وثمن طيب ، وفيه وجه في الواضح ، فإن أراد منها التزين به وفي المغني والترغيب : أو قطع رائحة كريهة لزمه ، ويلزمها ترك حناء وزينة نهي عنها ، ذكره شيخنا ، من مثلها يخدم ولا خادم لها ولو لمرض خلافا للترغيب : فيه لزمه واحد ، نص عليه ، وقيل : وأكثر بقدر حالها ولو بأجرة أو عارية ، وتجوز كتابية ، في الأصح ، إن جاز نظرها ، وتعيينه إليه ، وتعيين خادمها إليهما ونفقته كفقيرين ، مع خف وملحفة ، [ ص: 580 ] والأشهر سوى النظافة ، فإن كان الخادم لها فرضيته فنفقته عليه .

وفي الرعاية : وهذا نفقة المؤجر والمعار ، في وجه ، كذا قال ، وهو ظاهر كلامهم ، ولم أجده صريحا ، وليس بمراد في المؤجر ، فإن نفقته على مالكه ، وأما في المعار ، فمحتمل ، وسبقت المسألة في آخر الإجارة ، وقوله " في وجه " يدل [ على ] أن الأشهر خلافه ، ولهذا جزم به في المعار ، في بابه ، ولا تملك خدمة نفسها لتأخذ نفقته ، وهل يلزمها قبول خدمته لها ليسقطه وقبول كتابية ؟ وجهان ( م 1 و 2 ) ولا تلزمه أجرة من يوضئ مريضة ، بخلاف رقيقة ، ذكره أبو المعالي .


[ ص: 577 ] كتاب النفقة تنبيهان :

( أحدهما ) قوله : وللنوم فراش ولحاف ومخدة ، وفي التبصرة : وإزار ، انتهى . ليس ما في التبصرة مخصوصا به ، بل قد صرح به صاحب الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والبلغة والرعايتين والحاوي الصغير والوجيز وتجريد العناية وغيرهم ، ومرادهم بالإزار إزار النوم ، ولذلك ذكروه عقب ما يجب للنوم ، كالمصنف ، ولهذا قال في الرعاية وغيره بعد ذلك : ولا يجب لها إزار للخروج ، والظاهر أن وجوب الإزار للنوم إذا كانت العادة جارية بالنوم فيه ، كأرض الحجاز ونحوها ، هو المذهب ، وهو ظاهر ما قطع به في المغني والشرح وغيرهما ، والله أعلم [ ص: 579 ]

( الثاني ) قوله : وتعيينه إليه وتعيين خادمها إليهما ، انتهى . يعني أن تعيين الخادم إليه ما لم يكن ملكها ، فيكون تعيينه إليهما ، وقوله بعد ذلك فإن كان لها فرضيته فنفقته إليه ، قال ابن مغلي : ظاهره أن رضاها كاف وإن لم يوافق الزوج [ ص: 580 ] وأخذ هذه العبارة من المغني ، ولكن صرح بعد أنه إن لم يرض بخادمها فله ذلك ، فوقع للمصنف التخليط من وجهين :

( أحدهما ) ذكره ذلك لا على سبيل حكاية خلاف .

( والثاني ) سهوه عن استيفاء النظر في كلام الشيخ ، انتهى .

( قلت ) : الذي يظهر أنه لا نظر في كلام المصنف ولا تخليط ، وإنما ذكر العبارة الثانية لأجل التصريح بوجوب نفقته عليه ، وإن كان لها فكلامه الأول في التعيين ، وكلامه الثاني في وجوب النفقة ، لئلا يتوهم متوهم كونه ملكها أن تكون نفقته عليها ، وقوله : " فرضيته " يعني مع رضا الزوج ، بدليل ما تقدم ، والله أعلم .

( مسألة 1 و 2 ) قوله : وهل يلزمها قبول خدمته لها ليسقطه وقبول كتابية ؟ وجهان ، انتهى . ذكر مسألتين :

( المسألة الأولى 1 ) هل يلزمها قبول خدمته لها ليسقطه عنه أم لا ؟ أطلق [ ص: 581 ] الخلاف ، وأطلقه في البداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والكافي والمقنع والمحرر والحاوي الصغير وغيرهم .

( أحدهما ) لا يلزمها قبول ذلك ، وهو الصحيح ، جزم به في المنور ، وصححه في النظم ، وقدمه في الخلاصة والمغني والشرح وغيرهم .

( والوجه الثاني ) يلزمها ، صححه في التصحيح ، واختاره ابن عبدوس في تذكرته ، وجزم به في الوجيز ، وقدمه في الرعايتين وتجريد العناية ، واختار في الرعاية : له ذلك فيما يقولاه مثله لن يكفيها خادم واحد .

( المسألة الثانية 2 ) هل يلزمها قبول كتابية أم لا بد أن تكون مسلمة ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقه في الرعاية الكبرى :

( أحدهما ) يلزمها ، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب ، وهو الصواب .

( والوجه الثاني ) لا يلزمها ، ولعل الخلاف مبني على جواز النظر وعدمه ، فإن كان كذلك فالصحيح اللزوم ، لأن الصحيح جواز النظر ، ولكن ظاهر كلام أكثر الأصحاب الإطلاق ، ولذلك قال في الرعاية الكبرى بعد أن أطلق الوجهين : وقيل : إن جاز نظرها إلى مسلمة وخلوتها بها لزمها قبولها ، على الأشهر . وإلا فلا ، انتهى . والمصنف قد صحح قبل ذلك جواز خدمة الكتابية ، وكلامه هنا في اللزوم ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية