صفحة جزء
وإن قوتلوا في الحرم دفعوا عن أنفسهم فقط للآية في قوله { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام } { ولا تقاتلوهم } قراءتان في السبع ، هذا ظاهر ما ذكروه في بحث المسألة ، واستدلالهم بالخبر المشهور فيه ، صححه ابن الجوزي في تفسيره ، وقاله القفال والمروزي من الشافعية ، وذكر ابن الجوزي أن مجاهدا في جماعة من الفقهاء قالوا : الآية محكمة ، وفي التمهيد في النسخ أنها نسخت بقوله { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وذكر صاحب الهدي من متأخري أصحابنا أن الطائفة الممتنعة بالحرم من مبايعة الإمام لا تقاتل ، لا سيما إن كان لها تأويل ، كما امتنع أهل مكة من بيعة يزيد وبايعوا ابن الزبير ، فلم يكن قتالهم ونصب المنجنيق عليهم وإحلال حرم الله جائزا بالنص والإجماع ، وإنما خالف في ذلك عمرو بن سعيد بن العاص وشيعته ، وعارض نص رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 64 ] برأيه وهواه فقال : إن الحرم لا يعيذ عاصيا .

قال والخبر صريح في أن الدم الحلال في غيرها حرام فيما عدا تلك الساعة .

وفي الأحكام السلطانية يقاتل البغاة إذا لم يندفع بغيهم إلا به ، لأنه من حقوق الله ، وحفظها في حرمه أولى من إضاعتها ، وذكر الماوردي من الشافعية عن جمهور الفقهاء ونص عليه الشافعي ، وحمل الخبر على ما يعم إتلافه كالمنجنيق إذا أمكن إصلاح بدون ذلك ، فيقال : وغير مكة كذلك ، واحتج في الخلاف وعيون المسائل وغيرهما على أنه لا يجوز دخول مكة لحاجة لا تتكرر إلا بإحرام ، بالخبر : { وإنما أحلت لي ساعة من نهار } قالوا : فلما اتفق الجميع على جواز القتال فيها متى عرض مثل تلك الحال علمنا أن التخصيص وقع لدخولها بغير إحرام ، كذا قالوا ، ولما كان هذا ضعيفا عند الأكثر حكما واستنباطا لم يعرجوا ، وذكر مثلهم أبو بكر بن العربي في المعارضة وقال : لو تغلب فيها كفار أو بغاة وجب قتالهم فيها بالإجماع .

وقال شيخنا : إن تعدى أهل مكة أو غيرهم على الركب دفع الركب كما يدفع الصائل ، وللإنسان أن يدفع مع الركب بل يجب إن احتيج إليه ، وفي التعليق وجه في حرم المدينة كالحرم ، وفي مسلم عن أبي سعيد مرفوعا { إني حرمت المدينة وما بين مأزميها أن لا يهراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال } . ولا تعصم الأشهر الحرم للعمومات ولغزو الطائف وإقرارهم ، وتردد كلام شيخنا ، ويتوجه احتمال ، واختاره بعضهم في كتاب الهدي ، [ ص: 65 ] وذكر أنه لا حجة في غزوة الطائف ، وإن كانت في ذي القعدة ، لأنها كانت من تمام غزوة هوازن ، وهم بدءوا النبي صلى الله عليه وسلم بالقتال ، ولما انهزموا دخل ملكهم مالك بن عوف مع ثقيف في حصن الطائف ، فحاربت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان غزوهم من تمام الغزوة التي شرع فيها ، وفتح خيبر كان في صفر ، وبيعة الرضوان كانت في ذي القعدة ، بايعهم لما بلغه قتل عثمان وأنهم يريدون قتاله .

ويجوز القتال في الشهر الحرام دفعا ، وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا عامر في سرية إلى أوطاس في ذي القعدة ، لأن ذلك كان من تمام الغزو التي بدأ الكفار فيها بالقتال ، قال : وقد قال تعالى في المائدة وهي من آخر القرآن نزولا ولا منسوخ فيها { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام } وقال في البقرة { يسألونك عن الشهر الحرام } الآية ، وبينهما في النزول نحو ثمانية أعوام .

وفي عيون المسائل وغيرها في مسألة التغليظ بالأشهر الحرم قال تعالى { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } فأباح قتلهم بشرط انسلاخ الأشهر فدل على أن قتلهم في الأشهر الحرم يحرم ، وإذا كان قتل المشركين وهو مباح حرم لأجل الأشهر الحرم دل على تغليظ القتل فيها ، كذا قال . ومن فعل ما يوجب حدا .

وفي المغني : أو قودا من الغزاة في أرض العدو أخذ به في دارنا خاصة ، قال أحمد : لا تقام الحدود بأرض العدو .

التالي السابق


الخدمات العلمية