صفحة جزء
[ ص: 170 ] ويقتل زنديق ، وهو المنافق ، ومن تكررت ردته أو كفر بسحره أو سب الله أو رسوله ، نقل حنبل : أو تنقصه ، وقيل : ولو تعريضا ، نقل حنبل : من عرض بشيء من ذكر الرب فعليه القتل ، مسلما أو كافرا ، وأنه مذهب أهل المدينة .

وسأله ابن منصور ما الشتيمة التي يقتل بها ؟ قال : نحن نرى في التعريض الحد ، قال : فكان مذهبه فيما يجب الحد من الشتيمة التعريض ، وعنه : تقبل توبتهم كغيرهم ، وعنه : لا تقبل إن تكررت ثلاثا . وفي الفصول عن أصحابنا فلا تقبل إن سب النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه حق آدمي لم يعلم إسقاطه ، وأنه يقبل إن سب الله ، لأنه يقبل التوبة في خالص حقه ، وجزم به في عيون المسائل وغيرها ، لأن الخالق منزه عن النقائص فلا يلحق به ، بخلاف المخلوق ، فإنه محل لها ، فلهذا افترقا ، وعنه : مثلهم من ولد على الفطرة ثم ارتد ، ذكره شيخنا : والخلاف في أحكام الدنيا من ترك قتلهم وثبوت أحكام الإسلام ، فأما في الآخرة فإن صدق قبل بلا خلاف ، ذكره ابن عقيل والشيخ وجماعة .

وفي إرشاد ابن عقيل رواية : لا تقبل توبة زنديق باطنا ، وضعفها وقال : وكمن تظاهر بالصلاح إذا أتى معصية وتاب منها ، وأن قتل علي زنديقا لا يدل على عدم قبولها كتوبة قاطع طريق بعد القدرة .

وذكر القاضي وأصحابه رواية لا تقبل توبة داعية إلى بدعة مضلة ، واختارها أبو إسحاق بن شاقلا ، وفي إرشاد ابن عقيل : نحن لا نمنع أن يكون مطالبا بمظالم من أضل ، وظاهر كلام غيره : لا مطالبة .

قال شيخنا : قد بين الله تعالى أنه يتوب على أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع ، [ ص: 171 ] وفي الرعاية : من كفر ببدعة قبلت توبته ، على الأصح ، وقيل : إن اعترف بها ، وقيل : لا تقبل من داعية ، وذكر القاضي وأصحابه رواية : لا تقبل توبة قاتل ، وعلى قبولها لو اقتص من القاتل أو عفا عنه هل يطالبه المقتول في الآخرة ؟ فيه وجهان ( م 3 ) ومن أظهر الخير وأبطن الفسق فكالزنديق في توبته ، في قياس المذهب ، ذكره ابن عقيل ، وحمل رواية قبول توبة الساحر على المتظاهر وعكسه بعكسه ، يؤيده تعليلهم للرواية المشهورة بأنه لم يوجد بالتوبة سوى ما يظهره ، وظاهر كلام غيره : تقبل ، وهو أولى في الكل ، لقوله تعالى في المنافقين { إلا الذين تابوا } .


[ ص: 171 ] مسألة 3 ) قوله : " وعلى قبولها لو اقتص من القاتل أو عفا عنه هل يطالبه المقتول في الآخرة ؟ فيه وجهان " ، انتهى .

وأطلقهما في الرعاية الكبرى ، قال ابن القيم في الداء والدواء . وغيره بعد ذكر الخلاف . والتحقيق في المسألة أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق : حق لله تعالى ، وحق المقتول ، وحق الولي فإذا أسلم القاتل نفسه طوعا واختيارا إلى الولي ، ندما على ما فعل ، وخوفا من الله ، وتوبة نصوحا ، سقط حق الله بالتوبة ، وحق الأولياء بالاستيفاء أو الصلح أو العفو ، وبقي حق المقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب المحسن ، ويصلح بينه وبينه ، فلا يذهب حق هذا ، ولا يبطل توبة هذا ، انتهى .

وتبع في ذلك الشيخ تقي الدين فإنه فصل هذا التفصيل واختاره ، وهو الصواب الذي لا شك فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية