صفحة جزء
[ ص: 177 ] فصل ويكفر الساحر كاعتقاد حله ، وعنه : اختاره ابن عقيل ، وجزم به في التبصرة ، وكفره أبو بكر بعمله ، قال في الترغيب : وهو أشد تحريما . وحمل ابن عقيل كلام أحمد في كفره على معتقده ، وأن فاعله يفسق ويقتل حدا ، فعلى الأولى يقتل . وهو من يركب مكنسة فتسير به في الهواء ونحوه ، وكذا قيل في معزم على الجن ويجمعها بزعمه ، وكاهن وعراف ، وقيل : يعزر ( م 5 ) وقيل ولو بقتل .

وفي الترغيب : الكاهن والمنجم [ ص: 178 ] كالساحر عند أصحابنا ، وأن ابن عقيل فسقه فقط إن قال أصبت بحدسي وفراهتي ، فإن أوهم قوما بطريقته أنه يعلم الغيب فللإمام قتله لسعيه بالفساد .

قال شيخنا : التنجيم كالاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية من السحر ، قال ويحرم إجماعا . وأقر أولهم وآخرهم أن الله تعالى يدفع عن أهل العبادة والدعاء ببركته ما زعموا أن الأفلاك توجبه ، وأن لهم من ثواب الدارين ما لا تقوى الأفلاك أن تجلبه . ومن سحر بالأدوية والتدخين وسقي مضر عزر ، وقيل ولو بقتل .

وقال القاضي والحلواني : إن قال سحري ينفع وأقدر على القتل به قتل ، ولو لم يقتل به ، ويقاد منه إن قتل بما يقتل غالبا ، وإلا الدية . والمشعبذ والقائل بزجر الطير والضارب بحصى وشعير وقداح إن لم يعتقد إباحته وأنه يعلم به عزر ، وكف عنه وإلا كفر . ويحرم طلسم ورقية بغير عربي ، وقيل : يكره ، وتوقف الإمام أحمد في الحل بسحر ، وفيه وجهان ( م 6 ) وسأله مهنا عمن تأتيه مسحورة فيطلقه عنها ، قال : [ ص: 179 ] لا بأس .

قال الخلال : إنما كره أحمد فعاله ، ولا يرى به بأسا ، كما بينه مهنا ، وهذا من الضرورة التي يبيح فعلها . ولا يقتل ساحر كتابي ، على الأصح .

وفي التبصرة : إن اعتقدوا جوازه ، وإن قتل به أقيد كما تقدم . وتقدم إن سحر مسلما .

وفي عيون المسائل أن الساحر يكفر ، وهل تقبل توبته ؟ على روايتين . ثم قال : ومن السحر السعي 21 بالنميمة والإفساد بين الناس وذلك شائع عام في الناس ، ونحو ما حكي أن امرأة أرادت إفسادا بين زوجين فقالت للزوجة : إن زوجك يعرض عنك ، وقد سحر ، وهو مأخوذ عنك ، وأنا أسحره لك حتى لا يريد غيرك ، ولكن أريد أن تأخذي من شعر حلقه بالموسى ثلاث شعرات إذا نام ، فإن بها يتم الأمر ، وذهبت إلى الرجل فقالت له : إن امرأتك قد علقت بغيرك وعزمت على قتلك وأعدت لك موسى في هذه الليلة لنحرك فأشفقت لشأنك ولقد لزمني نصحك . فتناوم الرجل في فراشه ، فلما ظنت المرأة أنه قد نام عمدت إلى [ ص: 180 ] الموسى وأهوت بها إلى حلقه لأخذ الشعر ، ففتح الرجل عينيه فرآها فقام إليها وقتلها .

وقد ذكر بعضهم أن ذلك روي عن حماد بن سلمة قال : باع رجل غلاما على أنه نمام ، فاشتراه المشتري على ذلك ، فسعى بينه وبين امرأته بذلك ، وفي آخر القصة : فجاء أولياؤها فقتلوه ، فوقع القتال بين الفريقين .

ثم قال في عيون المسائل : فأما من يسحر بالأدوية والتدخين وسقي شيء مضر فلا يكفر ولا يقتل ويعزر بما يردعه .

وما قاله غريب ووجهه أنه يقصد الأذى بكلامه وعمله على وجه المكر والحيلة فأشبه السحر ، ولهذا يعلم بالعادة والعرف أنه يؤثر وينتج ما يعمله السحر أو أكثر ، فيعطى حكمه ، تسوية بين المتماثلين أو المتقاربين ، لا سيما إن قلنا بقتل الآمر بالقتل ، على رواية سبقت ، فهنا أولى ، أو الممسك لمن يقتل فهذا مثله ، ولهذا ذكر ابن عبد البر عن يحيى بن أبي كثير قال : يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة .

رأيت بعضهم حكاه عن يحيى بن أكثم قال : النمام شر من الساحر يعمل النمام في ساعة ما لا يعمله الساحر في شهر ، لكن يقال : الساحر ، إنما كفر لوصف السحر ، وهو أمر خاص ، ودليله خاص ، وهذا ليس بساحر ، وإنما يؤثر عمله ما يؤثره فيعطى حكمه ، إلا فيما اختص به من الكفر وعدم قبول التوبة ، ولعل هذا القول أوجه من تعزيره فقط . فظهر مما سبق أنه رواية مخرجة من الممسك والآمر ، وسبقت المسألة في التعزير .

ومن أطلق الشارع عليه كفره لدعواه ، غير أبيه ومن أتى عرافا [ ص: 181 ] فصدقه بما يقول ، فقيل كفر النعمة ، وقيل : قارب الكفر ، وذكر ابن حامد روايتين :

( إحداهما ) تشديد وتأكيد ، نقل حنبل : كفر دون كفر ، لا يخرج عن الإسلام .

( والثانية ) يجب التوقف ولا يقطع بأنه لا ينقل عن الملة ، نص عليه في رواية صالح وابن الحكم ( م 7 ) .

[ ص: 182 ] وإن أسلم أبو حمل أو طفل أو أحدهما لا جده وجدته ، والمنصوص : أو مميز لم يبلغ ، نقل ابن منصور : لم يبلغ عشرا ، فمسلم ، وكذا إن سباه مسلم منفردا ، وعنه : كافر ، كسبيه معهما على الأصح ، وإن سبي مع أحدهما فمسلم ، وعنه : يتبع أباه ، وعنه : المسبي معه منهما ، اختاره الآجري .


( 13 ) ( مسألة 5 ) قوله بعد ذكره حكم الساحر الذي يركب المكنسة فتسير به في الهواء ونحوه " وكذا قيل في معزم على الجن ويجمعها بزعمه وأنه يأمرها فتعطيه ، وكاهن وعراف ، وقيل : يعزر " انتهى .

يعني هذا الساحر والكاهن والعراف هل يلحقون بالسحرة الذين يقتلون ، أم يعزرون فقط ؟ حكى في ذلك خلافا ، وأطلقه ، وأطلقهما أيضا في المحرر والنظم .

( أحدهما ) : لا يكفر بذلك ولا يقتل ، بل يعزر ، وهو الصحيح من المذهب ، قال ابن منجى في شرحه : هذا قول غير أبي الخطاب ، وجزم به في الوجيز وغيره ، وقدمه في المقنع والشرح وشرح ابن رزين وغيرهم ، قال في البلغة : وإن كان سحرا بسقي أدوية فلا يكفر بذلك ولا يقتل . إلا أن يقتل به فيجب القود إن كان يقتل غالبا وإلا فالدية ، انتهى . [ ص: 178 ]

( والوجه الثاني ) : حكمهم حكم السحرة الذين يقتلون ، قاله القاضي وأبو الخطاب وغيرهما ، وبه قطع في الهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم ، وقدمه في الرعايتين ، قال في الترغيب : الكاهن والمنجم كالساحر عند أصحابنا ، وإن ابن عقيل فسقه فقط ، كما نقله المصنف .

وقال في الحاوي الصغير : أو عمل سحرا يدعي به إحضار الجن وطاعته فيما شاء فمرتد ، وقال في العراف والكاهن وقيل : هما كالساحرة .

( مسألة 6 ) قوله : " وتوقف أحمد في الحل بسحر ، وفيه وجهان ، " انتهى .

( أحدهما ) : يجوز ، قال في المغني والشرح : توقف أحمد في الحل ، وهو إلى الجواز أميل ، وسأله مهنا عمن تأتيه مسحورة فيقطعه عنها ، قال : لا بأس ، قال الخلال : [ ص: 179 ] إنما كره فعاله ولا يرى به بأسا ، كما بينه مهنا ، وهذا من الضرورة التي يبيح فعلها ، انتهى .

قال في آداب المستوعب : وحل السحر عن المسحور جائز ، انتهى .

( والوجه الثاني ) : لا يجوز ، قال في الرعايتين والحاوي الصغير : ويحرم العطف والربط ، وكذا الحل بسحر ، وقيل : يكره الحل ، وقيل : يباح بكلام مباح .

وقال في الآداب الكبرى : ويجوز حله بقرآن أو بكلام مباح غيره ، انتهى ، فدل كلامه أنه لا يباح بسحر ، قال ابن رزين في شرحه وغيره : ولا بأس بحل السحر بقرآن أو ذكر أو كلام حسن ، وإن حله بشيء من السحر فعنه التوقف ، ويحتمل أن لا بأس به ، لأنه محض نفع لأخيه المسلم ، انتهى . [ ص: 181 ]

( مسألة 7 ) قوله : ومن أطلق الشارع كفره لدعواه غير أبيه ، ومن أتى عرافا فصدقه بما يقول فقيل : كفر النعمة ، وقيل : قارب الكفر ، وذكر ابن حامد روايتين .

( إحداهما ) تشديد وتأكيد . نقل حنبل كفر دون كفر ، لا يخرج عن الإسلام .

( والثانية ) يجب التوقف ولا يقطع بأنه لا ينقل عن الملة ، نص عليه في روية صالح وابن الحكم ، انتهى .

( أحدهما ) كفر نعمة ، وقال به طوائف من العلماء من الفقهاء والمحدثين ، وذكره ابن رجب في شرح البخاري عن جماعة ، وروي عن أحمد .

( والثاني ) قارب الكفر ، وقال القاضي عياض وجماعة من العلماء في قوله { من أتى عرافا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد } أي جحد تصديقه بكذبهم ، وقد يكون على هذا إذا اعتقد تصديقهم بعد معرفته بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم لهم كفر حقيقة ، انتهى . والصواب رواية حنبل ، وأنه إنما أتى به تشديدا وتأكيدا ، وقد بوب على ذلك البخاري في صحيحه بابا ، ونص أن بعض الكفر دون بعض ، ونص عليهما أئمة الحديث ، قال ابن رجب في شرح البخاري : وللعلماء في هذه الأحاديث مسالك متعددة ، منهم من حملها على من فعل ذلك مستحلا ، منهم مالك وإسحاق ، ومنهم من حملها على التغليظ والكفر الذي لا ينقل عن الملة ، منهم ابن عباس وعطاء ، قال النخعي : هو كفر بالنعم ونقل عن أحمد ، وقاله طاوس .

وروي عن أحمد إنكار من سمى شارب الخمر كافرا [ ص: 182 ] ولذلك أنكر القاضي جواز إطلاق اسم كفر النعمة على أهل الكبائر ، وحكى ابن حامد عن أحمد جواز إطلاق الكفر والشرك على بعض الذنوب التي لا تخرج عن الملة ، وروي عن أحمد أنه كان يتوقى الكلام في تفسير هذه النصوص تورعا ، ويمرها كما جاءت من غير تفسير ، مع اعتقادهم أن المعاصي لا تخرج عن الملة ، انتهى ملخصا

التالي السابق


الخدمات العلمية