صفحة جزء
[ ص: 216 ] واحتج في عيون المسائل وغيرها على توريث كل واحد من الغرقى من الآخر بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه بعث سرية إلى قوم من خثعم ، فلما دهمتهم الخيل اعتصموا بالسجود ، فقتلوهم فوداهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنصاف دياتهم } لوقوع الإشكال فيهم هل أسلموا فيلزمه إكمال دياتهم أم لا فلا يجب شيء ؟ فجعل فيهم نصف دياتهم ، وكذا أوجب الشرع الغرة في الجنين الساقط ميتا ، والصاع في مقابلة لبن المصراة ، ويتوجه احتمال إنما أمر لهم بنصف العقل لأنهم أعانوا على أنفسهم بمقامهم بدار الحرب فكانوا كمن مات بجناية نفسه وجناية غيره ، واختاره الخطابي .

وفي رد شيخنا على الرافضي : الأمة يقع منها التأويل في الدم والمال والعرض ، ثم ذكر قتل أسامة للرجل الذي أسلم بعد أن علاه بالسيف ، وخبر المقداد ، قال : فقد ثبت أنهم مسلمون يحرم قتلهم ، ومع هذا فلم يضمن المقتول ، بقود ولا دية ولا كفارة لأن القاتل كان متأولا ، هذا قول أكثرهم كالشافعي وأحمد وغيرهما ، وكما لا يلزم الحربي إذا أسلم شيء لأنه متأول .

وقال أسيد بن حضير لسعد بن عبادة في قصة الإفك : إنك منافق .

وقال عمر عن حاطب : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ، وقال بعض الصحابة عن مالك بن الدخشن : إنه منافق ، وذلك في الصحيحين ، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكفر أحدا .

وفي البخاري { أن بعضهم لعن رجلا يدعى حمارا لكثرة شربه فقال [ ص: 217 ] النبي صلى الله عليه وسلم : لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله } ولم يعاقبه للعنه له ، فالمتأول المخطئ مغفور له بالكتاب والسنة .

وقال بعضهم كأبي حنيفة وبعض المالكية : كانوا أسلموا ولم يهاجروا فثبت في حقهم العصمة المؤثمة دون المضمنة ، كذرية حرب ، وقد ذكر شيخنا بعد ذلك قصة خالد كما تقدم ، ولم يتكلم على ما فيها من التضمين المخالف عنده لقصة أسامة ، بل قال : إنه وقع منه كما وقع من أسامة ، فدل أنهما سواء ، فأما أن يقال : ظاهر قصة أسامة لا تضمين ، وقصة خالد ترغيبا في الإسلام ، أن التضمين ليس في المسند ، ولا الكتب الستة أو يقال : قصة خالد فيها التضمين وفي قصة أسامة مسكوت عنه ، ومثل أسامة يعلمه كما يعلم الكفارة ، ولم يطالب إما لعسرته ، أو لأن المستحق بيت المال ، وللإمام العفو مجانا ، وظاهر كلام شيخنا هذا أن من قتل باغيا في غير حرب متأولا لا شيء فيه ، وأن قتل الباغي للعادل كذلك للتأويل ، وذكر في مكان آخر قتل خالد مالك بن النويرة فلم يقتله أبو بكر ، كما أن أسامة لما قتل لم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم قودا ولا دية ولا كفارة ، وكما أنه لما قتل بني جذيمة لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم للتأويل ، وكذا إن ادعاه أسير ببينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية