صفحة جزء
وإن مرض مرضا يمنع القضاء تعين عزله ، في المغني : يعزل . وإن زالت ولاية المولى أو عزل من ولاه أو غيره المستحق للولاية ، والأشهر : بل الصالح لها ، لم ينعزل الحاكم ، لأنه عقد لمصلحة المسلمين ، كعقده نكاح موليته لم يفسخه ، ذكره الشيخ ، وقيل : بلى ، كنائبه بزوال ولاية مستنيبه ، وفيه في الأحكام السلطانية قول : لا . واختاره في الترغيب ، وجزم بأنه ينعزل نائبه في أمر معين من سماع شهادة معينة ، وإحضار مستعدى عليه ، فعلى هذا الوجه لو عزله في حياته لم ينعزل ، وقيل : لا ينعزل بموته بل بعزله ، اختاره جماعة ، قال في المغني : كالوالي ، قال شيخنا : كعقد وصي وناظر عقدا جائزا ، كوكالة وشركة ومضاربة ، ومثله كل عقد لمصلحة المسلمين ، كوال ، ومن ينصبه لجباية مال وصرفه ، وأمر [ ص: 437 ] الجهاد ووكيل بيت المال والمحتسب ، ذكره شيخنا ، وهو ظاهر كلام غيره .

وقال أيضا في الكل : لا ينعزل بانعزال المستنيب وموته حتى يقوم غيره مقامه .

وفي الرعاية في نائبه في الحكم وقيم الأيتام وناظر الوقف ونحوهم أوجه ، ثالثها إن استخلفهم بإذن من ولاه ، وقيل : وقال استخلف عنك ، انعزلوا ، ولا يبطل ما فرضه فارض في المستقبل ، وفيه احتمال ، وفي عزله قبل علمه وجهان ( م 4 ) وله عزل نفسه ، في الأصح .

وقال صاحب الرعاية : إن لم يلزمه قبوله وفيها له عزل نائبه بأفضل ، وقيل [ ص: 438 ] بمثله ، وقيل بدونه لمصلحة الدين .

وقال القاضي : عزل نفسه يتخرج على روايتين ، بناء على أنه هل هو وكيل للمسلمين أم لا ؟ وفيه روايتان ، نص عليهما في خطإ الإمام ، فإن قلنا في بيت المال فهو وكيل ، فله عزل نفسه ، وإن قلنا على عاقلته فلا وللشافعية وجهان ، واحتج للمنع بأنه لا يجوز للرسول عزل نفسه عن الرسالة ، ولأنه يفضي إلى تأخير استيفاء الحقوق وإلى إسقاط الحدود عند أبي حنيفة ، لأن الحد لا يجب عنده في دار خلت من إمام ، ولأن أبا بكر لو ملك عزل نفسه لما سألهم ذلك ، واحتج للجواز بقولهم لعثمان اخلع نفسك ، فقال : لا أفعل ، فلو لم يملكه لم يمتنع .

وذكر القاضي هل لمن ولاه عزله الخلاف ، واحتجوا للجواز بوقوعه ، لكن لم يقع من الصحابة إلا لمصلحة ، فقال عمر : لأعزلن أبا مريم وأولين رجلا إذا رآه الفاجر فرق ، فعزله عن قضاء البصرة وولى كعب بن سور مكانه ، وعزل علي أبا الأسود ، فقال : لم عزلتني وما جنيت ؟ قال : رأيت كلامك يعلو على الخصمين .

وفي الأحكام السلطانية أن أبا بكر [ ص: 439 ] روى بإسناده أن عمر كان إذا بلغه عن عامله أنه لا يعود المريض ولا يدخل عليه الضعيف عزله ، فأما إن خاف مفسدة باستمراره ووقوع فتنة فيدخل في كلامهم ، وأنه لا يعزله كغيره ، ويتوجه : له عزله لأن عمر عزل سعدا عن الكوفة وقال : لم أعزله عن عجز ولا خيانة .


[ ص: 437 ] مسألة 4 ) قوله : " وفي عزله قبل علمه وجهان " ، انتهى .

اعلم أن الأصحاب اختلفوا في محل هذين الوجهين ، فبناهما صاحب الهداية والمستوعب والمقنع والمحرر والشرح وابن منجى وغيرهم على عزل الوكيل قبل علمه وعدمه .

وقال القاضي أيضا ، فيكون المرجح على هذه الطريقة عزله ، على ما تقدم في باب الوكالة ، والمصنف قد أطلق الخلاف هناك أيضا ، وذكرهما من غير بناء صاحب المذهب والرعايتين والنظم والحاوي والمصنف هنا وغيرهم ، فيحتمل أن يكون كلامهم محمولا على ما صرح به أولئك ، ويحتمل أن يكون الخلاف من غير بناء . إذا علم ذلك فأطلق الخلاف هنا في المذهب والمحرر والنظم والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم :

( أحدهما ) ينعزل ، صححه في التصحيح وتصحيح المحرر ، وجزم به في الوجيز وغيره .

( والوجه الثاني ) لا ينعزل قبل علمه ، صححه في الرعاية الكبرى ، ( قلت ) : وهو الصواب الذي لا يسع الناس غيره ، قال في التلخيص : لا ينعزل قبل العلم بغير خلاف وإن انعزل الوكيل ، ورجحه الشيخ تقي الدين ، وقال : هو المنصوص عن أحمد ، قال : لأن في ولايته حقا لله تعالى ، وإن قيل هو وكيل فهو تبعية بنسخ الأحكام ، وهي لا تثبت قبل بلوغ الناسخ على الصحيح بخلاف الوكالة المحضة ، وأيضا فإن ولاية القاضي العقود والفسوخ ، فتعظم البلوى بإبطالها قبل العلم ، بخلاف الوكالة ، انتهى .

[ ص: 438 ] تنبيه )

قوله : " وقال القاضي : عزل نفسه يتخرج على روايتين ، بناء على أنه هل هو وكيل للمسلمين أم لا ؟ وفيه روايتان ، نص عليهما في خطإ الإمام فإن قلنا في بيت المال فهو وكيل ، فله عزل نفسه ، وإن قلنا على عاقلته فلا " ، انتهى .

قد قدم المصنف قبل ذلك أن له عزل نفسه ، وكذا ابن حمدان وغيره ، وهو المذهب ، وقد قال المصنف في باب العاقلة وخطإ إمام وحاكم في حكم في بيت المال ، وعليها للإمام عزل نفسه ، ذكره القاضي وغيره ، انتهى .

وحاصل ما تقدم أن هذه المسألة ليست من الخلاف المطلق الذي اصطلح عليه المصنف .

التالي السابق


الخدمات العلمية