صفحة جزء
وفي تحريم السلام [ ص: 184 ] على مبتدع غير مخاصم روايتان ( م 9 ) وترك العيادة من الهجر ، ونصه : لا يعاد المبتدع ، وحرمها في النوادر وعنه : لا يعاد الداعية ، واعتبر شيخنا المصلحة [ ص: 185 ] في ذلك ، وظاهر نصوصه أنه لا فرق بين من جهر بالبدعة دعا إليها أم لا أو أسرها ، وظاهر بعضها : والمعصية ، نقل أبو داود في الرجل يمشي مع المبتدع : لا يكلمه . ونقل غيره : إذا سلم على المبتدع فهو يحبه ، ونقل الفضل : إذا عرفت من أحد نفاقا فلا تكلمه لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاف على الثلاثة الذين خلفوا فأمر الناس أن لا يكلموهم ، ونقل الميموني : نهى عليه السلام ، فكذا كل من خفنا عليه ، وعنه : إنه اتهمهم بالنفاق ، فكذا من اتهم بالكفر لا بأس بترك كلامه ، وعنه : إنه أخذ بحديث عائشة في قصة الإفك ، { وإنه عليه السلام ترك كلامها والسلام عليها حين ذكر ما ذكر } ، وظاهر كلامهم أو صريحه في النشوز تحريم الهجر بخوف المعصية ، وتحريمه على رواية الميموني ضعيف ، ونقل حنبل : إذا علم من الرجل أنه مقيم على معصية لم يأثم إن هو جفاه حتى يرجع ، وإلا كيف يبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير منكرا عليه ، ولا جفوة من صديق . ونقل المروذي : يكون في سقف البيت الذهب [ ص: 186 ] يجانب صاحبه ] يجفى صاحبه . ولعله أراد ترك اللطف لا ترك الكلام ; لأن حنبلا نقل : ليس لمن قارف شيئا من الفواحش حرمة ولا وصلة إذا كان معلنا ، وهذا معنى كلام الخلال وغيره ، وقاله القاضي وغيره : إن من أسر بمعصية لا يهجر مع إطلاقهم وإطلاق الشيخ وغيره هجر أهل البدع وإنه إجماع ، مع أن القاضي ذكر ما رواه الخلال عن ابن مسعود أنه رأى رجلا ضحك في جنازة فقال : لا أكلمك أبدا ، وعن أنس أنه كانت له امرأة في خلقها سوء ، فكان يهجرها السنة والأشهر ، فما يكلمها ، وعن حذيفة أنه قال لرجل رأى في عضده خيطا من الحمى : لو مت وهذا عليك لم أصل عليك . وعن سمرة أنه قيل له : أكل ابنك طعاما كاد يقتله ، قال : لو مات ما صليت عليه ، وظاهر كلام أحمد والأصحاب في البدعة : سواء كفر بها أم لا .

وقال صاحب المحرر : لأن الذمي تجوز إجابة دعوته وترد التحية عليه إذا سلم ويجوز قصده للبيع والشراء ، فجازت عيادته وتعزيته كالمسلم . وعكسه من حكم بكفره من أهل البدع ، لوجوب هجره ، قال القاضي : ولم نهجر أهل الذمة لأنا عقدناها معهم لمصلحتنا بأخذ الجزية : ولا أهل الحرب ، للضرر بترك البيع والشراء ، وأما المرتدون فإن الصحابة باينوهم بالقتال ، وأي هجر أعظم من هذا ؟ وقال ابن حامد في أصوله : المبتدع المدعي للسنة هل يجب هجره ومباعدته ؟ نقل علي بن سعيد في المرجئ يدعو [ ص: 187 ] إلى طعامه أو أدعوه ؟ قال : تدعوه وتجيبه إلا أن يكون داعية أو رأسا فيهم ، ونقل أبو الحارث : أهل البدع لا يعادون ( و م ) ولا تشهد لهم جنازة ( و م ) ونقل حرب : لا يعجبني أن يخالط أهل البدع ، ورد الخطاب أبو ثابت سلام جهمي ، فقال أحمد : ترد على كافر ؟ فقلت : أليس ترد على اليهودي والنصراني ؟ فقال : اليهودي والنصراني قد تبين أمرهما . قال ابن حامد : فمذهبه في أهل البدع إن كان داعية مشتهرا به فلا يعاد ، ولا يسلم عليه ، ولا يرد عليه ، ولا يجاب إلى طعام ولا دعوة ، وإن كان يلزم التقية بلا إظهار فعلى وجهين : الجواز ، والمنع أيضا ، بناء على جواز إمامته ، كذا قال [ بناء على إمامته ] .


، ( مسألة 9 ) قوله : وفي تحريم السلام على مبتدع غير مخاصم روايتان ، انتهى . [ ص: 185 ] قال ابن تميم : ترك السلام على أهل البدع فرض كفاية ، ومكروه لسائر الناس ، وقيل : لا يسلم أحد على فاسق معلن ، ولا مبتدع معلن ، ولا يهجر مسلما مستورا غيرهما من السلام ، فوق ثلاثة أيام ، ذكره في الآداب ، قلت : وظاهر ما قدمه في الآداب عدم التحريم ، وهذه المسألة شبيهة بالتي قبلها ، وذكر المصنف في كتابه كلام ابن حامد وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية