البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله نصف صاع من بر أو دقيقه أو سويقه أو زبيب أو صاع تمر أو شعير ، وهو ثمانية أرطال ) بدل من الضمير في تجب أي تجب صدقة الفطر ، وهي نصف صاع إلى آخره لحديث الصحيحين { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير } فعدل الناس به مدين من حنطة ، والكلام مع المخالفين في المسألة طويل قد استوفاه المحقق في فتح القدير ، وفي جعله دقيق البر وسويقه كالبر إشارة إلى أن دقيق الشعير وسويقه كهو كما صرح به في الكافي وأفاد أنه لا اعتبار للقيمة في الدقيق والسويق كأصلهما ; لأن المنصوص عليه لا تعتبر فيه القيمة بخلاف غيره حتى لو أدى نصف صاع من تمر قيمته صاع من بر أو أكثر لا يجوز لكن صرح المصنف في الكافي بأن الأولى اعتبار القدر والقيمة في الدقيق والسويق

وإن نص على الدقيق في بعض الأخبار إلا أنه ليس بمشهور فالاحتياط فيما قلنا ، وهو أن يعطي نصف صاع دقيق حنطة أو صاع دقيق شعير يساويان نصف صاع بر وصاع شعير لا أقل من نصف يساوي نصف صاع من بر أو أقل من صاع يساوي صاع شعير ، ولا نصف لا يساوي نصف صاع بر أو صاع لا يساوي صاع شعير كذا في فتح القدير وقيد بالدقيق والسويق ; لأن الصحيح في الخبز أنه لا يجوز إلا باعتبار القيمة لعدم ورود النص به فكان كالزكاة وكالذرة وغيرها من الحبوب التي لم يرد بها النص ، وكالأقط ، وجعله الزبيب كالبر رواية الجامع الصغير وجعلاه كالتمر ، وهو رواية عن أبي حنيفة وصححها أبو اليسر ورجحها المحقق في فتح القدير من جهة الدليل ، وفي شرح النقاية والأولى أن يراعي في الزبيب القدر [ ص: 274 ] والقيمة ، والضمير في قوله ، وهو عائد إلى الصاع وتقديره بما ذكر مذهب أبي حنيفة ومحمد

وقال أبو يوسف : خمسة أرطال وثلث ، وبه قال الأئمة الثلاثة ، ومنهم من رفع الخلاف بينهم فإن أبا يوسف لما حرره وجده خمسة وثلثا برطل أهل المدينة ، وهو أكبر من رطل أهل بغداد ; لأنه ثلاثون إستارا ، والبغدادي عشرون وإذا قابلت ثمانية بالبغدادي بخمسة وثلث بالمدني وجدتها سواء .

وهو الأشبه ; لأن محمدا لم يذكر في المسألة خلاف أبي يوسف ولو كان لذكره على المعتاد ، وهو أعرف بمذهبه ، ورده في الينابيع بأن الصحيح أن الاختلاف بينهم ثابت بالحقيقة ، والإستار بكسر الهمزة أربعة مثاقيل ونصف كذا في شرح الوقاية ، وفي تقديره الصاع بالأرطال دليل أنه يعتبر نصف صاع أو صاع من حيث الوزن لا من حيث الكيل ، وهو مذهب أبي حنيفة .

وعن محمد يعتبر كيلا ; لأن النص جاء بالصاع ، وهو اسم للمكيال حتى لو وزن أربعة أرطال فدفعها إلى الفقير لا يجزئه لجواز كون الحنطة ثقيلة لا تبلغ نصف صاع ، وإن وزنت أربعة أرطال كذا قالوا لكن قولهم في تقدير الصاع إنه يعتبر بما لا يختلف كيله ووزنه ، وهو بالعدس والماش فما وسع ثمانية أرطال أو خمسة وثلثا من ذلك فهو الصاع كما صرح به في الخانية يقتضي رفع الخلاف المذكور في تقدير الصاع كيلا ووزنا كذا في فتح القدير ، وفي الفتاوى الظهيرية : ولو أدى منوين من الحنطة بالوزن لا يجوز عند أبي حنيفة إلا كيلا ، وهو قول محمد إلا أن يتيقن أنه يبلغ نصف صاع ، وقال أبو يوسف : يجوز ا هـ .

وهو مخالف لما نقل من الخلاف أولا ، وفيها أيضا ويجوز نصف صاع من تمر ومثله من شعير ، ولا يجوز نصف صاع من التمر ومد من الحنطة وجوزه في الكفارة وذكر الإمام الزندوستي في نظمه فإن أدى نصف صاع من شعير ونصف صاع من تمر أو نصف صاع تمر ومنا واحدا من الحنطة أو نصف صاع شعير وربع صاع حنطة جاز عندنا خلافا للشافعي فإن عنده لا يجوز إلا إذا كان الكل من جنس واحد ا هـ .

وأطلق المصنف نصف الصاع والصاع ، ولم يقيده بالجيد ; لأنه لو أدى نصف صاع رديء جاز ، وإن أدى عفينا أو به عيب أدى النقصان ، وإن أدى قيمة الرديء أدى الفضل كذا في الفتاوى الظهيرية ، ولم يتعرض المصنف لأفضلية العين أو القيمة فقيل بالأول وقيل بالثاني والفتوى عليه ; لأنه أدفع لحاجة الفقير كذا في الظهيرية واختار الأول في الخانية إذا كانوا في موضع يشترون الأشياء بالحنطة كالدراهم .


[ ص: 274 ] ( قوله : ورده في الينابيع إلخ ) قال في المعراج وقال صاحب الينابيع فيه أنه غير سديد والصحيح أن الاختلاف بينهم في الحقيقة ; لأن الكل اعتبروا الرطل العراقي فإنه ذكر في المبسوط فقد نص أبو يوسف في كتاب العشر والخراج خمسة أرطال وثلث رطل بالعراقي ، وفي الأسرار خمسة أرطال كل رطل ثلاثون أستارا أو ثمانية أرطال كل رطل عشرون أستارا سواء ( قوله : يقتضي رفع الخلاف المذكور ) أي المذكور عن أبي حنيفة وعن محمد ; لأن مفاد أن المعتبر في الصاع ما يسع ذلك المقدار مما يتساوى كيله ووزنه عدم اعتبار الوزن فقط وعدم اعتبار الكيل فقط بل اعتبار كيل مخصوص ; لأنه لو كان المعتبر الكيل لجاز دفع نصف صاع كيله أكثر من وزنه ، ولو كان المعتبر الوزن لجاز دفع عكس ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية