البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله ، وإن أعاده أو استقاء أو ابتلع حصاة أو حديدا قضى فقط ) أي أعاد القيء أو قاء عامدا وابتلع ما لا يتغذى به ، ولا يتداوى به عادة فسد صومه ولزمه القضاء ، ولا كفارة عليه ، وأطلق في الإعادة فشمل ما إذا لم يملأ الفم ، وهو قول محمد لوجود الصنع وقال أبو يوسف : لا يفسد لعدم الخروج شرعا ، وهو المختار فلا بد من التقييد بملء الفم وأطلق في الاستقاء فشمل ما إذا لم يملأ الفم ، وهو قول محمد ، ولا يفطر عند أبي يوسف ، وهو المختار لكن ذكر المصنف في كافيه أن ظاهر الرواية كقول محمد : وإنما لم يقيد الاستقاء بالعمد كما في الهداية لما قدمه أن النسيان لا يفطر

وما في غاية البيان أن ذكر العمد مع الاستقاء تأكيد ; لأنه لا يكون إلا مع العمد مردود ; لأن العمد يخرج النسيان إن متعمدا لفطره لا متعمدا للقيء فالحاصل أن صور المسائل اثنا عشر ; لأنه لا يخلو إما أن ذرعه القيء أو استقاء وكل منهما لا يخلو إما أن يملأ الفم أو لا وكل من الأربعة أما إن عاد بنفسه أو أعاده أو خرج ، ولم يعده ، ولا عاد بنفسه ، وأن صومه لا يفسد على الأصح في الجميع إلا في مسألتين في الإعادة بشرط ملء الفم ، وفي الاستقاء بشرط ملء [ ص: 296 ] الفم ، وأن وضوءه ينتقض إلا فيما إذا لم يملأ الفم ، وأما الصلاة ففي الظهيرية منها لو قاء أقل من ملء الفم لم تفسد صلاته ، وإن أعاده إلى جوفه يجب أن يكون على قياس الصوم عند أبي يوسف لا تفسد وعن محمد تفسد ، وإن تقيأ في صلاته إن كان أقل من ملء الفم لا تفسد صلاته ، وإن كان ملء الفم تفسد صلاته ا هـ .

وفي الخلاصة من فصل الحدث في الصلاة فلو قاء إن كان من غير قصده يبني إذا لم يتكلم ، وإن تقيأ لا يبني ، وهذا إذا كان ملء الفم فإن كان أقل من ذلك لا تفسد صلاته فلا حاجة إلى البناء ا هـ .

وأطلق في أنواع القيء والاستقاء فشمل ما إذا استقاء بلغما ملء الفم ، وهو قول أبي يوسف وعند أبي حنيفة ومحمد : لا يفسد صومه بناء على الاختلاف في انتقاض الطهارة وقول أبي يوسف هنا أحسن وقولهما في عدم النقض به أحسن ; لأن الفطر إنما أنيط بما يدخل أو بالقيء عمدا من غير نظر إلى طهارة ونجاسة فلا فرق بين البلغم وغيره بخلاف نقض الطهارة كذا في فتح القدير وتعبيري بالاستقاء في البلغم أولى مما في الشرح وغيره من التعبير بالقيء كما لا يخفى ، ولو استقاء مرارا في مجلس ملء فيه لزمه القضاء ، وإن كان في مجالس أو غدوة ثم نصف النهار ثم عشية لا يلزمه كذا في خزانة الأكمل وتعبيري بالاستقاء أولى من التعبير بالقيء كما في الشرح ، وينبغي أن يعتبر عند محمد اتحاد السبب لا المجلس كما في نقض الوضوء وأن يكون هو الصحيح كما في النقض ، وينبغي أن يكون ما في الخزانة مفرعا على قول أبي يوسف أما على قول محمد فإنه يبطل صومه بالمرة الأولى ، وأما إذا ابتلع ما لا يتغذى به ، ولا يتداوى به كالحصاة والحديد فلوجود صورة الفطر ، ولا كفارة لعدم معناه ، وهو إيصال ما فيه نفع البدن إلى الجوف فقصرت الجناية ، وهي لا تجب إلا بكمالها فانتفت

وفي القنية أفطر في رمضان مرة بعد أخرى بتراب أو مدر لأجل المعصية فعليه الكفارة زجرا له وكتب غيره نعم الفتوى على ذلك وبه أفتى أئمة الأمصار ، وإنما عبر بالابتلاع دون الأكل ; لأنه عبارة عن إيصال ما يأتي فيه المضغ ، وهو لا يتأتى في الحصاة وكذا كل ما لا يتغذى به ، ولا يتداوى به كالحجر والتراب والدقيق على الأصح والأرز والعجين والملح إلا إذا اعتاد أكله وحده ، ولا في النواة والقطن والكاغد والسفرجل إذا لم يدرك ، ولا وهو مطبوخ ، ولا في ابتلاع الجوزة الرطبة ، ويجب لو مضغها أو مضغ اليابسة لا إن ابتلعها ، وكذا يابس اللوز والبندق والفستق إن ابتلعه لا يجب ، وإن مضغه وجبت كما يجب في ابتلاع اللوزة الرطبة ; لأنها تؤكل كما هي بخلاف الجوزة ، وابتلاع التفاحة كاللوزة ، والرمانة والبيضة كالجوزة ، وفي ابتلاع البطيخة الصغيرة والخوخة الصغيرة والهليلجة روي عن محمد وجوب الكفارة ، وتجب بأكل اللحم النيء ، وإن كان ميتة منتنا لا إن دود فلا تجب

واختلف في الشحم واختار أبو الليث الوجوب وصححه في الظهيرية فلو كان قديدا وجب بلا خلاف ، وتجب بأكل كل الحنطة وقضمها لا إن مضغ قمحة للتلاشي

[ ص: 297 ] ولا تجب بأكل الشعير إلا إذا كان مقليا كذا في الظهيرية ، وتجب بالطين الأرمني ، وكذا بغيره على من يعتاد أكله كالمسمى بالطفل لا على من لا يعتاده ، ولا بأكل الدم في ظاهر الرواية ، وإن أكل ورق الشجر فإن كان مما يؤكل كورق الكرم فعليه القضاء والكفارة ، وإن كان مما لا يؤكل كورق الكرم إذا عظم فعليه القضاء دون الكفارة ، ولو أكل قشور الرمان بشحمتها أو ابتلع رمانة فلا كفارة ، وهو محمول على ما إذا أكل مع القشر ، ولو أكل قشر البطيخ إن كان يابسا وكان بحال يتقذر منه فلا كفارة ، وإن كان طريا لا يتقذر منه فعليه الكفارة

وإن أكل كافورا أو مسكا أو زعفرانا فعليه الكفارة وإذا أكل لقمة كانت في فيه وقت السحر ، وهو ذاكر لصومه لا رواية لها في الأصول قال أبو حفص الكبير : إن كانت لقمة غيره لا كفارة عليه ، وإن كانت لقمته فابتلعها من غير أن يخرجها من فمه فعليه الكفارة هو الصحيح ، وإن أخرجها إن بردت فلا كفارة ; لأنها صارت مستقذرة ، وإن لم تبرد وجبت ; لأنها قد تخرج لأجل الحرارة ثم تدخل ثانيا كذا في الظهيرية .


( قوله : لعدم الخروج شرعا ) ; لأن ما دون ملء الفم ليس له حكم الخارج ; لأنه يمكن ضبطه بخلاف ما كان ملء الفم فإن له حكم الخارج ، وفائدته تظهر في أربع مسائل كما في السراج الوهاج أحدهما إذا كان أقل من ملء الفم وعاد أو شيء منه قدر الحمصة لم يفطر إجماعا أما عند أبي يوسف فإنه ليس بخارج ; لأنه أقل من ملء الفم وعند محمد لا صنع له في الإدخال ، والثانية إن كان ملء الفم وأعاده أو شيئا منه قدر الحمصة فصاعدا أفطر إجماعا أما عند أبي يوسف فلأنه ملء الفم فكان خارجا ، وما كان خارجا إذا أدخله جوفه فسد صومه ، ومحمد يقول : قد وجد منه الصنع ، والثالثة : إذا كان أقل من ملء الفم وأعاده أو شيئا منه أفطر عند محمد لما مر وعند أبي يوسف لا يفطر لما مر

والرابعة إذا كان ملء الفم وعاد بنفسه أو شيء منه مقدار الحمصة فصاعدا أفطر عند أبي يوسف وعند محمد : لا ، وهو الصحيح ; لأنه لم يوجد صورة الفطر ، وهو الابتلاع بصنعه ، ولا معناه ; لأنه لا يتغذى به ، ولأنه كما لا يمكن الاحتراز عن خروجه فكذا عن عوده فجعل عفوا ا هـ .

( قوله : وإنما لم يقيد الاستقاء بالعمد إلى قوله ; لأنه لا يخلو ) ساقط من بعض النسخ والصواب وجوده ( قوله : فالحاصل أن صور المسائل اثنا عشر إلخ ) قال في الدر المنتقى فالحاصل أنها تتفرع إلى أربعة وعشرين ; لأنه إما أن قاء أو استقاء وكل إما أن يملأ الفم أو دونه وكل من الأربعة إما أن خرج أو عاد وكل إما ذاكر لصومه أو لا ، ولا في فطر في الكل على الأصح إلا في الإعادة والاستقاء بشرط الملء مع التذكر لكن صحح القهستاني عدم الفطر بإعادة القليل وعود الكثير فتنبه ، وهذا في غير البلغم أما هو فغير مفسد مطلقا خلافا لأبي يوسف في الصاعد واستحسنه الكمال وغيره

( قوله : إلا في مسألتين في الإعادة بشرط ملء الفم ، وفي الاستقاء بشرط ملء الفم ) هكذا في بعض النسخ ، وفي بعضها سقط قوله : وفي الاستقاء وكان يغنيه على الأولى أن يقول في الإعادة أو الاستقاء بشرط ملء الفم فيهما ، وهذا بناء على قول أبي يوسف المختار لا على ظاهر الرواية كما علم مما مر وقوله : وأن وضوءه ينتقض إلا فيما إذا لم يملأ الفم عطف على قوله وأن صومه لا يفسد وهذه النسخة هي الصواب ، وفي بعض النسخ ، وفي أن وضوءه ينتقض فيما إذا لم يملأ الفم بزيادة في وإسقاط [ ص: 296 ] إلا وعليها كتب الرملي فقال : لا وجه لاستثنائه مما تقدم ( قوله : ففي الظهيرية منها ) أي من الصلاة أي من كتاب الصلاة ثم إن النسخ هنا مختلفة ، والصواب الموافق لما رأيته في الظهيرية أن تكون العبارة هنا هكذا لو قاء أقل من ملء الفم لم تفسد صلاته ، وإن أعاده إلى جوفه يجب أن يكون إلخ وما قبل يجب من قوله وأطلق في أنواع القيء والاستقاء فشمل ما إذا استقاء بلغما ملء الفم ، وهو قول أبي يوسف وعند أبي حنيفة ومحمد لا يفسد صومه بناء على الاختلاف في انتفاض الطهارة

وقول أبي يوسف هنا أحسن إلى قوله كذا في فتح القدير محله بعد تمام عبارة الخلاصة ( قوله : وتعبيري بالاستقاء إلخ ) موجود في موضعين الأول منهما بعد مسألة البلغم والثاني بعد عبارة الخزانة ، وهذا الثاني ساقط من بعض النسخ والأصوب وجوده ; لأن الزيلعي عبر بالقيء فيهما ( قوله : وينبغي أن يعتبر عند محمد اتحاد السبب إلخ ) اعترضه في النهر بأن على قول محمد لا يتأتى التفريع لما أنه يفطر عنده بما دون ملء الفم ، وحينئذ فلا يصح اعتبار السبب على قوله كما في الوضوء ، وهو ظاهر ا هـ .

قلت : مراد المؤلف أنه لو أمكن التفريع لكان ينبغي اعتبار اتحاد السبب والمراد بالتفريع الفرق بين العود والإعادة ويدل على أن مراده ما قلنا قوله بعد أما على قول محمد فإنه يبطل صومه بالمرة الأولى تأمل

( قوله : وأما إذا ابتلع إلخ ) أي وأما القضاء فقط إذا ابتلع إلخ ( قوله : والملح إلا إذا اعتاد أكله وحده ) كذا في الفتح قال وقيل يجب في قليله دون كثيره وبه جزم في الجوهرة كما في النهر وكذا في السراج ومشى عليه في نور الإيضاح وجعله المختار ونقله في الإمداد عن المبتغى ونقل عن الخلاصة والبزازية اختيار الوجوب من غير ذكر تفصيل قال الرملي : والذي يظهر اعتماده التفصيل بين من اعتاد أكله وبين من لم يعتد ( قوله : روي عن محمد وجوب الكفارة ) قال في النهر : والأقيس في الهليلجة الوجوب ; لأنه يتداوى بها على هذه الصورة ، ومن ثم جزم الشارح وغيره بوجوبها بأكل الطين الأرمني ( قوله : لا إن مضغ قمحة للتلاشي ) أي لا تجب الكفارة بذلك ، وأما الفساد فهو ثابت لو وجد طعمها في حلقه على ما مر عن الكافي والفتح .

التالي السابق


الخدمات العلمية