البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله : وللمتطوع بغير عذر في رواية ويقضي ) أي له الفطر بعذر وبغيره وإذا أفطر قضى إن كان نفلا قصديا وهذه الرواية عن أبي يوسف وظاهر الرواية أنه ليس له الفطر إلا من عذر وصححه في المحيط وإنما اقتصر على هذه الرواية ; لأنها أرجح من جهة الدليل ولهذا اختارها المحقق في فتح القدير وقال إن الدلالة تضافرت عليها وهي أوجه ثم اختلف المشايخ على ظاهر الرواية هل الضيافة عذر أو لا قيل نعم وقيل لا وقيل عذر قبل الزوال لا بعده إلا إذا كان في عدم الفطر بعده عقوق لأحد الوالدين لا غيرهما حتى لو حلف عليه رجل بالطلاق الثلاث ليفطرن لا يفطر وقيل إن كان صاحب الطعام يرضى بمجرد حضوره وإن لم يأكل لا يباح الفطر وإن كان يتأذى بذلك يفطر كذا في فتح القدير ولم يصحح شيئا كما ترى وفي الكافي والأظهر أنها عذر وصحح قاضي خان في شرح الجامع الصغير من أحكام الخلوة أن الضيافة عذر وفي الفتاوى الظهيرية قالوا والصحيح من المذهب أنه ينظر في ذلك إن كان صاحب الدعوة ممن يرضى بمجرد حضوره ولا يتأذى بترك الإفطار لا يفطر وقال شمس الأئمة الحلواني أحسن ما قيل في هذا الباب إنه إن كان يثق من نفسه القضاء يفطر دفعا للأذى عن أخيه المسلم وإن كان لا يثق لا يفطر وإن كان في ترك الإفطار أذى أخيه المسلم وفي مسألة اليمين يجب أن يكون الجواب على هذا التفصيل . ا هـ .

وفي موضع آخر منها وإن كان صائما عن قضاء رمضان يكره له أن يفطر ; لأن له حكم رمضان . ا هـ .

ولهذا لا يفطر لو حلف عليه رجل بالطلاق ليفطرن كذا في المحيط وفي النهاية الأظهر أن الضيافة عذر وفي البزازية لو حلف بطلاق امرأته إن لم يفطر إن نفلا أفطر وإن قضاء لا والاعتماد على أنه يفطر فيهما ولا يحنثه وإذا قلنا بأن الضيافة عذر في التطوع تكون عذرا في حق الضيف والمضيف كذا في شرح الوقاية وأطلق في قضاء التطوع فشمل ما إذا كان فطره عن قصد أو لا بأن عرض الحيض للصائمة المتطوعة في أصح الروايتين كذا في النهاية وقيدنا النفل بكونه قصديا ; لأنه لو شرع على ظن أنه عليه ثم علم أنه لا شيء عليه كان متطوعا والأحسن أن يتمه فإن أفطر لا قضاء عليه كذا في المحيط وغيره وقيده صاحب الهداية في التجنيس بأن لا يمضي عليه ساعة من حين ظهر بأن لا شيء عليه فإن مضى ساعة ثم أفطر فعليه القضاء ; لأنه لما مضى عليه ساعة صار كأنه نوى في هذه الساعة فإذا كان قبل الزوال صار شارعا في صوم التطوع فيجب عليه ثم قال إذا نوى الصوم للقضاء بعد طلوع الفجر حتى لا تصح نيته عن القضاء يصير صائما وإن أفطر يلزمه القضاء كما إذا نوى التطوع ابتداء وهذه ترد إشكالا على مسألة المظنون . ا هـ .

وقد تقدم الكلام عليه عند قوله وما بقي لم يجز إلا بنية معينة وفي البدائع إذا شرع في صوم الكفارة ثم أيسر في خلاله لا قضاء عليه وفي الفتاوى الظهيرية ويكره للعبد أو للأجير أو للمرأة أن يتطوع بالصوم إلا أن يأذن من له حق فيه ومن له الحق له أن يفطره وفي الولوالجية وابنة الرجل وقرابته تتطوع بدون إذنه ; لأنه لا يفوت حقه . ا هـ .

وقيد في المحيط والولوالجية كراهة صوم المرأة بأن يضر بالزوج أما إذا كان لا يضره بأن كان صائما أو مريضا فلها أن تصوم وليس له منعها ; لأنه ليس فيه إبطال حقه بخلاف العبد والمدبر وأم [ ص: 310 ] الولد والأمة فإنه ليس لهم الصوم بغير إذن المولى وإن لم يضر به ; لأن منافعهم مملوكة للمولى بخلاف المرأة فإن منافعها غير مملوكة للزوج وإنما له حق الاستمتاع بها وتقضي المرأة إذا أذن لها الزوج أو بانت منه ويقضي العبد إذا أذن له المولى أو أعتق وقيد كراهة صوم الأجير أيضا بكون الصوم يضر بالمستأجر في الخدمة فإن كان لا يضر فله أن يصوم بغير إذنه . ا هـ .

وفي البزازية قالوا يباح الفطر لأجل المرأة أي لا يمنع صوم النفل صحة الخلوة وفي النظم الأفضل أن يفطر للضيافة ، ولا يقول : أنا صائم ; لئلا يقف على سره أحد وفي فتاوى قاضي خان لا يصوم المملوك تطوعا إلا بإذن المولى إلا إذا كان غائبا ولا ضرر له في ذلك . ا هـ .

وهو خلاف ما في المحيط وإن أحرمت المرأة تطوعا بغير إذن الزوج قالوا له أن يحللها والأجير إذا كان يضره الخدمة وكذا في الصلوات كذا في فتاوى قاضي خان . فالحاصل أن الصوم والحج والصلاة سواء ، والأظهر من هذا كله إطلاق ما في الظهيرية في المرأة والعبد ; لأن الصوم يضر ببدن المرأة ويهزلها وإن لم يكن الزوج الآن يطؤها والعبد منافعه مملوكة للمولى فليس له الصوم مطلقا بغير إذنه ولو كان المولى غائبا فإنه لم يكن مبقى على أصل الحرية في العبادات إلا في الفرائض وأما في النوافل فلا ، وفي القنية وللزوج أن يمنع زوجته عن كل ما كان الإيجاب من جهتها كالتطوع والنذر واليمين دون ما كان من جهته تعالى كقضاء رمضان وكذا العبد إلا إذا ظاهر من امرأته لا يمنعه من كفارة الظهار بالصوم لتعلق حق المرأة به ثم اعلم أن إفساد الصوم أو الصلاة بعد الشروع فيها مكروه نص عليها في غاية البيان وليس بحرام ; لأن الدليل ليس قطعي الدلالة كما أوضحه في فتح القدير .


[ ص: 309 ] ( قوله فإذا كان قبل الزوال صار شارعا ) المراد به قبل الضحوة الكبرى ومفهومه أنه إذا كان بعد الزوال أي بعد نصف النهار لا يجب عليه القضاء إذا قطعه سواه قطعه في الحال أو بعد ساعة وهو ظاهر قاله بعض الفضلاء [ ص: 310 ] ( قوله : والأظهر من هذا كله إلخ ) قال في النهر وعندي أن إحالة المنع على الضرر وعدمه على عدمه أولى للقطع بأن صوم يوم لا يهزلها فلم يبق إلا منعه عن وطئها وذلك إضرار به فإن انتفى بأن كان مريضا أو مسافرا جاز .

التالي السابق


الخدمات العلمية