البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله واستلم الحجر كلما مررت به إن استطعت ) أي من غير إيذاء لحديث البخاري أنه { عليه السلام طاف على بعير كلما أتى في الركن أشار بشيء في يده وكبر } وفي المغرب استلم الحجر تناوله بيده أو بالقبلة أو مسحه بالكف من السلمة بفتح السين وكسر اللام ، وهي الحجر أفاد أن استلام الحجر بين كل شوطين سنة كما صرح به في غاية البيان ، وذكر في المحيط والولوالجي في فتاواه أن الاستلام في الابتداء والانتهاء سنة ، وفيما بين ذلك أدب ولم يذكر المصنف استلام غير الحجر ; لأنه لا يستلم الركن العراقي والشامي

وأما اليماني فيستحب أن يستلمه ولا يقبله وعند محمد هو سنة وتقبيله مثل الحجر الأسود ، الدلائل تشهد له فإن { ابن عمر قال لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يمس من الأركان إلا اليمانيين } كما في الصحيحين .

وعن ابن عباس أنه عليه السلام { كان يقبل الركن اليماني ، ويضع يده عليه } رواه الدارقطني وعنه عليه السلام { إذا استلم الركن اليماني قبله } رواه البخاري في تاريخه .

وعن { ابن عمر أنه قال ما تركت استلام هذين الركنين الركن اليماني والحجر الأسود منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما } ، رواه مسلم وأبو داود وقد علمت أن استلام الحجر والركن اليماني يعم التقبيل فقد دل على سنية استلامه

وأظهر منه ما رواه أحمد وأبو داود عن ابن عمر أنه عليه السلام لا يدع أن يستلم الحجر والركن اليماني في كل طوافه فإنه صريح في المواظبة الدالة على السنية ، واعلم أنه قد صرح في غاية البيان أنه لا يجوز استلام غير الركنين وهو تساهل ، فإنه ليس فيه ما يدل على التحريم ، وإنما هو مكروه كراهة التنزيه والحكمة في عدم استلامهما أنهما ليسا من أركان البيت حقيقة ; لأن بعض الحطيم من البيت فيكون الركنان إذن وسط البيت [ ص: 356 ] وأن الأصل في النسبة إلى اليمن والشام يمني وشامي ثم حذفوا إحدى يائي النسبة ، وعوضوا منها ألفا فقالوا اليماني والشامي بالتخفيف ، وبعضهم يشدده كما في الصحاح .


( قوله إن الاستلام في الابتداء والانتهاء سنة ) سقط لفظ والانتهاء من بعض النسخ والصواب إثباته ; لأنه موجود في الولوالجية وليلائم قوله وفيما بين ذلك هذا وفي شرح اللباب ولا تنافي بين الأقوال فإن استلام طرفيه آكد مما بينهما ولعل السبب أنه يتفرع على الاستلام فيما بينهما نوع من ترك الموالاة بخلاف طرفيها ، ثم هل يرفع اليدين في كل تكبير يستقبل به في مبدأ كل شوط أو يختص بالأول فمال ابن الهمام : إلا أن الثاني هو المعول وظاهر كلام الكرماني والطحاوي وبعض الأحاديث يؤيد الثاني فينبغي أن يرفعهما مرة ويتركهما أخرى فإن الجمع في موضع الخلاف مهما أمكن أحرى .

( قوله والدلائل تشهد له ) قيد بالدلائل ; لأنه من حيث المذهب ظاهر الرواية هو الأول كما في الهداية والكافي وغيرهما . قال الكرماني : وهو الصحيح وقال في النخبة ما عن محمد ضعيف جدا وفي البدائع لا خلاف في أن تقبيله ليس بسنة وفي السراجية ولا يقبله في أصح الأقاويل .

والحاصل أن الأصح هو الاكتفاء بالاستلام والجمهور على عدم التقبيل ، والاتفاق على ترك السجود فإذا عجز عن استلامه فلا يشير إليه إلا رواية عن محمد كذا في شرح اللباب [ ص: 356 ] ( قوله وأن الأصل في النسبة إلى اليمن والشام إلخ ) الأصوب الاقتصار على اليمن لإيهامه أن في الشامي نسبة إلى الشام تغييرا وليس كذلك بل التغيير بالحذف والتعويض في النسبة إلى اليمن فقط ولذا اقتصر عليه في العناية وغيرها . قال في الصحاح الشأم بلاد تذكر وتؤنث ورجل شأمي وشآمي على فعال وشأمي أيضا حكاه سيبويه ولا تقل شأم وقال أيضا اليمن بلاد للعرب والنسبة إليهم يمني ويمان مخففة والألف عوض من ياء النسب فلا يجتمعان قال سيبويه وبعضهم يقول يماني بالتشديد ا هـ .

فقول المؤلف ثم حذفوا إحدى يائي النسبة يعني من يمني فقط ، وكذا قوله بالتخفيف راجع إلى اليماني .

التالي السابق


الخدمات العلمية