البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله وعلى فرس أو حمار يجب الوسط أو قيمته ) أي لو نكحها على فرس أو نكحها على حمار وحاصله أنه سمى جنس الحيوان دون نوعه كذا في التبيين وفي الهداية معنى المسألة أن يسمي جنس الحيوان دون الوصف وفي الولوالجية الحاصل أن جهالة الجنس والقدر مانعة وجهالة النوع والوصف لا ا هـ .

وإنما صحت التسمية مع هذه الجهالة ; لأن النكاح معاوضة مال بغير مال فجعلنا التزام المال ابتداء حتى لا يفسد بأصل الجهالة كالدية والأقارير وشرطنا أن يكون المسمى مالا وسطه معلوم رعاية للجانبين وذلك عند إعلام الجنس ; لأنه يشتمل على الجيد والرديء والوسط ذو حظ منهما بخلاف جهالة الجنس ; لأنه واسطة لاختلاف معاني الأجناس وبخلاف البيع ; لأن مبناه على المضايقة والمماكسة أما النكاح فمبناه على المسامحة ، وإنما يتخير الزوج ; لأن الوسط لا يعرف إلا بالقيمة فصارت أصلا في حق الإيفاء والعبد أصل تسمية فيتخير بينهما ، والأوسط من العبيد في زماننا الأدنى التركي والأرفع الهندي كذا في الذخيرة وفي البدائع الجيد عندهم هو الرومي والوسط فتخنق والرديء الهندي ، وأما عندنا فالجيد هو التركي والوسط الرومي والرديء الهندي . ا هـ .

والأوسط في القاهرة في زماننا العبد الحبشي والأعلى الأبيض والرديء الأسود وتعتبر قيمة الوسط على قدر غلاء السعر والرخص عندهما وهو الصحيح كذا في الذخيرة أي عند أبي يوسف ومحمد ، وأما أبو حنيفة فقد قدره بحسب زمنه قيد بكونه لم يضفه إلى نفسه ; لأنه لو أضافه إلى نفسه كما إذا قال تزوجتك على عبدي أو على ثوبي أو قالت المرأة اختلعت نفسي منك على عبدي ثم أتى [ ص: 176 ] بالقيمة لا تجبر على القبول ; لأن الإضافة إلى نفسه من أسباب التعريف كالإشارة ، وهذا بخلافها في الوصية فإن من أوصى لإنسان بعشرة من رقيقه وله رقيق فهلكوا واستفاد رقيقا آخر لا تبطل الوصية ولو التحقت الإضافة بالإشارة لبطلت الوصية كما لو أشار إلى الرقيق فهلكوا فإنها تبطل ; لأن الإضافة بمنزلة الإشارة من وجه من حيث إن كل واحدة وضعت للتعريف إلا أنها بمنزلة الإطلاق من وجه من حيث إنها لا تقطع الشركة من كل وجه والعمل بالشبهين متعذر في جميع العقود فعملنا بشبه الإشارة في الأمان والنكاح والخلع وبشبه الإطلاق في الوصية عملا بهما بقدر الإمكان كذا في الذخيرة وبهذا علم أنه لا يسوى بين المشار إليه وبين المضاف هنا من كل وجه ; لأن المشار إليه ليس فيه شركة أصلا فلذا تملكه المرأة بمجرد القبول إن كان ملكا للزوج

وأما في المضاف فلا تملكه المرأة بمجرد القبول حتى يعينه الزوج فما في فتح القدير من التسوية بينهما في هذا الحكم غير صحيح ويشكل على ما في الذخيرة ما في الخانية لو قال أتزوجك على ناقة من إبلي هذه قال أبو حنيفة لها مهر مثلها وقال أبو يوسف يعطيها ناقة من إبله ما شاء ا هـ .

فإن الناقة كالعبد فينبغي أن تصح التسمية كما لا يخفى وذكر في البدائع الجمل مع العبد وأنه تصح تسميته ولا فرق بين الجمل والناقة إلا أن يقال إنها مجهولة ولا يمكن إيجاب الوسط مع التقييد بقوله من إبلي هذه فالمفسد للتسمية قوله من إبلي لا مطلق ذكر الناقة ويدل عليه ما في المعراج أنه لو تزوجها على ناقة من هذه الإبل وجب مهر المثل فالإشارة والإضافة فيه سواء وإن لم يكن المشار إليه في ملكه فلها المطالبة بشرائه فإن عجز عن شرائه لزمه قيمته وحاصله أن العرض المعين والمثلي كذلك تملكه المرأة قبل القبض لتعينه إلا النقدين فلا تملكه إلا بالقبض ، وكذا غير المعين من الأولين ومن أحكام العرض المهر أنه لا يثبت فيه خيار رؤية ; لأن فائدته فسخ العقد بالرد وهو لا يقبله ، وأما خيار العيب فإن كان العيب يسيرا فلا ترده به وإن كان فاحشا فلها رده هكذا أطلقه كثير واستثني في فتاوى قاضي خان المكيل والموزون فإنها ترده باليسير والفاحش وفي المبسوط كل عيب ينقص من المالية مقدار ما لا يدخل تحت تقويم المقومين في الأسواق فهو فاحش وإن كان ينقص بقدر ما يدخل بين تقويم المتقومين فهو يسير . ا هـ .

وقيد المصنف بالفرس ونحوه ; لأنه لو تزوجها على قيمة هذا الفرس أو على قيمة هذا العبد وجب مهر المثل ; لأنه سمى مجهول الجنس كذا في الخانية ففرق بين القيمة ابتداء وبقاء ; لأنه يتسامح في البقاء ما لا يتسامح في الابتداء .

وأشار المصنف إلى أنه لو تزوجها على أربعمائة دينار على أن يعطيها بكل مائة خادما فإنه يجوز الشرط ولها أربع من الخدم الأوساط كما في الخانية بالأولى وإن عين الخدم في هذه المسألة فهو صحيح كما في الخانية بالأولى .


( قوله والمماكسة ) قال في القاموس تماكسا في البيع تشاحا وماكسه شاحه . ( قوله : وأما أبو حنيفة فقد قدره بحسب زمنه ) أي حيث قدر في السود بأربعين وفي البيض بخمسين كما في الفتح [ ص: 176 ] ( قوله في الأمان ) في بعض النسخ كنسخ النهر في الأيمان ولكن الذي رأيته في الذخيرة في الأمان مصدر آمن لا جمع يمين . ( قوله غير صحيح ) قال في النهر هذا سهو بل هو صحيح وذلك أن المدعى إنما هو ثبوت الملك لها بمجرد القبول ولا شك أن هذا القدر ثابت في المشار إليه والمضاف غير أنه في الأول مستغن عن التمييز بخلاف الثاني فإذا قال على عبدي وله أعبد ثبت لها الملك في واحد وسط مما في ملكه وعليه تعيينه ودعوى توقف ملكها له غير صحيح إذ لو كان كذلك لاستوى الإبهام والإضافة في هذا فإنه لو عين لها في الإبهام وسطا أجبرت على قبوله ا هـ . فليتأمل .

( قوله فالمفسد للتسمية قوله من إبلي ) قال المقدسي في الرمز هذا من قلب الموضوع ; لأن المطلق إذا صح فصحة المقيد أولى . ( قوله كما في الخانية بالأولى ) يوجد في النسخ لفظة بالأولى في الموضعين . والظاهر أنها في الأول منهما زائدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية