البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله وعلى ثوب أو خمر أو خنزير أو على هذا الخل فإذا هو خمر أو على هذا العبد فإذا هو حر يجب مهر المثل ) بيان لثلاث مسائل الحكم فيها واحد وهو وجوب مهر المثل لفساد التسمية الأولى إذا كان المسمى مجهول الجنس كالثوب ; لأن الأثواب أجناس شتى كالحيوان والدابة فليس البعض أولى من البعض بالإرادة فصارت الجهالة فاحشة ، وقد فسر في غاية البيان الجنس بالنوع ولا حاجة إليه ; لأن الجنس عند الفقهاء هو المقول على كثيرين مختلفين [ ص: 177 ] بالأحكام كإنسان والنوع هو المقول على كثيرين متفقين بالأحكام كرجل ولا شك أن الثوب تحته - الكتان والقطن والحرير والأحكام مختلفة فإن الثوب الحرير لا يحل لبسه وغيره يحل فهو جنس عندهم ، وكذا الحيوان تحته الفرس والحمار وغيرهما ، وأما الدار فتحتها ما يختلف اختلافا فاحشا بالبلدان والمحال والسعة والضيق وكثرة المرافق وقلتها فتكون هذه الجهالة أفحش من جهالة مهر المثل فمهر المثل أولى وهو الضابط هنا سواء كان مجهول الجنس أو مجهول النوع

وأما البيت فذكروا أن تسميته صحيحة كفرس وحمار ، وقد بحث فيه المحقق ابن الهمام بأنه في عرفنا ليس خاصا بما يبات فيه بل يقال لمجموع المنزل والدار فينبغي أن يجب بتسميته مهر المثل كالدار وذكر في البدائع أنه لو تزوجها على بيت فلها بيت وسط مما يجهز به النساء وهو بيت الثوب لا البيت المبني فينصرف إلى فراش البيت في أهل الأمصار وفي أهل البادية إلى بيت الشعر ا هـ .

وبه اندفع ما بحثه ابن الهمام ; لأنهم ما أرادوا به المبني وفي معراج الدراية وفي عرفنا يراد بالبيت المبني الذي من المدر يبات فيه فلا يصلح مهرا إذا لم يكن معينا ا هـ .

قيد بالثوب من غير بيان نوعه ; لأنه لو زاد عليه ، فقال هروي أو مروي صحت التسمية ويجب الوسط أو قيمته يخير الزوج كما قدمناه ، وكذا إذا بالغ في وصف الثوب في ظاهر الرواية ; لأنها ليست من ذوات الأمثال بدليل أنه لو استهلكها لا يضمن المثل قال محمد

وأصل هذا أن كل ما جاز السلم فيه فلها أن لا تأخذ إلا المسمى وما لم يجز فيه السلم كان للزوج أن يعطيها القيمة والسلم في الثياب جائز إذا كانت مؤجلة ولا يجوز بدون الأجل فله أن يعطيها القيمة إلا في المكيل والموزون لها أن لا تأخذ القيمة وإن لم تكن مؤجلة ; لأن المكيل والموزون يصلح مهرا وثمنا من غير ذكر الأجل أما الثوب الموصوف وإن صلح مهرا إلا أن الثوب يتعين بالتعين فكان بمنزلة العبد ومن تزوج امرأة على عبد بغير عينه كان له أن يعطي القيمة كذا في الخانية فالحاصل أن المكيل والموزون غير النقد إذا سمي جنسه وصفته صار كالمشار إليه العرض وإن لم يسم صفته فهو كالفرس والحمار وفي الخانية لو تزوجها على عشرة دراهم وثوب ولم يصفه كان لها عشرة دراهم ولو طلقها قبل الدخول بها كان لها خمسة دراهم إلا أن تكون متعتها أكثر من ذلك . ا هـ .

وبهذا علم أن وجوب مهر المثل فيما إذا سمي مجهول الجنس إنما هو فيما إذا لم يكن معه مسمى معلوم لكن ينبغي على هذا أن لا ينظر إلى المتعة أصلا ; لأن المسمى هنا عشرة فقط وذكر الثوب لغو بدليل أنه لم يكمل لها مهر المثل قبل الطلاق وفي الظهيرية لو تزوجها على دراهم كان لها مهر المثل ولا يشبه هذا الخلع ا هـ .

وبهذا علم أن جهالة القدر كجهالة الجنس وفي الخانية لو تزوجها على أقل من ألف درهم ومهر مثلها ألفان كان لها ألف درهم ; لأن النقصان عن الألف لم يصح لمكان الجهالة فصار كأنه تزوجها على ألف وإن كان مهر مثلها أقل من عشرة قال محمد لها عشرة دراهم ا هـ .

وفي البدائع لو تزوجها على بيت وخادم ووصف الوسط من كل واحد منهما ثم صالحت من ذلك زوجها على أقل من قيمة الوسط ستين دينارا أو سبعين دينارا جاز الصلح ; لأنه إسقاط للبعض ويجوز ذلك بالنقد والنسيئة فإن صالحته على أكثر من قيمة الوسط فالفضل باطل لكون القيمة واجبة بالعقد . المسألة الثانية تسمية المحرم كما إذا تزوج مسلم مسلمة على خمر أو خنزير فإنه يبطل التسمية ; لأنه ليس بمال في حق المسلم كما في الهداية أو مال غير متقوم كما في البدائع فوجب مهر المثل

وأشار إلى عدم صحتها على الميتة والدم بالأولى ; لأنه ليس بمال عند أحد [ ص: 178 ] أصلا وقيد في الهداية بأن يكون الزوج مسلما وقيد في البدائع بإسلامهما . والظاهر الأول ; لأنه لو تزوج مسلم ذمية على خمر لم تصح التسمية ; لأنه لا يمكن إيجابها على المسلم وقيد بكون المسمى هو المحرم فقط ; لأنه لو سمى لها عشرة دراهم ورطلا من خمر فلها المسمى ولا يكمل مهر المثل كذا في المحيط .

وأشار المصنف إلى صحة النكاح ; لأن شرط قبول الخمر شرط فاسد فيصح النكاح ويلغو الشرط بخلاف البيع ; لأنه يبطل بالشروط الفاسدة .


( قوله ولا حاجة إليه إلخ ) فيه نظر ; لأنه في الهداية قال ولو سمي جنسا بأن قال هروي تصح التسمية ويخير الزوج ، وكذا إذا سمي مكيلا أو موزونا سمي جنسه دون صفته وإن سمي جنسه وصفته لا يخير إلخ ولا شك أن الهروي الذي فسر به الجنس ليس جنسا عند الفقهاء بل الجنس عندهم هو الثوب والهروي نوع ، وكذا قوله سمي جنسه إن أريد به الجنس عند الفقهاء ; لأن معناه أنه سمي مكيلا أو موزونا ; لأنه الجنس عندهم مع أن المراد أنه سمي برا أو شعيرا مثلا ، وهذا هو النوع عند الفقهاء فكان مراده بالجنس النوع ، ولذا قال دون صفته ولم يقل دون نوعه ; لأن الصفة تحت النوع كما أن النوع تحت الجنس تأمل [ ص: 177 ] ( قوله وبه اندفع ما بحثه ابن الهمام ) فيه أن ما ذكره عن البدائع لا يدفع ما بحثه من اختلاف الحكم باختلاف العرف نعم يدفع ما يشعر به كلامه من حمل كلامهم على أن المراد به ما يبات فيه فافهم . ( قوله : وكذا إذا بالغ في وصف الثوب ) قال الرملي أي ، وكذا يتخير بين دفع الثوب أو قيمته ولو بالغ لا أنه يجب الوسط ولو بالغ فإنه إذا دفع الثوب اعتبر وصفه حتى لو قال ثوب هروي جيد أو وسط أو رديء اعتبر الوصف المعين إذا دفعه ، وكذا إذا دفع القيمة يدفع قيمة الجيد في تعيينه وقيمة الوسط في تعيينه ، وكذا الرديء . ( قوله وبهذا علم إلخ ) قال الرملي تأمله والذي يظهر أن الثوب لا يدخل في المهر ويحمل على التبرع به من الزوج قطعا ولو دخل لكانت التسمية فاحشة معه فيوجب فسادها فيحمل على العدة كما جرت به العادة وعليك بالتأمل . ا هـ . وجزم بهذا في فتاواه الخيرية وقال ، وقد جعل في البحر تسمية الثوب لغوا ، وقد زاغ فهم صاحب البحر وأخيه صاحب النهر فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله وحمله على العدة يوضح الكلام وينفي المرام ، والله تعالى أعلم ا هـ .

أقول : لا يخفى عليك أن حمل الثوب على العدة والتبرع هو معنى ما حمله عليه المؤلف من أن ذكره لغو بل الجواب عن كلام الخانية هو ما قدمناه ولا حول ولا قوة إلا بالله .

التالي السابق


الخدمات العلمية