البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله : والإذن في النكاح يتناول الفاسد أيضا ) أي كما يتناول الصحيح ، وهذا عند أبي حنيفة وقالا لا يتناول إلا الصحيح لأن المقصود من النكاح في المستقبل الإعفاف ، والتحصين وذلك بالجائز وله أن اللفظ مطلق فيجري على إطلاقه ، وبعض المقاصد في النكاح الفاسد حاصل كالنسب ووجوب المهر ، والعدة على اعتبار وجود الوطء وفائدة الخلاف تظهر في حق لزوم المهر فيما إذا تزوج امرأة نكاحا فاسدا ودخل بها لأنه يباع في المهر عنده وعندهما لا يطالب إلا بعد العتق ، وفي حق انتهاء الإذن بالعقد فينتهي به عنده فليس له التزوج بعده صحيحا لا منها ولا من غيرها ، وعندهما لا ينتهي به فله ذلك بعده قيد بالإذن لأن التوكيل [ ص: 209 ] بالنكاح لا يتناول الفاسد فلا ينتهي به اتفاقا وعليه الفتوى كما في المصفى لأن مطلوب الآمر فيه ثبوت الحل ، والوكيل بنكاح فاسد لا يملك النكاح الصحيح بخلاف الوكيل بالبيع الفاسد يملك الصحيح ، كذا في الظهيرية ، واليمين في النكاح لا يتناول الفاسد كما إذا حلف لا يتزوج فإنه لا يحنث إلا بالصحيح

وأما إذا حلف أنه ما تزوج في الماضي فإنه يتناول الصحيح ، والفاسد أيضا لأن المراد في المستقبل الإعفاف ، وفي الماضي وقوع العقد ذكره في المبسوط ولو نوى الصحيح صدق ديانة وقضاء ، وإن كان فيه تخفيف رعاية لجانب الحقيقة كذا في التلخيص وأشار المصنف إلى أن الإذن بالبيع وهو التوكيل به يتناول الفاسد بالأولى اتفاقا لأن الفاسد فيه يفيد الملك بالقبض وأطلقه فشمل ما إذا أذن له في نكاح حرة أو أمة وما إذا كانت معينة أو غير معينة فما في الهداية من التقييد بالأمة ، والمعينة اتفاقي ، وقيد بكونه أذنه في النكاح ولم يقيده لأنه لو قيده بأن أذن له في النكاح الفاسد فإنه يتقيد به اتفاقا وقال في البدائع : ولو أذن له في النكاح الفاسد نصا ودخل بها يلزمه المهر في قولهم جميعا أما على أصل أبي حنيفة فظاهر

وأما على أصلهما فلأن الصرف إلى الصحيح لضرب دلالة أوجبت المصير إليه فإذا جاء النص بخلافه بطلت الدلالة ا هـ .

ومقتضاه أنه لو قيد بالصحيح فإنه يتقيد به اتفاقا وأنه لو تزوج صحيحا في صورة التقييد بالفاسد فإنه لا يصح اتفاقا وحاصل المسألة أنه إما أن يطلق المولى الوصف أو يقيده فإن أطلق فهو محل الاختلاف ، وإن قيد فإما أن يوافق أو يخالف ، وقد علمت الأحكام اعلم أن الإذن في النكاح ، والبيع ، والتوكيل في البيع يتناول الفاسد ، والتوكيل بالنكاح لا يتناول ، واليمين في النكاح إن كانت على المضي تناولته ، وإن كانت على المستقبل لا تتناوله ، واليمين على الصلاة كاليمين على النكاح كما في الظهيرية وكذا اليمين على الحج ، والصوم كما في الظهيرية ، واليمين على البيع كذلك كما في المحيط

ولو حلف لا يصلي اليوم لا يتقيد بالصحيحة قياسا وتقيد استحسانا لأنه عقد يمينه على المستقبل كذا في المحيط ومثله لا يتزوج اليوم ، وفي المحيط : صلى ركعتين بغير وضوء اليوم ثم قال إن كنت صليت اليوم ركعتين فعبدي حر يعتق ولو قال : إن لم أكن صليت اليوم ركعتين فعبدي حر لا يعتق ، واليمين على الشراء لا تتقيد بالصحيح ، وقد علم مما قررناه أنه لو أذنه بالتزوج فإنه لا يملكه إلا مرة واحدة وكذا لو قال له : تزوج فإنه لا يتزوج إلا مرة واحدة لأن الأمر لا يقتضي التكرار وكذا إذا قال : تزوج امرأة لأن قوله " امرأة " اسم لواحدة من هذا الجنس كذا في البدائع ، وفي شرح المغني للهندي لو قال لعبده : تزوج ونوى مرة بعد أخرى لم يصح لأنه عدد محض ولو نوى ثنتين يصح لأن ذلك كل نكاح العبد إذ العبد لا يملك التزوج بأكثر من ثنتين وكذا التوكيل بالنكاح بأن قال : تزوج لي امرأة لا يملك أن يزوجه إلا امرأة واحدة ولو نوى الموكل الأربع ينبغي أن يجوز على قياس ما ذكرنا لأنه كل جنس النكاح في حقه ولكني ما ظفرت بالنقل ا هـ . ذكره في بحث الأمر من الأصول

وفي المحيط أذن لعبده [ ص: 210 ] في النكاح فتزوج ثنتين في عقدة واحدة لم يجز واحدة منهما إلا إذا قال المولى عنيت امرأتين ، وفي البدائع هذا إذا خص وأما إذا عم بأن قال : تزوج ما شئت من النساء جاز له أن يتزوج ثنتين فقط وقيد بالفاسد لأنه لا ينتهي بالموقوف اتفاقا كالتوكيل حتى جاز لهما أن يجدد العقد ثانيا عليها أو على غيرها كذا في التبيين وقيد بالانتهاء للاحتراز عن لزوم المهر فإن العبد المأذون له في النكاح إذا تزوج امرأة بفضولي ثم أجازت فإن المهر في رقبته يباع فيه فتناول الإذن الموقوف في حق هذا الحكم ، وإن كان لا يتناوله في حق انتهاء الإذن به ولم أره صريحا .


[ ص: 209 ] ( قوله : وهو التوكيل به ) فسر الإذن بالتوكيل مع أنه أعم لشموله لما إذا أذن لعبده به بالأولى لأنه لا يناسب قوله يتناول الفاسد بالأولى لكونه يتصرف فيه بأهليته الأصلية لارتفاع الحجر عنه بالإذن فالفاسد ، والصحيح في حقه سواء تأمل ( قوله : وقال في البدائع ولو أذن . . . إلخ ) كذا في بعض النسخ ، وفي بعضها كذا في البدائع ولو أذن . . . إلخ ، والأولى أولى فإن قوله : ولو أذن هي التي رأيتها في البدائع .

( قوله : وأنه لو تزوج صحيحا . . . إلخ ) قال في النهر فيه نظر بل ينبغي أن يصح اتفاقا ويدل على ذلك قوله : أما على أصله فظاهر يعني من أنه للتنصيص عليه إذ غاية ما فيه أنه تنصيص على بعض ما يتناوله لفظه وهو به يملكه فإذا نص عليه أولى وأما على أصلهما فلأن الصرف إلى الصحيح لضرب دلالة هي أن مقاصده لا تنتظم بأفعاله فإذا جاء النص بطلت الدلالة المقتضية لعدم دخول المقاصد وكل من الوجهين كما ترى صريح في الصحيح وكأنه النظر الصحيح ا هـ . وهو غير ظاهر لأن قوله أما على أصله فظاهر وجهه أنه لو باشر الفاسد مع الإطلاق صح لأنه من متناولات اللفظ فبالأولى مع التقييد به ، وذلك لا يفيد صحة الصحيح حينئذ بل مقتضى التقييد خلافه وقوله : وأما على أصلهما . . . إلخ وجهه أنه عند الإطلاق انصرف إلى الصحيح لضرب دلالة هي ما مر من أن المقصود من النكاح في المستقبل الإعفاف ، والتحصين وذلك بالجائز فإذا نص على خلاف الظاهر انصرف إليه وتقيد به لبطلان الدلالة ولو كان مع الإطلاق يتقيد بالصحيح ومع التقييد يشمله ، والفاسد لزم قلب الموضوع ويؤيده ما مر من أن الوكيل بنكاح فاسد لا يملك النكاح الصحيح ووجهه أنه قد يكون للآمر غرض في الفاسد وهو عدم لزوم المهر بمجرد العقد فيكون الصحيح ملزما له بالمهر بمجرد العقد وهو إلزام على الغير بما لم يأذن به ( قوله : ولو نوى الموكل الأربع ) أي إذا قال له : زوجني أما لو قال : تزوج لي امرأة فلا تصح نية الأربع لما [ ص: 210 ] تقدم آنفا عن البدائع تأمل ( قوله : حتى جاز لهما ) أي للمأذون ، والوكيل ( قوله : فتناول الإذن الموقوف في حق هذا الحكم ) قال في النهر : لا نسلم أنه يتناوله في حق هذا الحكم أيضا إذ ثبوته بعد الإجازة ولا توقف إذ ذاك ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية