البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله : إلا أم أخته وأخت ابنه ) يعني فإنهما يحلان من الرضاع دون النسب أطلق المضاف ، والمضاف إليه ففي أم أخته ثلاث صور : الأولى الأم رضاعا ، والأخت نسبا بأن أرضعت أجنبية أخته نسبا ولم ترضعه ، الثانية : عكسه أن يكون لأخته رضاعا أم من النسب ، الثالثة : أن يكونا رضاعا بأن أرضعت امرأة صبيا وصبية ولهذه الصبية أم أخرى من الرضاع لم ترضع الصبي ، وفي أخت ابنه ثلاث أيضا فالأولى أن تكون الأخت رضاعا فقط بأن كان له ابن من النسب ولهذا الابن أخت من الرضاعة ارتضعا على غير امرأة أبيه ، والثانية أن يكون الابن رضاعا فقط وله أخت من النسب [ ص: 240 ] والثالثة أن يكونا رضاعا ومراده من الابن الولد فيشمل البنت ، وفي شرح الوقاية : فإن قيل قوله : إلا أم أخته إن أريد بالأم الأم رضاعا وبالأخت الأخت رضاعا لا يشمل ما إذا كانت إحداهما فقط بطريق الرضاع ، وإن أريد بالأم الأم نسبا وبالأخت الأخت رضاعا أو بالعكس لا يشمل الصورتين الأخريين قلنا المراد ما إذا كانت إحداهما بطريق الرضاع أعم من أن تكون إحداهما فقط أو كل منهما ا هـ .

ولا شك أن السبب في استثناء هذين عدم وجود العلة فإنها في التحريم من الرضاع وجود المعنى المحرم في النسب ولم توجد في هذين أما في الأولى فلأن أم أخته من النسب إنما حرمت لكونها أمه أو موطوءة أبيه وهو مفقود في الرضاع وأما في الثانية فلأن أخت ابنه نسبا إنما حرمت لكونها بنته أو بنت امرأته ولم يوجد في الرضاع فعلم أنه لا حصر في كلامه ، وقد ثبت ذلك الانتفاء في صور أخرى فزاد على الصورتين في الوقاية أربعة : أم عمه ، وعمته ، وأم خاله ، وخالته لأن أم هؤلاء موطوءة الجد الصحيح أو الفاسد ولا كذلك من الرضاع ، وفي شرحها ولا تنس الصور الثلاث في جميع ما ذكرنا ا هـ .

يعني : من اعتبار الرضاع في المضاف فقط أو المضاف إليه فقط أو فيهما وزاد الشارحون صورا أخرى الأولى أم حفدته رضاعا بأن أرضعت أجنبية ولد ولده فله أن يتزوج بهذه المرأة بخلافه من النسب لأنها حليلة ابنه أو بنته ولم يوجد هذا المعنى في الرضاع ، وفي المصباح حفد حفدا خدم فهو حافد ، والجمع حفدة مثل كافر وكفرة ومنه قيل للأعوان حفدة وقيل لأولاد الأولاد حفدة لأنهم كالخدام في الصغر ا هـ . والمراد هنا أولاد الأولاد

، والثانية جدة ولده من الرضاع بأن أرضعت أجنبية ولده ولها أم فإنه يجوز له التزوج بهذه الأم بخلافه من النسب لأنها أمه أو أم امرأته ، الثالثة : عمة الولد من الرضاع بأن كان لزوج المرضعة أخت فلأب الرضيع أن يتزوجها بخلافه من النسب لأنها أخته ولم يذكروا خالة ولده لأنها حلال من النسب أيضا لأنها أخت زوجته الرابعة يحل للمرأة التزوج بأبي أخيها من الرضاع أو بأخي ولدها من الرضاع وبأبي حفدتها من الرضاع وبجد ولدها من الرضاع وبخال ولدها من الرضاع ولا يجوز ذلك كله من النسب لما قلنا في حق الرجل ثم اعلم أن ما ذكرناه من صحة اعتبار الرضاع في المضاف فقط أو في المضاف إليه فقط أو فيهما يطرد في جميع الصور كما ذكره ابن وهبان في شرح المنظومة وأفاد أنها تبلغ نيفا وستين مسألة ليس هذا المختصر موضع ذكرها وأحال إلى الذهن في حل بعضها وتبعه في الإضراب عن حلها العلامة عبد البر بن الشحنة وأقول : في بيان حلها إن مسألتي الكتاب أربع وعشرون صورة لأن لأم أخيه بتذكير الأخ وبتأنيث الأخت صورتين لجواز إضافة الأم إلى الأخ ، والأخت وكل منهما بالاعتبارات الثلاثة فهي ستة ولأخت ابنه بتذكير الابن وتأنيث البنت صورتين لجواز إضافة الأخت إلى الابن ، والبنت وبالاعتبارات ستة ولكل من الاثني عشر صورتان أما باعتبار ما يحل للرجل أو ما يحل للمرأة فإنه كما يجوز له التزوج بأم أخيه يجوز لها التزوج بأبي أخيها فيه أربع وعشرون ، وأما الأربعة الثانية أعني أم عمه وعمته وأم خاله وخالته فهي أربع وعشرون صورة أيضا لأن الأربعة بالاعتبارات الثلاث اثنا عشر ولكل منها صورتان

أما باعتبار ما يحل له أو لها فإنه كما يجوز للرجل التزوج بأم عم ولده رضاعا يجوز لها التزوج بأبي عم ولدها رضاعا إلى آخر الأقسام وأن الثلاثة الأخيرة أعني أم حفدته وجدة ولده وعمة ولده فهي بالاعتبارات الثلاث تسعة ولكل منهما صورتان باعتبار ما يحل له أو لها فإنه كما يجوز للرجل التزوج بأم حفدته يجوز للمرأة التزوج بأبي حفدتها من الرضاع كما قدمناه لكن لا يتصور في حقها عم ولدها لأنه حلال من النسب أيضا لها لأنه أخو زوجها ولكن العدد المذكور لا ينتقص به لأن بدله خال ولدها فإنه كما قدمناه جائز لها [ ص: 241 ] من الرضاع دون النسب لأنه أخوها فصارت الثلاثة ثمانية عشر فصار الكل ستا وستين صورة فالمراد بالنيف في كلام ابن وهبان ست وهذا البيان من خواص هذا الكتاب بحول الله وقوته ثم تأملت بعد قول ابن الهمام إذا عرفت مناط الإخراج أمكنك تسمية صور أخرى ففتح الله تعالى بتسمية صورتين الأولى بنت أخت ولده حلال من الرضاع حرام من النسب لأنها إما بنت بنته أو بنت ربيبته ويصح فيه الأوجه الثلاثة وكل منها إما أن تكون الأخت مضافة إلى الابن أو البنت فهي ستة وكل منها إما باعتبار ما يحل للرجل أو لها فإنه كما يجوز له التزوج ببنت أخت ، والده رضاعا يجوز لها التزوج بابن أخت ولدها رضاعا فصارت اثني عشر الثانية بنت عمة ولده جائزة من الرضاع حرام من النسب لأنها بنت أخته

وفيها الوجوه الثلاثة فقط باعتبار ما يحل له ولا يتأتى هنا باعتبار المرأة فإنه يحل لها التزوج بابن عمة ولدها من النسب ، والرضاع جميعا بخلاف المسألة الأولى فإنه لا يجوز لها التزوج بابن أخت ولدها من النسب لأنه إما أن يكون ابن بنتها أو ابن بنت زوجها وهو يحرم عليه التزوج بحليلة جده فالحاصل أن هاتين الصورتين على خمسة عشر وجها فصارت المسائل المستثناة إحدى وثمانين مسألة ولله الحمد لكن صحة اتصال من الرضاع في قولهم إلا أم أخته من الرضاع ونحوه بكل من المضاف وحده ، والمضاف إليه وحده وبهما إنما هو من جهة المعنى أما من جهة الإعراب فإنما يتعلق بالأم حالا منه لأن الأم معرفة فيجيء المجرور حالا منه لا متعلقا بمحذوف وليس صفة لأنه معرفة أعني أم أخته بخلاف أخته لأنه مضاف إليه وليس فيه شيء من مسوغات مجيء الحال منه ومثل هذا يجيء في أخت ابنه كذا في فتح القدير ، وقد حكى المرادي في شرح الألفية عن بعض البصريين جواز مجيء الحال من المضاف إليه بلا مسوغ من المسوغات الثلاثة نحو ضربت غلام هند جالسة ونوزع ابن مالك في شرح التسهيل في دعوى أن عدم جوازه بلا خلاف وذكر في المغني أن الجار ، والمجرور ، والظرف إذا وقعا بعد نكرة محضة كانا صفتين نحو : رأيت طائرا فوق غصن أو على غصن وإذا وقعا بعد معرفة محضة كانا حالين نحو : رأيت الهلال بين السحاب أو في الأفق ومحتملان في نحو يعجبني الزهر في أكمامه ، والثمر على أغصانه لأن المعرف الجنسي كالنكرة ، وفي نحو : هذا ثمر يانع على أغصانه لأن النكرة الموصوفة كالمعرفة ا هـ .

ولا يخفى أن التعريف بالإضافة هنا كالتعريف الجنسي فيجوز إعرابه صفة وحالا وقوله : يتعلق بالأم لا متعلق بمحذوف ليس بصحيح لأن الظرف ، والمجرور يجب تعلقهما بمحذوف في ثمانية مواضع منها وقوعهما حالا أو صفة كما ذكره في المغني من الباب الثالث ، والتقدير هنا إلا أم أخته كائنة من الرضاع ثم اعلم أنا قدمنا أن أم العم وأم الخال لا تحرم من الرضاع ، فقال الشارح ومن العجب ما ذكره في الغاية أن أم العم من الرضاع لا تحرم وكذا أم الخال وهذا لا يصح لما ذكرنا أنه معتبر بالنسب ، والمعنى الذي أوجب الحرمة في النسب موجود في الرضاع فكيف يصح هذا بيانه أنها لا تخلو إما أن تكون جدته من الرضاع أو موطوءة جده وكلاهما يوجب الحرمة فلا يستقيم إلا إذا أريد بالعم من الرضاع من رضع مع أبيه وبالخال من رضع مع أمه فحينئذ يستقيم ا هـ .

ورده في فتح القدير بقوله : ولقائل أن يقول بمنع الحصر لجواز كونها لم ترضع أباه ولا أمه فلا تكون جدته من الرضاع ولا موطوءة جده بل أجنبية أرضعت عمه من النسب وخاله ا هـ .

والحاصل أن الشارح فهم أن الجار ، والمجرور أعني قوله من الرضاع متصل بالمضاف إليه فقط وحينئذ يحرم التزوج وصورته أن يكون له عم وخال رضاعا ولكل منهما أم نسب فحينئذ لا يجوز له التزوج بها [ ص: 242 ] لأنها كما قال إما جدته رضاعا أو موطوءة جده وغفل الشارح عن الوجهين الأخيرين اللذين هما مراد صاحب الغاية أحدهما أنه متصل بالمضاف فقط أعني الأم بأن كان له عم وخال نسبا فأرضعتهما أجنبية فله أن يتزوج بها لأنها ليست جدته ولا موطوءة جده وعليه اقتصر في فتح القدير وغفل عن الوجه الآخر وهو أن يتصل بكل منهما بأن كان له عم وخال رضاعا ولكل منهما أم رضاعا فحينئذ يجوز له التزوج بها لما قلناه وهاهنا وجه رابع وهو أن يراد بالعم من الرضاع من رضع مع أبيه رضاعا وبالخال من رضع مع أمه رضاعا ولا شك في حل أمهما لما قلناه ولا بد من تقييد الأب بإرضاع وكذا الأم وإلا لا تحل أمهما ومن العجب أن الشارح حمل كلام الغاية على هذه الصورة وأخل بهذا القيد ويرد عليه أنه لو أريد بالعم من الرضاع من رضع مع أبيه نسبا وبالخال من رضع مع أمه نسبا لم يستقم فإن قلت قد قررت أنه لا يصح اتصاله بالمضاف إليه فقط فيلزم بطلان قول شارح الوقاية ولا تنس الصور الثلاث في جميع ما ذكرنا وعدم صحة تقسيم ابن وهبان إلى نيف وستين لإسقاط هذه الصورة من هذا القسم

قلت لم يلزما لأنه يصح اتصاله بالمضاف إليه فقط على الوجه الرابع لا على الوجه الأول فلاتصاله بالمضاف إليه فقط صورتان في صورة لا تحل الأم ، وفي صورة تحل فيحمل كلامهم على الصورة التي تحل تصحيحا وتوفيقا وهذا البيان من خواص هذا الكتاب لم أسبق إليه بحول الله وقوته ، وفي فتح القدير : ثم قالت طائفة هذا الإخراج تخصيص للحديث أعني { يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب } بدليل العقل ، والمحققون على أنه ليس تخصيصا لأنه أحال ما يحرم بالرضاع على ما يحرم بالنسب وما يحرم بالنسب هو ما تعلق به خطاب تحريمه وقد تعلق بما عبر عنه بلفظ الأمهات ، والبنات وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت فما كان من مسمى هذه الألفاظ متحققا من الرضاع حرم فيه ، والمذكورات ليس شيء منها من مسمى تلك فكيف تكون مخصصة وهي غير متناولة ولذا إذا خلا تناول الاسم في النسب جاز النكاح كما إذا ثبت النسب من اثنين ولكل منهما بنت جاز لكل منهما أن يتزوج بنت الآخر ، وإن كانت أخت ولده من النسب وأنت إذا حققت مناط الإخراج أمكنك تسمية صور أخرى ، والاستثناء في عبارة الكتاب على هذا يجب أن يكون منقطعا أعني قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلا أم أخته إلى آخره ا هـ .

وبهذا اندفع ما ذكره البيضاوي بقوله : واستثناء أخت ابن الرجل وأم أخيه من الرضاع من هذا الأصل ليس بصحيح فإن حرمتها في النسب بالمصاهرة دون النسب ا هـ . لأن استثناء المنقطع صحيح إلا أن يريد الاستثناء المتصل .


[ ص: 239 - 241 ] ( قوله : ولا يتأتى هنا باعتبار المرأة ) كان ينبغي أن يفرض بدله ابن خالة ولدها حتى لا ينتقص العدد كما فرضه في المسألة السابقة أعني عم ولدها حيث فرض بدله خال ولدها ( قوله : وقوله : يتعلق بالأم . . إلخ ) قال في النهر : هذا وهم للقطع بأنه أراد بالتعلق في قوله فإنما يتعلق بالأم التعلق المعنوي وهو كونه وصفا له لما استقر من أن الحال قيد في عاملها وصف لصاحبها وهذا هو المنفي يعني لا متعلقا بمحذوف هو صاحب الحال ، والتقدير إلا أم أخيه فإنها لا تحرم من الرضاع فيكون صاحب الحال هو الضمير في يحرم إذ لا محوج إليه وهذا مما يجب أن يفهم في هذا المقام وكيف ينسب إلى مثل هذا الإمام أنه قد خفى عليه مثل هذا الكلام [ ص: 242 ] ( قوله : لأنها كما قال إما جدته رضاعا أو موطوءة جده ) أقول : لا يخفى أن المرضعة إن كانت أم العم أو الخال فعدم جواز التزوج بالأم النسبية وهي المرضعة هنا لكونها جدته رضاعا وموطوءة جده أي جده من الرضاع ، وإن كانت المرضعة أجنبية فالأم النسبية ليست جدته من الرضاع ولا موطوءة جده وعلى كل فالترديد غير ظاهر ( قوله : فإن حرمتهما في النسب بالمصاهرة دون النسب ) في إطلاقه نظر لأن أخت ابن الرجل إنما تكون حرمتها بالمصاهرة إذا كانت أختا لأم فتكون ربيبته بخلافها شقيقة أو لأب وأم أخيه إنما تكون حرمتها بالمصاهرة إذا كان الأخ أخا لأب فإن أمه حينئذ امرأة الأب بخلاف الأخ الشقيق أو لأم فإن حرمة أمه بالنسب لأنها أم قاله بعض الفضلاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية