البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله : ولو جنبا أو حائضا ) يعني يتيمم الجنب والمحدث والحائض والنفساء ، وهو قول جمهور العلماء للأحاديث الواردة منها ما رواه البخاري ومسلم من حديث عمر أن ابن الحصين { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل مع القوم فقال يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد } ومنها حديث عمار { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتيمم ، وهو جنب } رواه الأئمة الستة

وأما الآية ، وهي قوله تعالى { أو لامستم النساء } فقد اختلف فيها فذهب عمر وابن مسعود وابن عمر إلى حملها على المس باليد فمنعوا التيمم للجنب وذهب علي وابن عباس وعائشة إلى أنها محمولة على الجماع فجوزوه للجنب وبه أخذ أصحابنا وجمهور العلماء ترجيحا لسياق الآية ; لأن الله تعالى بين حكم الحدث الأصغر والأكبر حال وجود الماء ثم نقل الحكم إلى التراب حال عدم الماء وذكر الحدث الأصغر بقوله { أو جاء أحد منكم من الغائط } فتعين حمل الملامسة على الجماع ليكون بيانا لحكم الحدثين عند عدم الماء كما بين حكمهما عند وجوده والشافعي حمل الآية على الجماع والمس باليد فقال بإباحته للجنب ونقض الوضوء بالمس باليد والحيض والنفاس ملحقان بالجنابة ; لأنهما في معناهما هكذا في كثير من الكتب لكن في الفتاوى الظهيرية كما نقله مسكين في شرح الكنز والشمني في شرح النقاية تفصيل في الحائض ، وهي أنها إذا طهرت لعشرة أيام يجوز لها التيمم ، وإن طهرت لأقل لا يجوز إلا أن الشمني نقله عنها في تيممها لصلاة الجنازة والعيد والأول في مطلق التيمم والذي يظهر أن هذا التفصيل غير صحيح بدليل ما اتفقوا على نقله في باب الحيض والرجعة أن الحائض إذا انقطع دمها لأقل من عشرة فتيممت عند عدم القدرة على الماء وصلت جاز للزوج وطؤها وهل تنقطع الرجعة بمجرد التيمم أو لا بد من الصلاة به فيه خلاف فهذا صريح في جواز التيمم لها وممن صرح به القاضي الإسبيجابي في شرح مختصر الطحاوي .

ولفظه الأصل أن المرأة إذا كانت أيامها دون العشرة فوقت اغتسالها من الحيض حتى أنها لا تخرج من الحيض ما لم تغتسل أو يمضي عليها أدنى وقت الصلاة إليها مع قدوة الاغتسال فيه ، ولو تيممت ، وصلت خرجت من الحيض بالاتفاق ولو تيممت ولم تصل لا ينقطع حق الرجعة في قولهما خلافا لمحمد وزفر وأجمعوا أنها لا تتزوج حتى تصلي بذلك التيمم إلى آخر ما ذكر من الفروع لكن صحح شمس الأئمة السرخسي في مبسوطه أنه لا يطؤها حتى تصلي به إجماعا ; لأن محمدا إنما جعل التيمم كالاغتسال فيما هو مبني على الاحتياط ، وهو قطع الرجعة والاحتياط في الوطء تركه فليس التيمم فيه كالاغتسال كما لم يفعله في الحل للأزواج وفي المحيط جنب مر على مسجد فيه ماء يتيمم للدخول ولا يباح له إلا بالتيمم ، وإن كان فيه عين صغيرة ولا يستطيع الاغتراف منه لا يغتسل فيها ويتيمم ; لأن الاغتسال فيه يفسده ولا يخرج طاهرا فلا يكون مفيدا ولو أصابته الجنابة في المسجد قيل لا يباح له الخروج من غير تيمم اعتبارا بالدخول وقيل يباح ; لأن في الخروج تنزيه المسجد عن النجاسة وفي الدخول تلويثه بها . ا هـ . وسيأتي في الحيض تمامه إن شاء الله تعالى .


( قوله : إلا أن الشمني إلخ ) أقول : نص عبارة الظهيرية هكذا وكما يجوز التيمم للجنب لصلاة الجنازة وصلاة العيد فكذلك يجوز للحائض إذا طهرت من الحيض إذا كان أيام حيضها عشرة ، وإن كان أقل من عشرة لا يجوز ا هـ بحروفه .

( قوله : والذي يظهر أن هذا التفصيل غير صحيح ) قال في النهر ما في الظهيرية يجب حمله على ما إذا انقطع لأقل من عادتها لما سيأتي في الحيض اتفاقا من أنه لا يحل قربانها ، وإن اغتسلت والحالة هذه فضلا عن التيمم وإليه يشير ما قاله الإسبيجابي ا هـ .

أي قوله الآتي إذا كانت أيامها دون العشرة أي عادتها ذلك أقول : ولا يخفى أن قول الظهيرية إذا كان أيام حيضها عشرة إلخ يفيد أن المراد الانقطاع للعادة لا للأقل فهذا الحمل بعيد من عبارة الظهيرية التي نقلناها فتعين ما قاله المؤلف .

التالي السابق


الخدمات العلمية