البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله : وبأبنت نفسي طلقت لا باخترت ) يعني أن أبنت نفسي يصلح جوابا لطلقي نفسك ولا يصلح اخترت نفسي جوابا له ، والفرق بينهما أن الإبانة من ألفاظ الطلاق لأنه كناية ، والمفوض إليها [ ص: 353 ] الطلاق ، والاختيار ليس من ألفاظه لا صريحا ولا كناية بدليل الوقوع بأبنتك دون اختاري ، وإن نوى الطلاق . وتوقفه على إجازته إذا قالت أبنت نفسي بشرط نيتها كما في تلخيص الجامع وعدم التوقف إذا قالت اخترت نفسي منه وإنما صار كناية بإجماع الصحابة رضي الله عنهم فيما إذا حصل جوابا للتخيير على خلاف القياس وصلح جوابا للأمر باليد أيضا لأنه هو التخيير معنى فثبت جوابا له بدلالة نص إجماعهم على التخيير لأن قوله : أمرك بيدك ليس معناه إلا أنك مخيرة في أمرك الذي هو الطلاق بين إيقاعه وعدمه فهو مرادف للتخيير بلفظ التخيير للعلم بأن خصوص اللفظ ملغي بخلاف طلقي فإنه وضع لطلب الطلاق لا للتخيير بينه وبين عدمه ، وفي المحيط من العتق لو قال لأمته : أعتقي نفسك فقالت اخترت كان باطلا ا هـ .

بخلاف ما إذا قالت جعلت الخيار إلي أو جعلت أمري بيدي فإنه يتوقف فإذا أجاز صار أمرها بيدها كما قدمناه وأشار بقوله طلقت إلى أنه رجعي لأن مخالفتها في الوصف فقط فوقع أصل الطلاق دون ما وصفته به بخلاف ما لو قال : طلقي نصف تطليقة فطلقت واحدة أو ثلاثا فطلقت ألفا حيث لا يقع شيء لأن المخالفة في الأصل ، وفي فتح القدير واعلم أن المسألتين ذكرهما التمرتاشي ، والخلاف فيهما في الأصل إنما هو باعتبار صورة اللفظ لا غير إذ لو أوقعت على الموافقة أعني الثلاث ، والنصف كان الواقع هو الواقع بالتطليقة ، والألف ، والخلاف في مسألة الكتاب باعتبار المعنى فإن الواقع بمجرد الصريح ليس هو الواقع بالبائن ، وقد اعتبر الخلاف بمجرد اللفظ بلا مخالفة في المعنى نظرا إلى أنه الأصل في الإيقاع ، والخلاف في المعنى غير خلاف ، وفيه ما لا يخفى ا هـ .

ولا فرق بين قوله : طلقي نفسك ، وقوله : طلقي نفسك تطليقة رجعية ولا فرق بين قولها أبنت نفسي وبين قولها طلقت نفسي بائنة في وقوع الأصل وإلغاء الوصف كما في البدائع ، وفيها من العتق لو قال لأمته : أمر عتقك في يدك أو جعلت عتقك في يدك أو خيرتك في عتقك فأعتقت نفسها في المجلس عتقت ولا يحتاج إلى نية السيد ا هـ .

فينبغي أن يكون في الطلاق كذلك فتصير هذه الألفاظ بمنزلة طلقي نفسك لا تحتاج إلى نية وأفاد بعدم صلاحيته للجواب أن الأمر يخرج من يدها لاشتغالها بما لا يعنيها كما في فتح القدير ودل اقتصاره على نفي الاختيار أن كل لفظ يصلح للإيقاع من الزوج يصلح جوابا لطلقي نفسك كجواب الأمر باليد كما صرح به في الخلاصة وذكر في القنية قال لها : طلقي نفسك فقالت : حلال الله علي حرام يقع بخوارزم وبخارى ا هـ .

وفي البزازية اخترت يصلح جوابا لأمرك بيدك ولاختاري لا لطلقي وطلقت جوابا للكل ، والأمر لا يصلح تفسيرا للأمر لأن إقامة التعزير في الأول غير مفوض إليه وكذا الاختيار للاختيار وطلقي نفسك يصلح تفسيرا لقوله : أمرك بيدك ولقوله اختاري . ا هـ .


( قوله : يعني إن أبنت نفسي يصلح جوابا لطلقي ) هذا ظاهر في أنه لا يتوقف على إجازة الزوج لصدوره جوابا للأمر بالتطليق وأما ما يأتي عن التلخيص فهو فيما إذا قالت أبنت نفسي ابتداء لا جوابا للأمر كما هنا ، وإن أشكل عليك فارجع إلى ما كتبناه عن شرح التلخيص في أول باب التفويض وعبارة الهداية هكذا [ ص: 353 ] ولو قال لها طلقي نفسك فقالت أبنت نفسي طلقت ، ولو قالت قد اخترت نفسي لم تطلق لأن الإبانة من ألفاظ الطلاق ألا ترى أنه لو قال أبنتك ينوي الطلاق أو قالت أبنت نفسي فقال الزوج قد أجزت ذلك بانت فكانت موافقة للتفويض في الأصل إلا أنها زادت فيه وصفا فيلغو ويثبت الأصل بخلاف الاختيار لأنه ليس من ألفاظ الطلاق ألا ترى أنه لو قال لامرأته خيرتك أو اختاري ينوي الطلاق لم يقع ، ولو قالت ابتداء اخترت نفسي فقال الزوج قد أجزت لا يقع شيء انتهت فما في الدر المختار لا يخفى ما فيه فتنبه ( قوله : أو ثلاثا فطلقت واحدة ) أي وبخلاف ما لو قال طلقي ثلاثا فطلقت واحدة ( قوله : لأن المخالفة في الأصل ) قال في الفتح في الأولى ظاهر وكذا في الثانية لأن الإيقاع بالعدد عند ذكره لا بالوصف على ما تقدم فيكون خلافا معتبرا بخلاف ما نحن فيه لأنها خالفت في الوصف بعد موافقتها في الأصل فلا يعد خلافا إذ الوصف تابع ( قوله : والأمر لا يصلح تفسيرا للأمر ) قال البزازي بأن قال أمرك بيدك فقالت أمري بيدي وقوله : لأن إقامة التعزير في الأول غير مفوض إليه ليس هنا محله بل ذكره قبيل هذه المسألة في مسائل الضرب بغير جناية وكأنها وقعت في نسخته على الهامش فظن المؤلف أن موضعها هنا أو الغلط من الكاتب لنسخته .

التالي السابق


الخدمات العلمية